مستقبل المدن الذكية: كيف تغير التقنيات الرقمية الحياة الحضرية؟

Diogo Borges Ferreira

بينما يشهد العالم هجرة غير مسبوقة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، تواجه المدن تحديًا كبيرًا، وهو كيف يمكن استيعاب السكان الذين يتزايد عددهم باستمرار؟ يتميز هذا الظاهرة بالنمو السكاني السريع وزيادة الكثافة، مما يضغط على الموارد والبنية التحتية والخدمات الحضرية. ومع زيادة المشاكل الكبيرة التي تتطلب حلولًا أكبر، يصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى إعادة التفكير في الأدوات المتاحة لنا. في هذا الإطار الصعب، يبرز صعود التقنيات الناشئة مثل إنترنت الأشياء “IoT” وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي كأمل في نهاية النفق. هذه التقنيات، التي تم تصورها في البداية لتبسيط المهام اليومية وتسهيل التواصل، هي أدوات محتملة تتيح استجابة فعالة للتحديات الحضرية المعاصرة.

في هذا السياق، يثير دمج الحلول الرقمية في نسيج المدن تساؤلات مهمة ويفتح طريقة جديدة لقراءة وإدارة المدن. مثال على ذلك، تطبيق أنظمة مثل إنترنت الأشياء “IoT” التي تتيح الترابط بين الأجهزة والأنظمة الحضرية، مما يسمح بالمراقبة الفورية والاستجابة السريعة للاحتياجات المختلفة. وتوفر المستشعرات الذكية المثبتة في البنى التحتية الحضرية مثل: أنظمة إدارة النفايات، وشبكات النقل، ومحطات الأرصاد الجوية، بيانات حيوية تُسهم في اتخاذ القرارات وتحسين الخدمات.

في الوقت نفسه، يوفر تحليل هذه البيانات رؤى قيمة حول أنماط سلوك المدن، مما يمكّن من إدارة الموارد بشكل أكثر كفاءة والاستجابة الاستباقية للتحديات مثل الازدحام المروري والتلوث. كما يمكّن الذكاء الاصطناعي من تحليل البيانات المجمعة سابقًا بشكل فعال. ويمكن أن تتنبأ أنظمة الذكاء الاصطناعي بأنماط الحركة المرورية، وتحديد المناطق المعرضة للجريمة، وحتى أتمتة عمليات إدارة المدن. مع الخوارزميات المتقدمة وتعلم الآلة، تصبح المدن أكثر ذكاءً ومرونة في الاستجابة لتحديات القرن الحادي والعشرين.

ومن أمثلة ذلك، مدن مثل برشلونة ودبلن، التي من خلال مشاريع مبتكرة وطرق تركز على التكنولوجيا، تعيد تعريف النموذج الحضري، مقدمة لمحة إلى ما قد يحمله المستقبل للكائنات الحية التي تمثلها المدن.

مدينة برشلونة الذكية

مدينة برشلونة الذكية هو مشروع بدأ في عام 2011 من قبل مجلس مدينة برشلونة، وقد نال شهرة دولية بسبب نهجه الشامل في إدارة الموارد الحضرية. تتطور استراتيجية مشروع المدينة الذكية على عدة جبهات لإدارة المدن، وتهدف إلى تحقيق نمو مستدام للمدينة، مع معالجة قضايا مثل: الإضاءة العامة، والتنقل، وإدارة النفايات، والجوانب الاجتماعية للمجتمعات المختلفة التي تسكن المدينة. في جميع الحالات، تستند الاستراتيجية إلى عملية إنترنت الأشياء “IoT” بحيث تعمل المدينة كشبكة، مما يُحسن احتياجاتها باستخدام الموارد المتاحة، بحيث تتحول المعلومات إلى معرفة وتكون الاستجابات أكثر استهدافًا واستدامة وفعالية.

مثال على تطبيق مستشعرات إنترنت الأشياء، المراقبة الفورية لتدفق النفايات. إذ يتيح ذلك تحسين عمليات الجمع، وبالتالي تعزيز الكفاءة والاستدامة “الاجتماعية والاقتصادية والمادية”. وبالمثل، فإن دمج أنظمة إدارة الطاقة والمياه الذكية هو مثال آخر يهدف إلى تقليل الاستهلاك وتعزيز استخدام الموارد بشكل أكثر استدامة. ومع ذلك، هذه أمثلة صغيرة من استراتيجية معقدة لتحسين المدن التي تبنيها بلدية برشلونة، إلى جانب الشركات، ومراكز البحث، والمؤسسات مثل: IBM وCISCO والبنك الدولي والمفوضية الأوروبية وLenovo، في نموذج جديد للتنمية المستدامة.

مدينة دبلن الذكية

من خلال جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالطاقة والنقل والنفايات، حددت دبلن مجالات الفرص لتحسين جودة حياة سكانها. ويطرح مشروع مدينة دبلن الذكية: كيف يمكن أن تساعد التكنولوجيا في بناء مدينة أكثر خضرة واستدامة. وكيف يمكن للحكومة المحلية استخدام التكنولوجيا للتفاعل بشكل أفضل مع سكان دبلن؟ وكيف يمكننا استخدام التكنولوجيا للمساعدة في إدارة تدفقات المشاة والدراجات والمركبات وتقليل الازدحام؟ وكيف يمكن أن تجمع التكنولوجيا بين المجتمعات وتحسن رفاهية المواطنين؟

لإيجاد حلول لهذه الأسئلة وغيرها، تعاونت أربع سلطات محلية مع الشركات والباحثين والمجتمع المدني لتحديد وتطوير حلول تجعل المدينة أكثر كفاءة. مثال على هذا التقدم، مشروع مواقف السيارات الميسرة في دُن لاوغهاير. يهدف هذا المشروع إلى تحسين إمكانية الوصول في المدينة، خاصة للأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الحركة، من خلال تسهيل العثور على أماكن وقوف السيارات واستخدامها. وباستخدام تقنية LaRaWAN “شبكة واسعة النطاق منخفضة الطاقة”، تم تركيب 40 مستشعرًا في منطقة دُن لاوغهاير تكشف عن وجود المركبات في أماكن الوقوف، وتقوم بنقل هذه المعلومات إلى مركز معالجة البيانات الذي يتيح، بدوره، من خلال تطبيق موبايل، للمستخدمين التحقق من توفر أماكن وقوف السيارات الميسرة في الوقت الحقيقي في المدينة. بهذه الطريقة، يهدف هذا المشروع إلى المساهمة في زيادة الشمولية وإمكانية الوصول إلى الفضاء الحضري من خلال مساعدة السائقين على إدارة تنقلهم في المدينة بشكل أكثر كفاءة.

وبينما نبتعد عن السرديات الحضرية القديمة ونتبنى رؤية أكثر جرأة لمستقبل المدن، تبرز التحولات الرقمية كعنصر أساسي لإطلاق الإمكانات الكاملة للبيئة الحضرية. وتعتبر برشلونة ودبلن أمثلة على كيفية قيادة المدن نحو عصر أكثر ذكاءً واستدامة. فمن خلال اعتماد نهج تعاوني ورؤيوي، يمكننا تشكيل مصير مدننا وخلق إرث دائم للأجيال القادمة.

المصدر: arch daily

Related posts

تحويل المساحات الحضرية: كيفية إعادة دمج مشاريع البنية التحتية الكبيرة

هل تطل أزمة “السكن” بوجه جديد؟!

تقنيات البناء