الواجهات الذكية.. بين التكيُّف ومواكبة العصر

أبنية – خاص

تتميز الواجهات الحديثة بتكوينها من طبقات ومواد متعددة، مما يمنحها القدرة على أداء مجموعة متنوعة من الوظائف. مع تزايد الاهتمام بالعمارة التكيفية، التي تتكيف مع التغيرات البيئية واحتياجات المستخدمين، أصبح من الضروري تطوير مفهوم جديد يطلق عليه المختصون والمصممون “جلد المباني”. هذا المفهوم يتسم بكثير من الوظائف ويتميز بالقدرة على الاستجابة الديناميكية.

ماذا نعرف عن الواجهات الذكية؟

تهدف واجهات المستخدم الذكية إلى تعزيز تجربة الاستخدام بشكل شامل، من خلال التركيز على قابلية الاستخدام والمرونة وديناميات التفاعل بين الإنسان والحاسوب. تعمل هذه الواجهات على استغلال المعرفة المكتسبة من تفاعلات المستخدمين السابقة، بالإضافة إلى فهم سياقات الاستخدام المختلفة وأدوات التفاعل المتاحة، لتقديم تجربة مخصصة تلبي احتياجات المستخدم بشكل أكثر دقة. فبدلاً من التعامل مع واجهات ثابتة، تتيح هذه التقنيات للمستخدمين تفاعلًا أكثر سلاسة، حيث تتكيف الواجهة مع سلوكياتهم وتفضيلاتهم، مما يساهم في تحسين كفاءة الأداء ورضا المستخدم.

إلامَ تهدف الواجهات الذكية؟

كما أن هذه الواجهات الذكية تسعى إلى دمج العناصر البيئية المحيطة، مما يجعل التفاعل مع الأجهزة أكثر طبيعية وفطرية، من خلال استخدام تقنيات مثل التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، تستطيع هذه الواجهات التنبؤ بما يحتاجه المستخدم في لحظة معينة، مما يؤدي إلى توفير الوقت والجهد.

تهدف واجهات المستخدم الذكية إلى خلق بيئات تفاعلية متكاملة تعزز من تجربة المستخدم، مما يسهم في تحقيق تفاعل أكثر فاعلية وإرضاءً بين الإنسان والتكنولوجيا.

الجمالية والحيوية البنائية

النوع المذكور من واجهات العمارة يجمع الجمالية البصرية بالدور الحيوي للبناء، في تحسين كفاءة الطاقة وتقليل التأثيرات السلبية على البيئة. علاوة على ذلك، يمكن دمج ميزات متعددة في الواجهات لتعزيز استجابتها للتغيرات المناخية.

على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات مثل الألواح الشمسية القابلة للتعديل، وأنظمة التهوية الذكية، والمواد التي تعزل الحرارة بشكل فعال. هذه الابتكارات تسمح للمباني بالتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، مما يساهم في خلق بيئة معيشية أكثر راحة واستدامة. إن التصميم المتكامل للواجهات الحديثة يمثل خطوة هامة نحو بناء مدن أكثر ذكاءً واستدامة.

سمات الواجهة الذكية الحيوية

التفاعل الشخصي

يتعين على الواجهة الذكية أن تتكيف مع احتياجات المستخدمين، مع الأخذ في الاعتبار خصائصهم وسلوكياتهم الفريدة. يجب أن يتم تخصيص التجربة بحيث يشعر المستخدم بأنه يتعامل مع نظام مصمم خصوصًا له. من خلال تكييف المحتوى والوظائف، يمكن تعزيز التفاعل وجعل المستخدم أكثر راحة وثقة في استخدام الواجهة.

المناسبة

تعتبر القدرة على تصفية المعلومات غير ذات الصلة واحدة من السمات الأساسية للواجهة الذكية، مما يقلل من العبء المعرفي على المستخدم. يجب أن تسعى الواجهة إلى تقديم المعلومات الأكثر أهمية وذات الصلة، مع اقتراح مصادر جديدة قد تكون مفيدة ولكن غير معروفة للمستخدم. هذا يعزز من فعالية اتخاذ القرار ويساعد المستخدم على الوصول إلى المعلومات بسرعة وسهولة.

تسهيل تجربة المستخدم بشكل أفضل

يجب أن تكون الواجهة مصممة بشكل يمكّن المستخدم من أداء المهام بكفاءة ودون أخطاء. ذلك يتطلب توفير واجهة مستخدم بسيطة وواضحة، تتيح للمستخدم التنقل بسهولة بين الخيارات المختلفة. كلما كانت التجربة أكثر سلاسة، زاد رضا المستخدم وزادت احتمالية عودته لاستخدام الواجهة في المستقبل.

التنبؤ والاستباق

تعتبر القدرة على التنبؤ بالخطوات التالية للمستخدم واحدة من المزايا الأساسية للواجهة الذكية. يجب أن تكون الواجهة قادرة على اقتراح الحلول الأكثر احتمالا استنادًا إلى سلوكيات المستخدم السابقة. هذا النوع من التفاعل يساهم في تحسين تجربة المستخدم، حيث يجعل الأمور أكثر سلاسة ويسهل اتخاذ القرارات السريعة والمستنيرة.

