Home تقارير المقاولات.. رحلة من المهنة إلى التخصص

المقاولات.. رحلة من المهنة إلى التخصص

by admin

أبنية – خاص
لم تكن مجرَّد مهنة، يقول أصحابها أنَّها فن ومهارة، يقولون إنَّها تعتمد على قريحة تتفتَّح. هنا ليس لعقلية الموظَّف مكان ولا هويَّة، هي طبع وطابع لا يترك المور للصدف، بل يستغل كل الإمكانات المُتاحة من أجل القيادة والابتكار. لقد مرَّت هذه المهنة عبر العصور بتطورات كبيرة جعلتها حجر الزاوية في العديد من القطاعات، وخاصة الهندسة والبناء.
خلال السطور القادمة، سنتجول بكم في رُبوع هذه المهنة ومراحلها، عبر رحلة لاستكشاف كيف تحولت المقاولة من مجرد نشاط تقليدي إلى تخصص أكاديمي ومهني في عصرنا الحديث، مع تسليط الضوء على تطورها التاريخي، تأثيرها الحالي، وآفاقها المستقبلية في ظل التطور التقني السريع.. إنَّها مهنة المقاولات.

تطور مفهوم المقاولات عبر التاريخ
ظهر مفهوم المقاولات لأول مرة في القرن السادس عشر، عندما استخدم مصطلح Entrepreneuriat في اللغة الفرنسية للإشارة إلى الأعمال التي تتطلب قيادة وتحمل المخاطر، مثل حملات الاستكشاف العسكرية.
لكن مع تقدم الزمن، بدأت هذه الفكرة تتوسع لتشمل أعمالًا أخرى أكثر تنوعًا، من بناء الجسور والمشاريع الهندسية الكبرى إلى إنشاء مؤسسات صغيرة ومبتكرة. أصبحت المقاولة تمثل عملية تحويل الأفكار إلى مشاريع قابلة للتنفيذ، وهو ما ساهم في تطورها من نشاط بسيط إلى نظام معقد يدمج بين الإدارة، الابتكار، والتخصص.

المقاولات الحديثة.. من المخاطرة إلى التنظيم العلمي
في القرن العشرين، بدأت المقاولة تأخذ أبعادًا علمية ومنهجية، خاصة بعد تعريفها على أنها عملية خلق وتنظيم الموارد البشرية والمالية لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية.

أبرز المحطات في تطور مفهوم المقاولات
– الثمانينيات والتسعينيات: شهدت هذه الفترة تعزيز دور المقاولات كظاهرة تنظيمية. وُضع إطار أكاديمي يركز على كيفية إنشاء مؤسسات جديدة، والبحث عن الفرص، وتجميع الموارد اللازمة.
– أوائل القرن الحادي والعشرين: بدأ النظر إلى المقاولات مقاولة كوسيلة لاستغلال الفرص، حيث أصبح البحث عن القيمة المضافة والابتكار هو جوهر النشاط الذي يمكن أن نُسميه “النشاط المقاولاتي”.
أمَّا الآن، مع التطور التِكنُولُوجي، أصبحت المقاولات مرتبطة بالابتكار التقني، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات النمذجة الرقمية “BIM” في مشاريع البناء والهندسة.

دور المقاولة في الهندسة والبناء: ركيزة التنمية الاقتصادية
تلعب المقاولات دورًا محوريًا في مجال الهندسة والبناء، حيث تجمع بين الابتكار والإدارة لتحقيق مشاريع متكاملة وفعّالة.
أهم مساهمات المقاولة في هذا القطاع
− إدارة المشاريع
توفر أساليب مبتكرة لإدارة المشاريع الكبيرة، مثل الجسور والطرق والمباني الذكية.
− تطوير البنية التحتية
تعتمد المقاولات على تقنيات حديثة لتنفيذ مشاريع مستدامة تلبي احتياجات الحاضر والمستقبل.
− خلق فرص عمل
تسهم المقاولات في توفير وظائف للمهندسين، العمال، والمصممين، مما يعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

