أبنية – خاص
برزت فكرة إعادة تدوير المخلفات الخرسانية “RAC” واستخدامها في إنتاج مواد بناء جديدة، لا سيَّما في ظل التوجه العالمي نحو الاستدامة البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية. يُعرف هذا المفهوم باسم الركام المعاد تدويره، وهو أحد الحلول المبتكرة التي تساهم في تقليل النفايات الناتجة عن هدم المباني القديمة ومشاريع البناء، بالإضافة إلى توفير بديل اقتصادي وبيئي للمواد الطبيعية المستخدمة في الخرسانة مثل الحصى والرمل.
ماذا يعني الركام المعاد تدويره؟
الركام المعاد تدويره “Recycled Aggregate” هو مادة تُنتج من إعادة معالجة مخلفات البناء والهدم، مثل الأنقاض الخرسانية والمواد التالفة، بدلاً من التخلص منها أو دفنها. يتم تكسير هذه المواد وتصفيتها لإزالة الشوائب وتحضيرها لتُستخدم كبديل كامل أو جزئي للركام الطبيعي في إنتاج الخرسانة الجديدة.
مكونات الركام المعاد تدويره
يتكون الركام المعاد تدويره بشكل رئيسي من:
1. المخلفات الخرسانية
تأتي هذه المخلفات من هدم المباني القديمة والجسور والمنشآت الخرسانية الأخرى، حيث يتم جمع الأجزاء الخرسانية الكبيرة وإعادة معالجتها.
2. مخلفات البناء والهدم الأخرى
تشمل الطوب التالف، بقايا الأسفلت، والحوائط الجافة، وهي مواد يمكن إعادة استخدامها بعد المعالجة المناسبة.
كيف يتم إنتاج الركام المعاد تدويره؟
تمر عملية إنتاج الركام المعاد تدويره بعدة مراحل أساسية:
1. تكسير وفصل المخلفات
تبدأ العملية بتكسير المواد الخرسانية الكبيرة إلى أجزاء أصغر باستخدام آلات التكسير. يتم فصل الشوائب مثل المعادن، البلاستيك، والخشب لضمان نقاء المادة المعاد تدويرها.
2. غربلة المواد
تُصنَّف المواد المكسرة إلى أحجام مختلفة من الركام باستخدام معدات الغربلة، لتلبية متطلبات المشاريع المختلفة.
3. التنظيف والمعالجة
يتم غسل الركام المكسَّر للتخلص من الأتربة والشوائب العضوية أو الطينية، مما يُحسّن جودته ويجعله مناسبًا للاستخدام في الخرسانة.
مزايا استخدام الركام المعاد تدويره
إعادة استخدام المخلفات الخرسانية تحمل العديد من الفوائد، من أبرزها:
1. تقليل استنزاف الموارد الطبيعية: استخدام الركام المعاد تدويره يُقلل الاعتماد على الحصى والرمل المستخرجين من البيئة، مما يساهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
2. تعزيز الاستدامة البيئية: إعادة تدوير المخلفات يساهم في تقليل النفايات المتراكمة في مكبات القمامة، وبالتالي يُحافظ على البيئة ويقلل من التلوث.
3. خفض تكاليف البناء: يُعتبر الركام المعاد تدويره بديلًا اقتصاديًا للركام الطبيعي، خاصة في المشاريع الكبيرة التي تتطلب كميات هائلة من المواد.
4. تحسين أداء الخرسانة: عند معالجة الركام بشكل صحيح، يمكن أن يحقق خصائص مقبولة من حيث القوة والمتانة للاستخدام في مشاريع محددة.
التحديات المرتبطة باستخدام الركام المعاد تدويره
رغم الفوائد العديدة، هناك بعض التحديات التي تواجه استخدام الركام المعاد تدويره، ومنها:
1. المسامية العالية: غالبًا ما يحتوي الركام المعاد تدويره على مسام وفجوات أكثر من الركام الطبيعي، مما قد يؤثر على قوة ومتانة الخرسانة.