نماذج الواجهات الذكية

  • الخرسانة البيولوجية

الخرسانة البيولوجية هي نوع حديث من الخرسانة يُعزز نمو الطحالب والفطريات والكائنات الحية الدقيقة على أسطحها. تحتوي هذه الخرسانة على مزيج من الأسمنت البورتلاندي العادي وأسمنت الفوسفات المغنيسيوم، مما يجعلها أكثر حمضية ويتيح بيئة مناسبة للنمو البيولوجي. يتم تغليف الخرسانة بطبقات واقية تمتص المياه وتساعد في نمو النباتات، مع توفير نظام طبيعي لري الطحالب باستخدام مياه الأمطار، ما يقلل الحاجة لنظم الري التقليدية والصيانة المكلفة.

  • الخرسانة الشفافة

الخرسانة الشفافة هي مادة خرسانية ذكية تسمح بمرور الضوء من خلالها، مما يجعل المباني تبدو وكأنها نوافذ كبيرة. تستخدم هذه التقنية الألياف الزجاجية أو ثقوبًا صغيرة لتحسين شفافية الخرسانة بنسبة تصل إلى 20%. وعلى الرغم من الشفافية، تحتفظ هذه الخرسانة بقوتها العالية ومقاومتها للحرارة والأملاح والأشعة فوق البنفسجية، مما يجعلها مناسبة للعمارة الخضراء. كما أنها تقلل من استهلاك الطاقة للإضاءة النهارية بفضل قدرتها على نقل الضوء.

  • الأسمنت المضيء

الأسمنت المضيء هو مادة مبتكرة تحتوي على بوليمرات صناعية وحبيبات زجاج مغطسة بالفسفور، مما يجعلها تشع في الظلام. تُستخدم هذه المادة الذكية في تزيين واجهات المباني والأرضيات، حيث تتمتع بدرجة عالية من الصلابة والمتانة. يعتبر مبنىRWTH Aachen University  مثالًا على استخدام هذا الأسمنت، الذي يضفي لمسة جمالية ويزيد من وضوح المبنى ليلاً.

  • الأسمنت المقلل للتلوث

الأسمنت المقلل للتلوث هو نوع جديد من الأسمنت يعتمد على كربونات المغنيسيوم بدلاً من كربونات الكالسيوم في تكوينه. يتميز هذا الأسمنت بقدرته على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون خلال فترة تصلبه، حيث يمكن للطن الواحد منه أن يمتص 0.4 طن من .CO2 يساهم هذا النوع في تقليل الانبعاثات الضارة الناتجة عن تصنيع الأسمنت التقليدي، مما يجعله مادة صديقة للبيئة ودائمة أكثر.

  • زجاج إيجالاس

زجاج EGLAS هو تقنية مبتكرة للتدفئة غير مرئية تم تصميمها لتوفير راحة حرارية وبصرية داخل المباني، خصوصًا في البلدان ذات المناخ البارد. تم تطويره في فنلندا عام 1986، ويعتمد على مرور تيار كهربائي عبر طبقة رقيقة من أكسيد المعادن المثبتة على سطح واحد من الزجاج. تعمل هذه الطبقة على تسخين الزجاج بشكل فعال، مما يساهم في رفع درجة الحرارة داخل المباني. بالإضافة إلى ذلك، يمنع الزجاج تكوّن التكثف ويذيب الثلج المتراكم، مما يجعله خيارًا عمليًا في الأماكن الباردة.

  • زجاج التنظيف الذاتي

يعتبر الزجاج بالتنظيف الذاتي تقنية مبتكرة تمثل طفرة في عالم البناء والتصميم. يعتمد هذا الزجاج على طلاء شفاف يتكون من مركبات الهايدروفيليك والفوتوكاتاليتيك، مما يمكّنه من استغلال الأشعة فوق البنفسجية التي تنبعث من الشمس والمطر في التحكم بكفاءة في الأوساخ المتراكمة على سطحه الخارجي. فعند تعرض الزجاج للأشعة فوق البنفسجية، يحدث تحلل للأوساخ والتراكمات العضوية، مما يجعل السطح الزجاجي رطبًا ويسهل تنظيفه. كما أن وجود المطر أو الماء يساعد في تشكيل طبقة تغطي الزجاج، مما يؤدي إلى شطف الأوساخ العضوية والمواد المعدنية بسهولة.

تمثل هذه التقنية فائدة كبيرة للواجهات، حيث تساهم في تقليل الحاجة إلى عمليات التنظيف التقليدية بنسبة تصل إلى النصف. هذا يعني تقليل التكاليف المرتبطة بالقيام بعمليات تنظيف واجهات المباني الشاهقة، مثل استخدام السقالات والرافعات، التي غالبًا ما تتضمن مخاطر عالية. بفضل زجاج التنظيف الذاتي، يمكن للمعماريين والمطورين تصميم مبانٍ ذات واجهات زجاجية أنيقة وجذابة دون القلق من التكاليف والجهود اللازمة للحفاظ على نظافتها.

ختامًا، إنَّ المواد الذكية لا تستطيع تكوين نظام متكامل بمفردها، بل عادة ما تكون ضمن أنظمة ذكية تتسم بالتكامل. وتقدِّم المواد الذكية مجموعة واسعة من المميزات والفوائد للمباني عند الاعتماد عليها كمواد لبناء المبنى بوجه عام، ولغلاف المبنى بوجه خاص، لما له من اتصال مباشر بالبيئة الخارجية وتغيراتها؛ كي يضمن مزيدًا من بناء فعّال مُستدام.

Related posts

تصميم المباني الإدارية.. اتجاهات حديثة نحو استدامة عملية

التصميم الحيوي في البناء وقوَّة تسخير الطبيعة

جودة البيئة المعمارية.. التقنية الحديثة في مبانٍ تعليمية مستدامة