Home تقنية البناء wiki التصميم الحيوي في البناء وقوَّة تسخير الطبيعة

التصميم الحيوي في البناء وقوَّة تسخير الطبيعة

by admin

أبنية – خاص

تسير منظومة البناء من أجل الاستدامة في خط يسعى نحو إقامة أبنية صديقة للبيئة بشكل فعلي تحقق التوازي بين التصميم المعماري والشكل الجمالي، لا يطغى أحدهما على الآخر في أداء وظيفته.
يعرّف المختصون والمصممون التصميم الحيوي بأنه محاولة لإنشاء مساحات تحاكي الأنماط والأشكال والعناصر الموجودة في الطبيعة، مما يعزز الاتصال بين الناس ومحيطهم. من خلال هذا النوع من التصميم يكون السعي نحو إعادة إدخال عناصر الطبيعة إلى البيئات الحضرية التي يعيش فيها البشر، ويعكس هذا الاتجاه أهمية الطبيعة في تعزيز الرفاهية البدنية والعقلية والعاطفية للأفراد.

هدف التصميم الحيوي

لقد اكتسب التصميم الحيوي شعبية كبيرة منذ أواخر القرن العشرين، وأصبح موضوعًا مهمًا للبحث في مجالات الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري. ومع توسع المدن وابتعادها عن الطبيعة، يقدم التصميم الحيوي حلاً لمواجهة التحديات التي تفرضها البيئات الحضرية، مما يساهم في خلق مساحات معيشة وعمل صحية، وجميلة، ومستدامة.
يسهم التصميم الحيوي بمكوناته في خلق بيئات تدعم الصحة النفسية والجسدية، وتعزز الرفاهية العامة. ومن خلال دمج عناصر الطبيعة في البيئات المبنية، يمكن للناس الشعور بالراحة والاستقرار، مما يعكس العلاقة الحميمة التي تجمعهم بالعالم الطبيعي. وتشير الدراسات المتخصصة في التصمميات الطبيعية والبيوفيلية نحو أنَّ أكثر من 99% من تاريخ جنسنا البشري قد تطور بيولوجيًا استجابةً تكيفية لقوى طبيعية، وليس لقوى صناعية أو من صنع الإنسان.

مكونات التصميم الحيوي الناجح

التصميم حيوي ناجح يتطلب التركيز على عدة مكونات وعناصر تساهم في خلق بيئات تعكس الطبيعة وتعزز الاتصال بين الأفراد ومحيطهم. فيما يلي أبرز هذه المكونات:
1- الإضاءة الطبيعية: استخدام النوافذ الكبيرة والأسطح الزجاجية لزيادة دخول الضوء الطبيعي، مما يساعد على تحسين المزاج وزيادة إنتاجية الأفراد. تشير دراسة نُشرت عام 2020 بدورية “International Journal of Scientific Engineering and Research (IJSER) “، إلى أنَّ الاتصال البصري مع الطبيعة والاتصال غير البصري مع الطبيعة يمثلان أول أنماط التصميم الحيوي.
2- النباتات: دمج المساحات الخضراء، مثل: الحدائق العمودية، والنباتات الداخلية، مما يساهم في تحسين جودة الهواء ويعزز الشعور بالراحة.
3- الماء: استخدام عناصر مائية مثل: الشلالات، والنوافير، والمسابح، حيث يساهم وجود الماء في خلق جو من الهدوء والاسترخاء.
4- المواد الطبيعية: استخدام مواد مستدامة وصديقة للبيئة مثل: الخشب، والحجر، والمواد المعاد تدويرها، لتعزيز العلاقة مع الطبيعة وتقليل الأثر البيئي.
5- التصميم المفتوح: إنشاء مساحات مفتوحة تشجع على التفاعل الاجتماعي وتوفير المساحات الترفيهية، مما يسهل الحركة والتنقل بين الأفراد.
6- الألوان الطبيعية: استخدام ألوان مستوحاة من الطبيعة مثل: الأخضر، والأزرق، والبني، لتعزيز شعور الهدوء والانسجام.
7- التفاعل مع البيئة: تصميم المساحات بطريقة تسمح بالاستفادة من المناظر الطبيعية المحيطة، مثل إطلالات على الجبال أو المياه، مما يعزز الاتصال بالطبيعة.
8- التهوية الطبيعية: تصميم أنظمة تهوية تسمح بتدفق الهواء الطبيعي، مما يسهم في تحسين جودة الهواء الداخلي وتعزيز راحة الأفراد. بحسب دراسة نُشرت عام 2024 بعنوان ” Natural ventilation in vernacular architecture” في دورية “Building and Environment” جذبت استراتيجيات التهوية الطبيعية المستخدمة في العمارة – عمومًا – حس المصممين في بناء مستدام عززت وضعها كخصائص متأصلة في التصميم.
9- الوظائف متعددة الاستخدامات: تصميم مساحات يمكن استخدامها لأغراض متعددة، مما يعزز مرونة الاستخدام ويتيح للأفراد الاستفادة القصوى من المساحة.

