Home تقارير المدرجات الزراعية.. تقنية القِمم الخضراء فوق التلال

المدرجات الزراعية.. تقنية القِمم الخضراء فوق التلال

by admin

أبنية – خاص
في عالم الزراعة، تُعدّ المدرجات الزراعية واحدة من أبرز الابتكارات الزراعية التي ساهمت في تحويل التضاريس الصعبة إلى أراضٍ منتجة. إنّها ليست مجرد وسيلة لزيادة الإنتاجية، بل تُجسد تفاعل الإنسان مع الطبيعة لتطوير حلول زراعية مستدامة. هذا المقال سيستعرض تعريف المدرجات الزراعية، أهميتها، أنواعها، وأشهر النماذج التي تُبرز إبداعها في أنحاء العالم.

ماذا تعني المدرجات الزراعية؟
المدرجات الزراعية هي نظام هندسي زراعي يتم من خلاله تحويل الأراضي المنحدرة والتلال إلى مستويات زراعية مدرّجة. تُبنى هذه المدرجات على شكل مصاطب أفقية لتوفير بيئة ملائمة للزراعة، حيث يتم التحكم في مياه الأمطار والجريان السطحي من خلال قنوات مخصصة. تعتبر هذه التقنية قديمة جدًا، إذ يعود استخدامها إلى أكثر من 2000 عام، كما يتضح في آثار البتراء الصحراوية. ويُقال إن شعب الإنكا في أمريكا الجنوبية طوّر هذا النظام إلى شكله الحديث.

محاصيل زراعة المُدرجات
تُستخدم المدرجات الزراعية لزراعة محاصيل متنوعة، تشمل القمح، الذرة، الأرز، الزعفران، والتفاح، مما يجعلها خيارًا مثاليًا في المناطق ذات التضاريس الصعبة.

أهمية المدرجات الزراعية
تتعدد الفوائد التي توفرها المدرجات الزراعية على المستويات البيئية والاقتصادية والزراعية. نورد فيما يلي أبرز هذه الفوائد:
1. زيادة إنتاجية الأراضي: تُساعد المدرجات على تحويل الأراضي المنحدرة غير القابلة للزراعة إلى مساحات منتجة.
2. الحفاظ على المياه: تعمل المدرجات على تقليل جريان المياه، مما يتيح حصاد مياه الأمطار والاستفادة منها في الري.
3. منع تآكل التربة: تقلل هذه التقنية من تكوّن الجداول المائية التي تساهم في جرف التربة وتآكلها.
4. تحسين جودة التربة: تمنع جرف مغذيات التربة بفعل مياه الأمطار، مما يُبقي التربة خصبة.
5. حماية النظم البيئية: تُساهم المدرجات في تقليل التلوث المائي، وتحافظ على التنوع البيولوجي.
6. التأقلم مع التغيرات المناخية: بفضل التحكم في المياه وتقليل فقدان التربة، تُمثل المدرجات الزراعية تقنية فعالة لمواجهة تحديات التغير المناخي.

تحديات المدرجات الزراعية
رغم فوائدها العديدة، تواجه المدرجات الزراعية تحديات وسلبيات يمكن أن تؤثر على فعاليتها، ومنها:
1. التكلفة العالية: تتطلب بناء المدرجات الكثير من العمالة والمواد، مما يزيد من تكاليف الإنشاء والصيانة.
2. خطر الانهيارات الطينية: في فصل الشتاء، قد يؤدي تشبع التربة بالمياه إلى جريانها بشكل يسبب انهيارات طينية.
3. انخفاض جودة التربة: يمكن أن يحدث تسرب للمغذيات بفعل الرشح المستمر.
4. الحاجة إلى معدات خاصة: يتطلب إنشاء المدرجات استخدام معدات متخصصة لتسوية الأرض وتحريك التربة.

أنواع المدرجات الزراعية
هناك ثلاثة أنظمة رئيسية تُستخدم لتصميم المدرجات الزراعية، ولكل منها ميزاتها وعيوبها:
1- مدرجات مقاعد البدلاء
* تتميز بسطح مسطح أو شبه مسطح.
* شائعة في زراعة الأرز لأنها تحافظ على المياه.
* تحتاج إلى جهد كبير في البناء والصيانة، وقد تسبب اضطرابات في التربة.
2- المدرجات الكنتورية
* تتبع تضاريس الأرض بشكل طبيعي.
* تُستخدم في المناطق ذات التضاريس غير المنتظمة.
* صعبة الزراعة بسبب اختلاف المساحات بين المصاطب.
3- المدرجات المتوازية
* يتم تصميمها لتكون متوازية قدر الإمكان.
* تُسهل استخدام الآلات الزراعية، لكنها مكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا لإنشائها.
أشهر المدرجات الزراعية حول العالم
1- مدرجات أرز باناوي (الفلبين)
تقع في جبال لوزون بالفلبين، وتم بناؤها منذ أكثر من 2000 عام على يد شعب إيفوغاو باستخدام أدوات بسيطة. تُعدّ هذه المدرجات شاهدًا على براعة الإنسان في استخدام البيئة، وقد أُدرجت ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، مما يجعلها مقصدًا سياحيًا وثقافيًا بارزًا.
2- مدرجات أرز كورديليراس “الفلبين”
تقع هذه المدرجات المدهشة في مناطق جبلية بالفلبين، ويعود تاريخ بنائها إلى أكثر من 2000 عام. تُبرز هذه المصاطب الزراعية تقنيات متطورة للريّ والحفاظ على التربة، مما جعلها نموذجًا ملهمًا للزراعة المستدامة وأحد مواقع التراث العالمي.
3- مدرجات أرز هونغي”الصين”
تقع في مقاطعة يونان بالصين، وتحديدًا في جبال أيلاو على ضفاف نهر هونغ. شُيدت على يد شعب هاني قبل حوالي 1200 عام، وهي تُظهر تكامل الزراعة مع الطبيعة، وقد أُدرجت في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2013 تقديرًا لأهميتها.
4- مدرجات لافوكس “سويسرا”
تقع في منطقة لافوكس بسويسرا وتشتهر بزراعة العنب منذ القرن الحادي عشر الميلادي. تُعدّ هذه المدرجات دليلًا على تاريخ الزراعة الأوروبية وتفاني المجتمعات المحلية في استغلال المنحدرات الجبلية، وهي اليوم واحدة من أهم مناطق زراعة الكروم في العالم.

