فهد بن محمد القحطاني
روى لي أحد الأصدقاء قصة جميلة ومؤثرة جداً، مضمونها أنه قبل عدة سنوات ليست بالقريبة توفي والده وترك لهم ورثاً عبارة عن عقارات وأموال نقدية ومن ضمن هذه العقارات عمائر سكنية فيها مستأجرون بعقود ورقية الكثير منها قارب على الانتهاء.
وبحكم أنه كان الأكبر بين الورثة فقد طلب من إخوته الاجتماع والتوضيح لما أوصى به والدهم قبل وفاته، وذكر لهم أن والده لا يرغب في افتراقنا وأن نجتمع في كافة أمورنا ونقسم الورث بالشرع، وأنه طلب مني أن لا نزيد ريالاً واحداً على مستأجر سابق مهما كانت الظروف المحيطة بسوق العقار.
وجدت معارضة شديدة لهذا الأمر الأخير من الجميع، وبذلت محاولات جادة لإقناعهم كلاً على حدة ولكن لم تجدِ هذه المحاولات. وذلك بسبب أن الشقق كانت تُؤجر بسعر يقارب نصف سعرها الحقيقي في السوق في ذلك الحين والأرقام ترتفع بشكل سنوي.
يقول صديقي طلبت منهم تحويل هذه العمائر لملكي وهي تعتبر نصيبي من الورث مع دفع الفارق من حسابي الخاص، وتم ذلك بالفعل وتم الاتفاق -ولله الحمد-، وكل منا أخذ نصيبه بما كتبه الله له من الورث واستمرت اجتماعاتنا بكل حب وود.
وبدأ كل واحد منا يستفيد من هذه الأموال بطريقته وآليته الخاصة، وأنا جاهدت ضد كل المغريات والنصائح من الأصدقاء والمقربين بأن أزيد الإيجارات على العقود السابقة، وكان جوابي واحداً وهو لن أضيف ريالاً واحداً لعقد تم في عهد الوالد، والزيادات ستكون فقط للمستأجرين الجدد متى ما خرج أحد السابقين فقط..
واستمر الحال على ذلك وخلال عدة سنوات محدودة بدأ المستأجرون السابقون بالخروج لتملكهم عقارات من خلال وسيلة أو أخرى، والجميع يدعون لوالدي ولي وإخواني على عدم الزيادة عليهم رغم ارتفاع الإيجارات في السوق العقاري.. وبدأت تنمو أموالي بشكل كبير ورغم أني غير مبالٍ في مسائل التوفير فراتبي يصرف بالكامل سابقاً ولا يبقى منه إلا القليل جداً جداً..
وبدأ رصيدي يرتفع من السيولة النقدية من قيمة الإيجارات وكذلك مما يتبقى من راتبي أكثر مما كان سابقاً رغم عدم تغير أي عادة شرائية لي عن السابق.. واستحوذت على عقارات جديدة وتوسعت في ذلك ولله الحمد والمنة..
وشكرت الله على نعمه وامتنانه عليَّ ببركة في رزقي وتوسعي فيه، ولاحظت أني من بين إخواني متوفق بشكل كبير، وتغيرت حالتي وهم بين ربح وخسارة وارتفاع ونزول.
حينها أدركت تأثير التزامي بتوجيه والدي واحترامي لعقود المستأجرين السابقين واحترامهم لما كان من سماحة وسهولة في تعاملي معهم.
انتهت القصة هنا وأتمنى أن نشاهد قصصاً أخرى لنفس المعنى ونتعاون على تقديم سماحة البيع والشراء فوق التكسب الوقتي، والاقتداء بكلام أشرف الخلق: «رَحِمَ اللهُ رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى».
المصدر: اليوم