أبنية – خاص
يعدُّ الماء سر وجود الكائنات الحية على هذه الأرض، وهو عنصر أساسي لبقاء الحياة واستمرارها. لقد ارتبط وجود الكائن الحي بالماء ارتباطًا وثيقًا. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الماء بظواهر حضارية أخرى، مثل البناء، حيث لولاه لما كانت هناك تشييدات بهذه الصلابة، ولما استمرت العمائر ولا تطوَّر العمران.
تعد المياه من العناصر الأساسية في عمليات البناء، حيث تُستخدم في إعداد الملاط وخلط الخرسانة وأعمال المعالجة. لذا، فإن جودة المياه المستخدمة تؤثر بشكل مباشر على قوة ومتانة الخرسانة، مما يجعل من الضروري ضمان توفر مياه ذات جودة عالية خلال جميع مراحل البناء. خلال هذه السطور سنتعرض إلى شروط جودة هذا الماء، وكيف ترتبط جودته بمعايير ومقادير يحددها أهل المهنة من المهندسين والبنَّائين العاملين في هذا المجال.
أهمية جودة المياه
تؤثر الشوائب الموجودة في الماء، مثل القلويات والأحماض والزيوت والملح والسكر والمواد العضوية، على جودة الخرسانة وعمليات المعالجة. ويمكن أن تتسبب هذه الشوائب في تآكل المعادن المصنوعة من الحديد، كما قد تدخل الطمي والطين غير المرغوب فيهما إلى الخرسانة، مما يؤثر سلبًا على عملية تصلبها.
تتمثل الخطورة في أن وجود هذه الشوائب يمكن أن يقلل من قوة الخرسانة بنسبة تصل إلى 25%، مما يبرز أهمية جودة المياه المستخدمة في عمليات البناء. ويعتمد الهدف النهائي من البناء على استقرار الهيكل وقدرته على البقاء سليمًا وغير متغير أمام القوى الخارجية. وترتبط القوة بقدرة المبنى على تحمل الأحمال دون فشل، بالإضافة إلى المتانة والمرونة في مواجهة الضغوط الخارجية. كما يجب أن يتحمل المبنى بعض العناصر دون تعرضه للأضرار، مثل الظروف الجوية والنيران، وكل ذلك يتحقق من خلال استخدام خرسانة تعتمد على جودة مائية فعالة لتحقيق هذه الأغراض.
وظائف مياه الخلط المستخدمة في الخرسانة
- الوظيفة الأساسية
- ترطيب الأسمنت: تعمل مياه الخلط على إماهة الأسمنت وتفاعلها معه لتكوين أكاسيد الأسمنت، مما يساعد في تلاحم المركبات بعضها مع بعض.
- نسبة الماء إلى الأسمنت(W/C) : يجب أن تكون كمية الماء اللازمة لإماهة الأسمنت 3 أجزاء من وزن الأسمنت. يتم حساب ماء الخلط دائمًا كنسبة ماء إلى الأسمنت.
- تأثير الماء الزائد: إذا تم إضافة ماء زائد، فإن ذلك يساعد الركام على الانسياب في عجينة الأسمنت لتسهيل العملية التشغيلية. ومع ذلك، فإن الإفراط في الماء يقلل من قوة الخرسانة.
- بلل جزيئات الركام: يساعد الماء في بلل سطح جزيئات الركام، حيث يمكن أن يؤدي وجود أجزاء جافة في الركام إلى امتصاص جزء من ماء الإماهة، مما يمنع إتمام عملية الإماهة ويضعف قوة ومقاومة الخرسانة.
- الاختصار: يجب وضع كميات المياه اللازمة وفقًا لتقديرات الخلطة التصميمية.
- الوظيفة الثانوية
- غسل الركام: تُستخدم المياه في غسل حبيبات الركام الناعم والخشن لإزالة المركبات العضوية والشوائب والكبريتات والأملاح الضارة جدًا في الخرسانة.
- معالجة الخرسانة بعد الصب: تُستخدم المياه في معالجة الخرسانة بعد الصب، وهي عملية مهمة حيث يتفاعل جزء من الأسمنت مع الماء أثناء عملية الخلط، ويجب استكمال هذا التفاعل بعد الصب. هذه العملية تساعد الخرسانة على اكتساب قوتها ومقاومتها الكاملة.
- تجنب شروخ الانكماش: لتجنب حدوث شروخ الانكماش الناتجة من جفاف الخرسانة الجديدة، يجب رش الخرسانة بالماء لمدة أسبوع من صبها.
معايير تحديد جودة الماء
- تحييد المياه
يجب تحييد 100 مل من عينة الماء باستخدام 0.02N NaOH و0.02N H₂SO₄. هذا الإجراء ضروري لضمان عدم وجود أي تأثيرات سلبية على الخرسانة قد تنجم عن المواد الكيميائية الضارة.
- الرقم الهيدروجيني
يجب أن يكون الرقم الهيدروجيني للمياه ضمن حدود معينة. فالحفاظ على مستوى الرقم الهيدروجيني المناسب يضمن عدم تأثر المواد المستخدمة في البناء، مما يحافظ على قوة الخرسانة.