المقاولة في العصر التقني.. التحول الرقمي والابتكار
في عصرنا الحالي، أصبحت التقنيات الرقمية جزءًا لا يتجزأ من عملية المقاولات ، مما أدى إلى تحسين الإنتاجية والكفاءة. تشير WIPO المنظمة العالمية للملكية الفكرية، نحو أبرز الابتكارات التقنية في عديد من المجالات، ومنها “المقاولة” نحو:
1. نظام “BIM” Building Information Modeling : يُستخدم لتصميم وتحليل المشاريع الهندسية بطريقة أكثر دقة وفعالية.
2. الذكاء الاصطناعي: يساعد في تحسين تخطيط المشاريع، التنبؤ بالمخاطر، وإدارة الموارد.
3. الطباعة ثلاثية الأبعاد: تُستخدم في البناء لإنتاج مكونات جاهزة بسرعة وكفاءة، مما يقلل من التكاليف والوقت.
4. الاستدامة: تعتمد المقاولات الحديثة على مبادئ التصميم المستدام لتقليل التأثير البيئي، مثل استخدام مواد بناء صديقة للبيئة.
المقاولة كمحرك للتغيير الاقتصادي والاجتماعي
تُعد المقاولات ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي والاجتماعي، خاصة في البلدان النامية التي تعتمد على المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحقيق التنمية.
1. الآثار الاقتصادية:
– رفع الإنتاجية.
– خلق أسواق جديدة.
– تعزيز القدرة التنافسية.
2. الآثار الاجتماعية:
– تقليل البطالة من خلال إنشاء فرص عمل جديدة.
– دعم ريادة الأعمال لدى الشباب والنساء.
– تحسين جودة الحياة من خلال مشاريع بنية تحتية فعّالة.
يشير كتاب “أعمال المقاولات: إدارة المشروعات وتنفيذ العقود” نحو أنَّ المقاولة مهنة تقوم على مجموعة من القواعد والأسس التي تربط بين الجوانب الإدارية والمالية والمحاسبية من جهة، والجوانب الفنية والتنفيذية من جهة أخرى. تتطلب الإدارة الناجحة تخطيطًا ماليًا محكمًا، إعداد ميزانيات دقيقة، وإدارة الموارد البشرية بكفاءة.
وفي إطار الكتاب الذي صدُر آخر التسعينات عن دار الراتب الجامعية، بالقاهرة، تُكمل الجوانب الفنية، مثل تحديد المواد، اختيار التكنولوجيا المناسبة، وضمان جودة التنفيذ، حيث يؤدي التكامل بين هذه العناصر إلى تحقيق أهداف المشروع بكفاءة وفعالية.
آفاق المقاولات.. المستقبل المستدام
مع التطور المستمر في التقنيات والتغيرات الاقتصادية، يتوقع أن تتجه المقاولة نحو مزيد من الاستدامة والابتكار.

التوجهات المستقبلية
– المدن الذكية
تعتمد المدن الذكية على استخدام التقنيات الذكية لتحسين جودة الحياة، مثل إدارة الطاقة والمياه بكفاءة، وتطوير البنية التحتية الذكية. تلعب المقاولات دورًا رئيسيًا في تنفيذ مشاريع المدن الذكية من خلال ابتكار حلول تقنية مستدامة. تهدف هذه المشاريع إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.
– التخصص المهني
أصبحت المقاولات تخصصًا أكاديميًا يُدرس في الجامعات والمعاهد لتزويد الطلاب بمهارات ريادة الأعمال. يركز التخصص على تطبيق التكنولوجيا والابتكار في إنشاء المشاريع وإدارتها بفعالية. يوفر ذلك للمقاولين المهارات اللازمة لمواكبة تطورات السوق وتحقيق النجاح.
– الابتكار المفتوح
يرتكز الابتكار المفتوح على التعاون بين الشركات، الجامعات، والمجتمعات المحلية لتطوير حلول مبتكرة. يُمكن لهذه المقاربة أن تُسرع من تطوير المنتجات والخدمات من خلال تبادل المعرفة والخبرات. يساهم هذا النهج في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية للمشاريع المقاولاتية.
ختامًا، تمثل المقاولات رحلة متطورة من مهنة تقليدية إلى تخصص علمي وتقني معقد. بفضل تطورها عبر التاريخ وارتباطها بالتقنيات الحديثة، فلقد أصبحت المهنة ركيزة أساس في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في قطاع الهندسة والبناء.

You may also like

اترك تعليقك :