المدرجات الخضراء في أوطاننا العربية
1- مدرجات عسير والباحة وجازان داخل المملكة
تُعد المملكة العربية السعودية موطنًا للعديد من المدرجات الزراعية، خاصة في المناطق الجبلية مثل عسير والباحة وجازان. تُظهر هذه المدرجات قدرة الإنسان على التكيف مع تضاريس المملكة الوعرة، حيث تُستخدم لتحسين كفاءة استغلال الأراضي المنحدرة في زراعة المحاصيل المتنوعة. تمتاز هذه المدرجات بتوفير بيئة زراعية ملائمة تحافظ على التربة وتمنع تآكلها، مع الاستفادة المثلى من مياه الأمطار عبر تقنيات حصاد المياه التقليدية.
في إطار رؤية المملكة 2030، تسعى وزارة البيئة والمياه والزراعة إلى إحياء وتطوير المدرجات الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي والتنمية المستدامة. تشمل الجهود إعادة تأهيل هذه المدرجات واستخدام تقنيات زراعية متقدمة لضمان استدامتها وزيادة إنتاجية المحاصيل. من بين المحاصيل التي تزدهر في هذه المدرجات: الحبوب، والبن العربي، الذي يُزرع بكثافة في منطقة جازان، ما يبرز أهمية هذه التقنية الزراعية في تعزيز الاقتصاد المحلي والحفاظ على الموروث البيئي.
2- مدرجات الجبل الأخضر العُمَانية
تُعد المدرجات الزراعية في ولاية الجبل الأخضر، وخصوصًا في قرية العين، نموذجًا حيًا على الإبداع الهندسي والبراعة الزراعية للإنسان العماني عبر التاريخ. استغل السكان التضاريس الجبلية القاسية وحوّلوها إلى مساحات زراعية مدرّجة صغيرة ذات إنتاجية عالية. هذه المدرجات تُروى بواسطة نظام الأفلاج التاريخي الذي ينقل المياه من العيون والآبار على مسافات طويلة، مما يجعل الجبل الأخضر واحة زراعية مكسوة باللون الأخضر على مدار العام.
تشتهر المدرجات الزراعية في الجبل الأخضر بزراعة الأشجار المثمرة، مثل الرمان والزيتون، بالإضافة إلى المحاصيل الموسمية. في فصل الشتاء، يزرع المزارعون الذرة التي تُستخدم كمحصول غذائي أو كعلف أخضر للمواشي. وتتميز العملية الزراعية هناك باستخدام الأسمدة الطبيعية، والاهتمام بترميم جدران المدرجات المصنوعة من الطين والحصى أو المواد الحديثة مثل الأسمنت والطابوق، مما يعكس حفاظ السكان على التراث الزراعي.
إلى جانب كونها عنصرًا اقتصاديًا هامًا، تُعد المدرجات الزراعية وجهة سياحية بارزة. الزائر لقرية العين، على سبيل المثال، يمر عبر الحارات القديمة والبيوت الطينية حتى يصل إلى الحقول الصغيرة المتراصة في المدرجات، حيث تعكس هذه المنطقة اندماج الإنسان مع الطبيعة بطريقة مستدامة ومبدعة.
من خلال استعراض فوائد المدرجات الزراعية وتحدياتها، يتضح أنها ليست مجرد وسيلة زراعية تقليدية، بل تمثل نموذجًا مستدامًا للتعامل مع التضاريس الطبيعية المعقدة. وعلى الرغم من الصعوبات المرتبطة ببنائها وصيانتها، فإنَّ فوائدها البيئية والاقتصادية تجعلها خيارًا مثاليًا خاصةً في ظل التحديات المناخية المعاصرة.
ختامًا، إنّ الاستفادة من التقنيات الحديثة، مثل استخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة المدرجات أو تطوير مواد بناء مستدامة، يمكن أن يُسهم في تعزيز كفاءة هذه التقنية. المدرجات الزراعية هي شهادة على إبداع الإنسان في تطويع الطبيعة، ومن المؤكد أنها ستظل جزءًا أساسيًا من مستقبل الزراعة المستدامة.

You may also like

اترك تعليقك :