- المواد الصلبة العضوية وغير العضوية
يجب أن تكون كمية المواد الصلبة العضوية وغير العضوية في الماء منخفضة. فوجود مستويات مرتفعة من هذه المواد يمكن أن يؤثر سلبًا على عملية الخلط ويقلل من جودة الخرسانة.
- المواد المعلقة
يجب أن تكون المواد المعلقة في الماء ضمن الحدود المسموح بها. إذ وجود كميات كبيرة من المواد المعلقة، قد يؤدي إلى تدهور الخصائص الفيزيائية للخرسانة ويؤثر في تماسكها.
- الكلوريدات والكبريتات
يجب مراقبة مستويات الكلوريدات والكبريتات في الماء. هذه المركبات يمكن أن تؤدي إلى تآكل الحديد المستخدم في الخرسانة، مما يضعف الهيكل على المدى الطويل.
اختبارات جودة المياه
تتطلب بعض المعايير، مثل معايير IS 456:2000 إجراء اختبارات دقيقة لتحديد جودة المياه المستخدمة، بتقديم حِزم اختبار مياه مخصصة لهذا الغرض. تُسهِم هذه الاختبارات في ضمان أن المياه المستخدمة تلبي المعايير اللازمة وتضمن متانة وأمان المنشآت البنائية.
يعدُّ ضمان جودة المياه المستخدمة في تشييد المباني أمرًا حيويًا للحفاظ على سلامة المنشآت وجودتها. ويجب الالتزام بالمعايير المحددة في IS 456:2000 لضمان تحقيق أفضل النتائج في عمليات البناء، وتجنب أي مشكلات مستقبلية قد تنجم عن استخدام مياه غير مطابقة للمواصفات.
ماء البحر والماء العذب في الخرسانة
نُشرت دراسة على منصة “Springer” بعنوان” the Effect of Mixing Water Quality on Concrete ” من قبل باحثين، تناولت إمكانية استخدام ماء البحر في الخلط الخرساني. تُظهر مياه البحر قدرتها على تقليل وقت التصلب الأولي للخرسانة، مما يجعلها خيارًا مثاليًا في التطبيقات التي تتطلب زمنًا أسرع للتصلب. يتيح هذا التأثير الاستفادة من سرعة التنفيذ في المشاريع الإنشائية، خاصة في الظروف التي تتطلب إنجاز العمل بشكل عاجل. ومع ذلك، يجب أخذ تأثير الملح في مياه البحر بعين الاعتبار، حيث قد يؤثر سلبًا في خصائص أخرى للخرسانة، مما يستدعي إجراء المزيد من الدراسات لفهم تأثيراتها بالكامل على الأداء على المدى الطويل.
على الجانب الآخر، تظل المياه الصالحة للشرب الخيار الأمثل لضمان تحقيق قوة الضغط المتوقعة في الخرسانة. فقد أظهرت الأبحاث أن استخدام المياه العادمة يمكن أن يؤدي إلى زيادة في قوة الشد مقارنةً ببعض البدائل الأخرى، مما يوفر خيارات إضافية في عمليات البناء. ومع ذلك، ينبغي الانتباه إلى أن استخدام مصادر مياه إضافية غير مياه الشرب، قد يؤدي إلى انخفاض قوة الانحناء، مما يستدعي توخي الحذر عند اتخاذ قرارات بشأن اختيار مصادر المياه المناسبة في مشاريع البناء.
هنا يكون الماء ضارًا.. أساليب العزل المائي
العزل المائي هو عملية تغطية الأسطح بمواد خاصة تمنع تسرب الماء إلى المناطق الداخلية، مما يحمي المباني من الرطوبة ويقلل من مخاطر الأضرار الناجمة عنها. تُستخدم هذه العملية بشكل رئيسي في قطاع البناء، حيث تسهم في تحسين جودة الهواء الداخلي وتقليل استهلاك الطاقة المستخدمة في التدفئة والتبريد. وتشمل المواد المستخدمة في العزل المائي الأسمنت الأبيض والبولي يوريثين والبولي فينيل كلورايد، وكل منها يملك خصائص تساهم في تعزيز كفاءة العزل.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر العزل المائي عنصرًا أساسيًا في الصناعات البحرية والنفطية، حيث يحمي السفن والمنصات النفطية من التآكل الناجم عن الماء والرطوبة. تستخدم المواد المقاومة للماء مثل الألومنيوم والفولاذ المقاوم للصدأ والمطاط لتحقيق حماية فعالة. ومن فوائد العزل المائي توفير الطاقة، وتحسين جودة الهواء، وتقليل تلف المواد الحساسة للماء، مما يزيد من عمر المباني والمعدات الصناعية. وتعتبر عملية العزل المائي ضرورية للحفاظ على الهياكل البنائية، مما يساهم في استدامتها وفعاليتها على المدى الطويل.
أخيرًا، يُعد الماء عنصرًا أساسيًا لجودة البناء، والاعتماد على كفاءة الصانع أو البنَّاء هو مفتاح لتحقيق استدامة حقيقية للإنشاءات التي ستظل مفيدة للأجيال المستقبلية، دون انقطاع.