التصميم الداخلي العصري: كيف تطور مفهوم الفضاء السكني في عصرنا الحالي؟

أبنية – خاص 

التصميم Design عملية إبداعية تهدف إلى تطوير حلول فعالة لمشكلات معينة أو تلبية احتياجات محددة، وذلك من خلال التخطيط المسبق واستخدام الأدوات المناسبة. يعتمد التصميم على التفكير الابتكاري والخيال لتوليد أفكار جديدة وتحويلها إلى منتجات أو خدمات ملموسة تسهم في تحسين حياة الأفراد أو تحقيق أهداف معينة. ويتنوع التصميم ليشمل مجالات متعددة مثل التصميم الصناعي، وتصميم الجرافيك، والتصميم الداخلي، وغيرها. ويعتمد المصمم على مبادئ محددة، مثل: التوازن، والتناغم، والوظيفية، والجمالية، لضمان إنتاج عمل يلبي متطلبات المستخدمين ويحقق الأهداف المرجوة.

ويؤدي التصميم دورًا حيويًا في تحسين الأبنية من عدة جوانب، سواء من حيث الجمالية أو الوظيفة أو الاستدامة. فمن الناحية الجمالية، يساعد التصميم في خلق مساحات معمارية تتسم بالجاذبية البصرية والتناغم، ما يسهم في جعل المباني جزءًا مميزًا من البيئة المحيطة بها. ومن ناحية الوظيفة، يركز التصميم الجيد على الاستخدام الأمثل للمساحات والمواد، مما يحقق كفاءة في توزيع المساحات الداخلية ويجعلها مريحة للمستخدمين. بالإضافة إلى ذلك، يسهم التصميم في تعزيز الاستدامة من خلال اختيار مواد صديقة للبيئة وتقنيات بناء تقلل من استهلاك الطاقة، مما يجعل المباني أكثر كفاءة وصديقة للبيئة.

التصميم الداخلي والفضاء السكني

لكن كيف يفيد التصميم الداخلي الفضاء السكني؟

يمكن الإجابة عن السؤال السالف من خلال معرفة أهمية التصميم الداخلي، من خلال أن يكون تعبيرًا حيًّا وأمينًا عن هوية وثقافة المجتمعات والشعوب، حيث يعكس عقائدها ومبادئها في الماضي والحاضر. فهو مرآة تجسد الفكر المجتمعي المتأثر بالمعتقدات الدينية كما في العمارة الإسلامية والعمارة القبطية، والعادات والتقاليد التي سادت في منازل الأحياء الشعبية، والقيم السائدة؛ فضلًا عن تأثير العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية. ويبرز هذا التأثير بشكل واضح في تصميم الفضاء الداخلي للمساكن، حيث يمثل المسكن مركزًا لتلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة، وليس مجرد مأوى. فهو يجمع بين الجمال والبساطة، ويسعى إلى توفير تجربة بصرية ممتعة وراحة نفسية للمستخدم.

تصميم الفضاء السكني يتجاوز كونه مجرد تنظيم للفراغ، فالفضاء ليس غاية في حد ذاته، والإنسان لا يُعتبر مجرد عنصر لملء هذا الفراغ كما تملأ المادة حيزًا في الطبيعة. بل على العكس، بمجرد أن يوجد الإنسان في أي فضاء سكني، تتشكل لديه علاقة شعورية معقدة تتأثر بتعدد الأبعاد والمتغيرات التي تحكم هذه العلاقة. هذه المشاعر قد تكون متنوعة، كمشاعر الانتماء، والخصوصية، والحب، والكراهية، والأمان، والخوف، والدفء، والبرودة، والانطلاق، والتقييد. ولتحقيق هذا التفاعل الشعوري المعقد، يتطلب توفير البيئة العمرانية الملائمة تعاونًا بين المخطط والمصمم لضمان تلبية الاحتياجات النفسية والجسدية للقاطنين أو السُكَّان.

ومن ثَمَّ، فمعالجة تصميم الفضاءات الداخلية تتطلب وضع حلول مبتكرة تتماشى مع الفكر والثقافة السائدة في المجتمع. ويجب أن تحتوي هذه الفضاءات على عناصر تصميم تعكس القيم المجتمعية وتستجيب للاحتياجات الوظيفية والجمالية للسكان، وذلك بتحقيق التوازن بين الجوانب الثقافية والعملية، وضمان أن تكون الفضاءات الداخلية مكانًا مريحًا يعكس الهوية الثقافية للمجتمع ويحتوي على عناصر تصميمية تلبي متطلبات الأفراد وتوفر لهم بيئة تتماشى مع حياتهم اليومية. أمَّا من وجهة نظر المُصممين، فالفضاء السكني الداخلي، يعد المادة الأولية التي يتعامل معها المصـمم، وهو العنصـر المهم في تصـميم الداخل، أو الحيِّز الذي يتحدد بأشياء مادية “طبيعية كانت أو صناعية”، وله صفتان الأولى الفسحة التي تملأ القسم الأعلى من الحيز، والثانية تبدأ من خارج الحيِّز ولا تتحدد بمقومات معينة أو بامتداد معين.

