د. إياد طلال عطار
لم تعد مشروعات البناء تحتاج إلى سنوات لإنجازها كما في السابق، فقد دخلت تقنيات جديدة قلب صناعة التشييد، وجعلت من الممكن بناء منازل، ومستشفيات، وفنادق خلال أيَّام، أو حتى ساعات دون المساس بالجودة، أو المتانة، فمن الصين إلى السعوديَّة، ومن أمريكا إلى هولندا تتسابق الدول في تبنِّي نماذج “البناء السَّريع” كحلول مبتكرة لمواكبة النموِّ السكانيِّ، وتلبية الحاجة المتزايدة للسَّكن والبنية التحتيَّة.
مع بداية جائحة كورونا في عام 2020، أذهلت الصين العالم، ببناء مستشفى هوشنشان في مدينة ووهان خلال 10 أيام فقط! بطاقة استيعابية بلغت 1000 سرير، واستخدمت السلطات تقنيات البناء الجاهز “Prefab”؛ لتجميع وحدات مسبقة الصنع، ما سمح بإنشاء مبنى متكامل يتضمَّن غرفًا معقَّمة، ومعدَّات طبيَّة متطوِّرة في زمن قياسيٍّ، وبتكلفة منخفضة نسبيًّا.
في هولندا، شهد العالم أوَّل منزل سكني يتم بناؤه بالكامل بتقنية الطباعة ثلاثيَّة الأبعاد، باستخدام الخرسانة، المشروع تم تنفيذه في مدينة آيندهوفن عام 2021، وسكنه زوجان بعد أيام فقط من الانتهاء، ما يميِّز هذه التجربة أنَّها جمعت بين السُّرعة والتَّصميم العصريِّ والاستدامة، حيث قلَّلت الطباعة من استخدام المواد، وأنتجت شكلًا هندسيًّا لا يمكن تحقيقه بسهولة بالطرق التقليديَّة.
لم تتأخَّر المملكة العربيَّة السعوديَّة في مواكبة هذه الثورة، إذ قامت وزارة الإسكان عام 2018 ببناء أوَّل منزل في الرياض، باستخدام الطباعة ثلاثيَّة الأبعاد خلال يومين فقط! ويأتي هذا التوجُّه ضمن رُؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة، وخفض تكاليف السكن، وتسريع الإنجاز في مشروعات الإسكان.
في الصين أيضًا، تم بناء فندق مكوَّن من 15 طابقًا خلال 6 أيام فقط! بواسطة شركة “Broad Group” حيث تم استخدام هيكل معدني جاهز، ووحدات مسبقة الصنع، مع التركيز على الجودة البيئيَّة والحراريَّة، فتم الانتهاء من مبنى آمن مقاوم للزلازل مزوَّد بأنظمة تهوية متقدِّمة وجاهز للاستخدام خلال أقل من أسبوع!
في مدينة أوستن بولاية تكساس، نفَّذت شركة “ICON” مشروعًا سكنيًّا يهدف إلى توفير منازل صغيرة للمحتاجين، باستخدام طابعة 3D عملاقة، وتم طباعة منزل كامل خلال 24 ساعة فقط، بتكلفة لم تتجاوز 10,000 دولار أمريكي، مع ضمان الجودة الهيكليَّة، وسهولة التوسُّع مستقبلًا.
البناء السريع لم يعد مجرَّد تجربة طموحة، بل واقع يتم اعتماده في مشروعات حقيقيَّة حول العالم، ومع تطوُّر الطابعات ثلاثيَّة الأبعاد، وتقنيات الهياكل الجاهزة، والذكاء الاصطناعي في التخطيط الهندسيِّ، بدأ العالم يعيد تعريف البناء بشكل مختلف، ولعلَّ الأهم من السرعة، هو أنَّ هذه المشروعات باتت تحقِّق معايير الجودة والسلامة والاستدامة؛ ممَّا يجعلها خيار المستقبل لبناء المدن الذكيَّة، والمجتمعات المتقدِّمة.
المصدر: المدينة