حبيب الشمري
يعد دخول العالم ثورة الإنترنت التي طالت كل شيء وأصبح الإنسان ترتبط حياته بهذه الشبكة، كان من اللازم أن تواكب كافة المجالات والقطاعات والمنتجات الحياتية الأخرى هذه الثورة. فالإنسان الذي كان قبل عقدين يتعامل بالخطوط الهاتفية الأرضية وينتظر وقتًا حتى يعرف مكانًا أو يتصل بالطرف الآخر الذي يريده، نسف هذا الانتظار مع دخول المحمول، ثم جاءت ثورة الهواتف الذكية التي أصبحت تتحكم في أغلب قرارات حياته من خلالها.
ومن هنا، فإن مجال البناء كان لا بدَّ أن يستجيب لهذه الثورة ويتطور ذاتيًا أو بدافع من الخارج ليواكب التغيير الحادث ويلاحقه، فلم يعد المنزل التقليدي الذي سيطر على الواقع مئات السنين والمكون من الطوب والإسمنت والخرسانة المسلحة، هو الذي يلبي الطموح وهو الحل الأمثل في هذا العصر لإشكالية السكن.
فالانتظار الذي كان يحدث لبناء مسكن جديد قد يمتد إلى عامين وأكثر ويستهلك جهدًا ومالاً، كان يجب أن تخرج حلول أخرى لتغيير هذا الوضع. اليوم، يظهر جليل أن تقنيات البناء هي الحل الأنسب.
وتعدُّ تقنيات البناء عملية تحول في طريقة إعداد السكن، فبدلاً من عملية البناء في الموقع بما تستغرقه من وقت طويل، فإن مكونات المنزل من حوائط وأسقف وأرضيات وهياكل يتم إعدادها في مصانع بصورة مسبقة، ثم يتم نقل هذه المكونات لأرض البناء وتجميعها عن طريق خبراء وفنيين، ليخرج مسكن جاهز وحديث في وقت وجيز جدًا قد يكون يومين فقط.
ولاستخدام تقنيات البناء العديد من الفوائد، منها رفع مستوى كفاءة المبنى، وتطوير القدرة على التخطيط والإنتاجية بشكل أفضل، بالإضافة إلى خفض وقت التنفيذ وتقليل العيوب. كما تؤدي إلى تقليل المواد المستخدمة في الإنشاءات وبالتالي تقليل الهدر، وتحقيق كفاءة عالية في استخدام الموارد، وصديق للبيئة، وتقليل احتمالية وقوع الحوادث في موقع الإنشاء.
تقنيات البناء ليست شكلاً أو نمطًا واحدًا، وإنما تتنوع بين عدة أشكال، منها تقنية الوحدات الجاهزة، والتقنية اللوحية (الهيكلية)، والتقنية الهجينة، وتقنيات تنفذ في الموقع.
وكان من شأن السرعة الكبيرة في إنجاز العقارات التي كان طول الوقت يمثل عقبة وتحديًا أمام الحكومات وأصحاب المشاريع والمطورين والمهتمين بمجال التخطيط العمراني على حد سواء، حلاً مثاليًا لهذه الجهات؛ إذ يشكل عنصر الوقت عاملاً مهمًا ورئيسًا في سوق العقارات الذي يعدُّ من أهم القطاعات الاقتصادية في الدول. والآن، فإن سرعة الإنجاز أصبحت عاملاً مهمًا في خفض التكلفة وتغيير مفهوم السكن.
حاليا تقنية البناء ليست عبارة عن تصنيع مكون أو اثنين من مكونات المنزل، وإنما قد تكون وحدات جاهزة بالكامل وهي التطور الأخير لتقنية البناء، فبعد دخول تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D هذا المجال، أصبحت الوحدات الجاهزة هي العماد الرئيس لمستقبل البناء والتي يتحول العالم نحوها الآن.
وأتاح دخول تقنية 3D في مجال المنازل لطباعتها وتنفيذ التصميم المطلوب خلال يومين، تحولاً كبيرًا في شكل ومفهوم المسكن العصري. وكان من شأن هذا التحول أن يواكبه العديد من الدول والشركات على المستوى العالمي، وتعمل المملكة العربية السعودية اليوم لأن تكون رائدة فيه بعد سعيها لامتلاك أكبر طابعة ثلاثية الأبعاد للمنازل في العالم، وعملها الدؤوب على توطين صناعة التقنية في مجال البناء وتخصيصها دعمًا كبيرًا لهذا الغرض.
إن من شأن التحول الذكي في مجال العقار أن يحقق الكثير من التغيير للأجيال المقبلة، فالمسكن مفهومه يتغير بأفكاره وتصميماته واستخداماته أيضًا. فالآن يمكنك طلب منزلك وكأنه منتج آخر تستخدمه في حياتك عبر بوابة إلكترونية، وهذا المثال تطوره حاليًا السعودية، لتتيح لمواطنيها اختيار منازلهم عبر الإنترنت وتصميمها مع المتخصصين، بل والتعديل عليها واختيار التشطيبات ثم الدفع عند الاستلام في فترة وجيزة.
هذا التحول الكبير في مفهوم المنزل والسكن يمثل تحديًا كبيرًا أمام مجتمعات العالم، خاصة الدول ضخمة السكان، وهو ما يدفع الجميع لتبني هذه التقنيات لإيجاد حلول لهذه الشعوب تقليلاً للضغط الواقع على الحكومات جراء مشكلة السكن التي تتزايد بتزايد البشر.