مفهوم الفضاء السكني العصري

وفي عصرنا الحالي يتطوَّر مفهوم الفضاء السكني، بما يجلب معه من أهمية وضرورة غير ما كانت عليه في الماضي. فقديمًا كان الفضاء السكني غايته نتيجة لأشكال تخطيطه وإهمال الأفنية الخلفية، وكان يهتم فقط بالجهة المطلة على الشوارع، وداخليًا كان يتميز باستخدام المفروشات المزخرفة واللوحات الجدارية والأشياء الزخرفية، مما يعكس ثراء ومكانة الساكنين. بينما حديثًا صار التصميم الداخلي يعكس نقطتين في غاية الأهمية:

الأولى: أنَّ التصميم الداخلي للفضاءات السكنية لا يقتصر فقط على تحسين الجماليات، بل يمتد تأثيره إلى تعزيز الصحة النفسية والجسدية للسكان. فبمجرد الوجود في فضاء داخلي مصمم بعناية، يمكن أن يقلل من مستويات التوتر ويعزز الشعور بالراحة والهدوء. كما أن استخدام عناصر تصميمية فنية وجمالية يسهم في تحسين جودة الحياة الاجتماعية من خلال خلق بيئة تعزز التواصل والانتماء. فالتصميم الداخلي الهادف لا يقتصر على الجانب الوظيفي فقط، بل يعكس تأثيره الإيجابي على صحة الأفراد ونفسياتهم، مما يجعل الفضاءات السكنية مكانًا يدعم الراحة والرفاهية الشاملة.

الثانية: مُستمدَّة أو تعدُّ استكمالًا للنقطة الأولى، فالفضاء لا يعتمد على العفوية في التصميم، بل هو ضرورة لإدماج هوية وثقافة المجتمع، فما يليق بمساحات شاسعة في أحياء سكنية فارهة، لا يليق بمساحات وحدات محدوة في سكن اقتصادي؛ إذ إنَّ هذا الفراغ أو الحيّز سيحكُم على نوعي الأثات وطبيعة الحياة داخل المسكن.

مشكلات وتحدِّيات تواجه التصميم الداخلي

تواجه العديد من المساكن، لا سيَّما داخل الأحياء البسيطة، عدة مشاكل تتعلق بتصميمها وظروفها الحالية، مثل:

  • ضيق غرف المسكن وعدم وجود صالة لاستقبال الضيوف، خاصة الرجال، مما يتعارض مع تقاليد تبادل الزيارات.
  • عدم مراعاة الخصوصية داخل البيوت “كفمهوم حُرمة المنزل داخل البيئة العربية”.
  • تحويل الحمام والمرحاض حين يكون بموقع غير لائق أو مقابل لمدخل الشقة أو الوحدة السكنية، ما يعكس حرص العائلات على تحسين وظائف المساحات السكنية وتكييفها مع القيم الاجتماعية.
  • انخفاض سطح أرض المساكن عن المناطق المحيطة، مما يتسبب في تجمع مياه الأمطار.
  • تصميم المساكن يتضمن غرفتين فقط، مما لا يناسب الأسر الكبيرة.

وبناءً على ما سبق، يبقى التصميم الداخلي للفضاءات السكنية، مواجهًا للعديد من تحدِّيات الظروف المحيطة والمتنوعة اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا، إضافة لاعتبارات تتصل بحالة التصميم للسكن الاستثماري أو الحكومي، فما يليق بسكن خاص قد لا يليق بوحدات توفِّرها الدولة، قد يواجه أي تعديل داخل فيها إشكالات هندسية وقانونية.

ختامًا، ترى العديد من بحوث التصميم والمعمار الحديثة، أن توعية وتثقيف المعماريين الجدد حول فن العمارة الشاملة أمرًا بالغ الأهمية، حيث يسهم ذلك في رفع مستوى الوعي بأهمية التصميم الداخلي وتأثيره الكبير على جودة الحياة اليومية. ومن ثَمَّ، يحدُث الفهم الأشمل لأهمية التصميم الداخلي في تحسين المساحات المعيشية وجعلها أكثر راحة وجاذبية للسكان، إضافة إلى تقديم حلول تصميمية تتسم بالكفاءة الاقتصادية، بحيث تلبِّي احتياجات المستخدمين وتوفر في الوقت نفسه استدامة وفعالية من حيث التكلفة.

Related posts

إعادة تأهيل المباني التراثية: كيف تحافظ الهندسة المعمارية الحديثة على التاريخ؟

تحديات بناء ناطحات السحاب: تحقيق التوازن بين الجمال والوظيفة والسلامة

التكنولوجيا في خدمة العمارة: كيف تغير الطباعة ثلاثية الأبعاد مستقبل البناء؟