الأبنية الجاهزة – ترجمات
مع الدخول في مرحلةٍ جديدةٍ، ينبغي أن تكون المدن قادرة على تلبيةِ كافة المتطلبات بشكل أفضل مما كانت عليه في الماضي، إذ أصبح دور المدن أكثر شمولاً. فالمدينة تحتاج إلى مساحة سكنية كثيفة، إضافة إلى مساحةٍ مفتوحةٍ يمكن أن يلتقي فيها الناس، وكذلك مساحات خضراء. وفي مواجهة مثل هذه المطالب، تتغير المدن بسرعة، وتتسارع وتيرة التغيير.
ومع ذلك، فقد كشف عددٌ من التجارب السابقة عن أن التوسع الحضري السريع من شأنه أن يولد العديد من المشكلات التي من بينها قلة المساحات السكنية، وتراجع أعداد السكان، والأضرار التي لحقت بالبيئة والتقاليد الحضرية القائمة.
في هذا الإطار تمكَّنت العديد من المدن الكبرى في أوروبا من مواجهة مثل هذه التحديات، ما أسهم في تباطؤ التغييرات السريعة؛ ذلك أنها باتت قادرة على استيعاب التغييرات على مدى فترات طويلة من الزمن. وعلى العكس من ذلك، نجد المدن في الدول النامية أو غيرها من المدن التقليدية لا توجد لديها بنية تحتية كافية، ذلك أنه من الصعب التحكم في تسارع وتيرة التغيير. وتبدو هذه المدن في حاجة إلى مقاربة جديدة، لأنه ينبغي لها التعامل مع تلك التغييرات وحل تلك المشكلات في فترة زمنية قصيرة.
وهنا يُقتَرح أن تخصص مساحةٌ حضريةٌ تقوم على مستوى رأسي كوسيلة يمكن للمدن التقليدية اعتمادها للتغلب على اتجاهات التحضر السريعة وتلبية متطلبات المدن سريع التغير، مع الحفاظ على التقاليد.
وهنا يُثَار السؤال: هل يمكن لعصر “كايسونج الحديث” أن يستوعب متطلبات مدينة جديدة في ظل المشاكل الحضرية والتغييرات التي تنتج عنها؟
لقد كانت “كايسونج” عاصمة مملكة “غوريو” في الماضي (أصبحت كوريا فيما بعد). وكانت المدينة ذات موقع تاريخي مهم، لكنها لا تزال تعدُّ المنطقة الاقتصادية والثقافية والجغرافية المهمة اليوم. ومع ذلك، فبعد الحرب الكورية، ونتيجة لجملةٍ من القضايا الاقتصادية والسياسية للمدينة، توقف نموها لفترة طويلة. وفي عام 2003، عادت المدينة إلى الانتعاش مرة أخرى. فقد تمَّ إنشاء مجمعٍ صناعيٍ يشترك في إدارته كوريا الجنوبية والشمالية للتبادل والتعاون، وبدأت خطة تدريجية للنمو الحضري. وقد كان من المتوقع أن تبدو “كايسونج” واحدة من أسرع المدن المتغيرة بعد إعادة توحيد الكوريتين. ومع ذلك، فمن خلال ما تتميز به من خصائص عديدة، لا توجد بها منازل بشكل كثيف. فالمدن التي تتطلب مساحة أكبر تتسبب في انخفاض الكثافة بسبب النمو الحضري. وبالتالي، فمن أجل مواجهة نفس المشكلات، تتعاظم الحاجة إلى إنشاء نوعٍ جديدٍ من الحيز الحضري للحفاظ على المباني التاريخية.
إن المدينة الرأسية في “كايسونج” تُعِدُّ خطة لبناء مدينة تركز على السكن والإنتاج والبنية التحتية والطاقة بشكلٍ رأسيٍ عن طريق إنشاء عدة قواعد في المدينة الحالية. فبدلاً من هدم المباني التقليدية، يُبنى مدينة ذات كثافة عالية تتكون من ثمانية طوابق مع توفير برامج للاكتفاء الذاتي. ويمكن إضافة أو تفكيك الفيلات والوحدات السكنية بحسب الطلب في المدينة. إذ إن هيكل الفضاء والهيكل الخشبي المكون من وحدة المباني التقليدية الكورية “الغرفة” يجعل بالإمكان مطابقة المباني القائمة وتوزيع الحمولات لكل مبنى. كذلك يتم ترتيب الهياكل في إطار سداسي مكون من ستة مثلثات متساوية الأضلاع، ذات برامج مختلفة في مساحة خاصة في الفضاء العام، لأنها تبتعد عن المركز. ويسمح مركز المبنى والمساحة المفتوحة في كل زاوية بدخول الضوء والرياح بجميع أنحائه، ويوفر مساحة خضراء. بعد ذلك، يتم تخصيص الفضاءات الوسيطة للإقامة، ويتم إنشاء مساحة عامة بداخل كل مثلث، وبالتالي فإن ذلك يعيد المدينة إلى الحياة من خلال التواصل الداخلي بها. ويسمح ذلك التوجه بتطوير المجمعات الصناعية بين الأماكن السكنية والعامة، للحفاظ على النشاط الاقتصادي. ويساعد ذلك على تطوير مدينة “كايسونج” من خلال نموذج “المدينة الرأسية”، ومن ثَمَّ فإن كل ذلك من شأنه أن يعزز إمكانيات جديدة للتعايش بين التقاليد والمدينة.