كيف يتم توظيف قوة الطبيعة؟

يوظف التصميم الحيوي قوَّة الطبيعة من خلال ثلاثة مناظير، كل منظور له خصائصه ومعياره الفنيّ والهندسي والحسِّي العاطفي، كما يلي:
1- الطبيعة كنموذج
Biomimicry هو مفهوم يستلهم من نماذج الطبيعة المثالية، حيث يتم دراسة التصاميم والعمليات الطبيعية لتطوير حلول للمشاكل البشرية بشكل مستدام. من خلال مراقبة كيف تعمل الأنظمة البيئية والتكيفات التي تقوم بها الكائنات الحية، يمكن للمهندسين والمصممين إيجاد أفكار مبتكرة تحاكي هذه النماذج الطبيعية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تلهم طريقة بناء الأصداف البحرية في تصميم هياكل قوية ومرنة.
2- الطبيعة كتدبير
يستخدم Biomimicry معيار الطبيعة كمعيار إيكولوجي لتقييم الابتكارات لدينا. ويُعتمد في هذا السياق على مبادئ الحياة، مثل: الاستدامة، والتوازن البيئي، والموارد المحدودة. من خلال النظر إلى كيفية عمل الأنظمة الطبيعية، يمكن تطوير منتجات أو تقنيات لا تؤثر سلبًا على البيئة، بل تسهم في الحفاظ عليها. وبالتالي، يصبح التصميم ليس فقط عملية جمالية، بل أيضًا مسعى مسؤول يراعي الأبعاد البيئية.

3- الطبيعة كمرشد

تتغير العلاقة مع الطبيعة بفضل Biomimicry، حيث يُنظر إليها كمرشد يُقدم الحكمة والمعرفة من أجل البقاء والعيش بشكل مستدام. فبدلاً من اعتبار الطبيعة مجرد مصدر للمواد الخام، يُنظر إليها كمصدر للأفكار المبتكرة لحل المشاكل. وتعكس هذه الرؤية مفهوم تعلّم أنماط الحياة من الطبيعة، مما يسمح بتطوير حلول تتسم بالكفاءة والاستدامة. وتعزز هذه الطريقة من الفهم العميق لطبيعة العلاقات البيئية وكيف يمكن للإنسان التعاون مع الطبيعة بدلاً من التنافس معها.

من هنا تتجسد العلاقة بين العلاقة بين العمارة والطبيعة في البناء

تُعتبر العلاقة بين العمارة والطبيعة علاقة حيوية تعكس الفلسفة وراء الكائنات الحية وطبائعها، حيث يستلهم التصميم المعماري من خصائص الطبيعة لتطوير بيئات تسهم في تحسين نوعية حياة البشر. ويتمثل أحد الجوانب الأساسية لهذه العلاقة في مفهوم البيوميميكري، الذي يتضمن محاكاة مجموعة متنوعة من العناصر الطبيعية. من خلال تصميم المباني بحيث تتفاعل مع الأنشطة الداخلية وتستجيب أيضًا للبيئات المحيطة بها، يمكن للعمارة أن تساهم في خلق مساحات معيشة تعمل بشكل مستدام وتضمن تكامل الإنسان مع بيئته.
مع تزايد وعي المصممين بأهمية الطبيعة وتأثيرها الإيجابي على حياة الأفراد، بدأت الاتجاه نحو دمج الطبيعة في المساحات الداخلية. ويشير المصمم ديفيد أوكي إلى أهمية اتباع نهج البيوميميكري، حيث تعتبر الطبيعة أساسية في تصميم بيئات قوية ومرنة. فالتصميم المعتمد على مبادئ الطبيعة يعزز التعاون، ويشجع التنوع، ويعكس شعار “الشكل يتبع الوظيفة”. بالتالي، يمكن تحقيق بيئات مبنية جمالية، وأيضًا فعّالة وقادرة على التكيف مع المتغيرات البيئية والتحديات التي تواجهها.
ختامًا، يتطلب الحفاظ على مبانينا ومناظرنا الطبيعية واستدامتها، ارتباطًا وشغفًا بهذه الإبداعات، وهو ما ينبع من إدراك إسهاماتها في صحتنا ورفاهنا العقلي والبدني من خلال مجموعة من الروابط المفيدة بالطبيعة. إن هذا الشعور بالعلاقة الإيجابية مع الطبيعة يحفزنا في النهاية لنصبح حراسًا جيدين لهذه الأماكن ونسعى لاستدامتها مع مرور الوقت. هذا هو الوعد الذي يحمله التصميم الحيوي. فالتصميم الحيوي يهدف إلى إعادة ربط الإنسان بالطبيعة أكثر من كونه مجرد تبني منهجية جديدة لتصميم البيئة المبنية. لذلك، سيتطلب تحقيق هذا الهدف تحولًا جوهريًا في الوعي البشري يقود إلى أخلاقيات جديدة تتمثل في المسؤولية عن رعاية الأرض والعلاقة معها.

You may also like

اترك تعليقك :

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?