أبنية – خاص
تبرز الحاجة إلى مواد بناء متقدمة قادرة على مواجهة التحديات البيئية القاسية، مع تطور مشاريع الاستيطان في الفضاء، مثل المدن القمرية والمستعمرات المريخية.
تلعب المواد الكربونية الذكية، مثل الخرسانة الذكية والفولاذ المتجدد، دورًا محوريًا في بناء منشآت مقاومة للإشعاع والتقلبات المناخية على الكواكب الأخرى. فالحلم يتجه بتحوُّلاته نحو الواقع.
واقعية الخرسانة الذكية في الفضاء الخارجي
الخرسانة الذكية هي مادة مبتكرة تمتلك القدرة على التكيف مع الظروف البيئية المحيطة وإصلاح نفسها تلقائيًا عند حدوث تشققات. يتم ذلك من خلال دمج بكتيريا منتجة للكالسيوم أو مواد بوليمرية متجددة داخل مزيج الخرسانة، حيث تعمل هذه المواد على سد الفجوات وإعادة ترميم السطح تلقائيًا دون الحاجة إلى تدخل بشري.
الخاصية – السالفة – تجعل الخرسانة مثالية للاستخدام في البيئات الفضائية، حيث تكون عمليات الصيانة معقدة ومكلفة. بالإضافة إلى ذلك، توفر الخرسانة الذكية مقاومة عالية للإشعاع الكوني والتقلبات الحرارية الشديدة، مما يضمن حماية المنشآت وسلامة سكانها.
الفولاذ المتجدد في المستعمرات الفضائية
الفولاذ المتجدد هو مادة تعتمد على إعادة تدوير الفولاذ المستخدم بدلاً من استخراجه من مصادر طبيعية جديدة. هذه العملية تقلل من استهلاك المواد الخام وتحد من عمليات التعدين ذات التأثير البيئي الكبير. في سياق المستعمرات الفضائية، يمكن أن يكون للفولاذ المتجدد دور حيوي في بناء الهياكل المقاومة للإشعاع والتقلبات المناخية القاسية. إذ يمكن إعادة تدوير المواد المتاحة محليًا، مما يقلل من الحاجة إلى نقل كميات كبيرة من المواد من الأرض، وبالتالي تقليل التكلفة والتعقيدات اللوجستية.
تطبيقات عملية ومشاريع مستقبلية
تعمل وكالات الفضاء، مثل وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) ووكالة ناسا، على تطوير تقنيات لاستخدام المواد المتاحة على سطح الكواكب في عمليات البناء، وهو ما يعرف بـ “استخدام الموارد المتاحة في الموقع”In-Situ Resource Utilization على سبيل المثال، تُجرى أبحاث حول استخدام تربة القمر والمريخ كمكونات أساسية في تصنيع الخرسانة الذكية والفولاذ المتجدد.
تهدف هذه المبادرات إلى تقليل الاعتماد على الموارد الأرضية وتوفير حلول بناء مستدامة للمستعمرات الفضائية المستقبلية.
الخرسانة الحيوية في الفضاء: سر الدم والعرق والدموع في بناء مستعمرات مريخية
مع استمرار الأبحاث حول الاستيطان البشري في الفضاء، يبحث العلماء عن مواد بناء مستدامة وقابلة للإنتاج محليًا على سطح القمر والمريخ. في هذا السياق، طور فريق بحثي من جامعة مانشستر البريطانية طريقة مبتكرة تعتمد على استخدام مخرجات الجسم البشري مثل الدم والعرق والدموع لابتكار نوع من الخرسانة يُعرف بـ”أستروكريت”(AstroCrete) ، وذلك فقًا للدراسة التي نشرت في دورية “Materials Today Bio”، يمكن لمركبات مثل الألبومين، وهو بروتين موجود في بلازما الدم، أن تعمل كعامل رابط عند دمجها مع تربة القمر أو المريخ، مما يؤدي إلى تكوين مادة صلبة مماثلة للخرسانة التقليدية من حيث القوة والصلابة.
أظهرت التجارب أن “أستروكريت” يتمتع بمقاومة انضغاطية تصل إلى 25 ميغا باسكال “تُستخدم هذه الوحدة أساسًا لقياس الضغط في نطاقات أعلى نظرًا لقيمته الأكبر”، وهو ما يقارب قوة الخرسانة العادية (التي تتراوح بين 20-32 ميغاباسكال). ليس ذلك فحسب، بل وجد الباحثون أنه عند إضافة اليوريا، وهي مركب ناتج عن البول والعرق والدموع البشرية، يمكن زيادة قوة المادة إلى 40 ميغاباسكال، مما يجعلها أقوى من العديد من أنواع الخرسانة التقليدية المستخدمة على الأرض. هذا الاكتشاف قد يُحدث ثورة في تقنيات البناء الفضائي، حيث يمكن للرواد استخدام مواردهم البيولوجية الخاصة لتصنيع المواد اللازمة لبناء مساكنهم ومختبراتهم دون الحاجة إلى نقل كميات ضخمة من مواد البناء من الأرض.
وفقًا للدراسة، يمكن لطاقم مكون من ستة رواد فضاء إنتاج أكثر من نصف طن من مادة “أستروكريت” خلال مهمة مدتها عامان، مما يجعل هذه التقنية حلاً عمليًا لبناء مستوطنات بشرية تدريجية على سطح المريخ. هذا النهج يتماشى مع مفهوم “استخدام الموارد المتاحة في الموقع” (In-Situ Resource Utilization – ISRU)، حيث يهدف العلماء إلى استغلال المواد الطبيعية على الكواكب الأخرى لتقليل الحاجة إلى عمليات النقل المكلفة من الأرض. ومع استمرار البحث والتطوير، قد تصبح تقنيات مثل “أستروكريت” حجر الأساس لبناء المدن الفضائية المستقبلية، مما يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الاستيطان البشري خارج كوكب الأرض.
في الختام، يمثل استخدام المواد الكربونية الذكية، مثل الخرسانة الذكية والفولاذ المتجدد، خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستدامة والفعالية في بناء المستعمرات الفضائية. هذه المواد ليست فقط قادرة على تحمل الظروف البيئية القاسية، بل تسهم أيضًا في تقليل البصمة الكربونية وتعزيز الاستقلالية عن الموارد الأرضية، مما يمهد الطريق لاستكشاف فضائي مستدام ومزدهر.