2. ضعف الالتصاق: قد تُضعف الطبقات القديمة من الأسمنت الموجودة على سطح الركام الترابط بين الركام والمعجون الأسمنتي الجديد، مما يؤثر على الأداء النهائي للخرسانة.
3. التفاوت في الجودة: تختلف جودة الركام المعاد تدويره حسب مصدر المواد وطريقة المعالجة المستخدمة، مما يتطلب معايير صارمة للتحكم بالجودة.
استخدام الركام المعاد تدويره في مشاريع البناء الحديثة
أصبح الركام المعاد تدويره جزءًا مهمًا من مشاريع البناء المستدامة، خصوصًا في مشاريع البنية التحتية مثل الطرق، الجسور، والمباني العامة. يساهم هذا الحل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتقليل الأثر البيئي لقطاع البناء، مع الحفاظ على الجودة والكفاءة.
من خلال استخدام تقنيات معالجة حديثة ومراقبة دقيقة للجودة، يمكن تجاوز التحديات المرتبطة بالركام المعاد تدويره وضمان توفير مادة قوية وموثوقة للاستخدام في مختلف التطبيقات.
التحوُّل من “RAC” من إلى “RCA”
تشير دراسة New insights into impacts of pre-wetting strategies of recycled coarse aggregate “RCA” on microstructure and performance of concrete، عن رؤى جديدة حول تأثير استراتيجيات الترطيب المسبق للركام الخشن المعاد تدويره “RCA”، نحو تأثير درجة تشبّع الركام الخشن المعاد تدويره “RCA” بشكل كبير على أداء ومتانة الخرسانة المعاد تدويرها “RAC”. تبحث هذه الدراسة في استراتيجيات الترطيب المسبق لـ RCA وتأثيرها على البنية الدقيقة وأداء الخرسانة المعاد تدويرها تحت استراتيجيتين للتحكم بالمياه: توفير كمية مياه خلط ثابتة وتوفير كمية مياه إجمالية ثابتة.
وتضيف الدراسة المنشورة عبر مجلة Journal of Building Engineering، الصادر بالمجلد رقم “99”لعدد أبريل 2025، خلال نتائجها التي انتهت إليها أنَّ فعالية تأثير ترطيب الركام المعاد تدويره “RCA” على أداء الخرسانة المعاد تدويرها “RAC” من حيث القوة والمتانة، حيث تم اختبار طريقتين لإضافة المياه:
الأولى: إبقاء كمية مياه الخلط ثابتة: عندما يكون الركام رطبًا جدًا، يتحسن تفاعل الأسمنت، ولكن تزداد الفجوات “المسامية” بين الأسمنت والركام، مما يُضعف القوة الإجمالية.
الثانية: إبقاء كمية المياه الإجمالية ثابتة: هنا، تُقلل الرطوبة في RCA من الفجوات “المسامية” بين مكونات الخرسانة، مما يحسّن القوة والمتانة حتى وإن كان تفاعل الأسمنت أقل اكتمالًا.
كانت أفضل النتائج التي تحققت عندما كان الركام مشبعًا جزئيًا بنسبة 80%، حيث ارتفعت قوة الخرسانة وأصبحت أقل عرضة لاختراق الكلوريدات الضارة. بشكل عام، يُظهر البحث أن اختيار طريقة الترطيب المسبق للركام يؤثر بشكل كبير على جودة الخرسانة ويعتمد على كيفية إدارة المياه أثناء عملية الخلط.
ختامًا، في ظل التوجه العالمي نحو بناء مستقبل أكثر استدامة، يُعد الركام المعاد تدويره حلاً عمليًا وبيئيًا لإعادة استخدام مخلفات البناء بدلاً من إهدارها. ورغم التحديات، يثبت الركام المعاد تدويره فعاليته كبديل للركام الطبيعي، مع الحفاظ على الجودة عند تطبيق المعايير المناسبة. إن تبني هذه التقنية يُعد خطوة واعدة نحو تقليل التلوث وتحقيق التوازن بين التقدم العمراني والحفاظ على البيئة.