أبنية – خاص
يقول الخبراء إنَّ اعتماد وتوجُّه المؤسسات نحوبناء “المدن الخشبية” أو التي تعتمد على الأخشاب الضخمة في التأسيس والبناء، يعكس – بدوره – حالة من الابتكار والتفرد، بحيث يعد استثنائيًا، لما له فوائد مواجهة الانبعاثات الكربونية الخطيرة، لا سيما أنَّه بحسب تقديرات سيعيش أكثر من نصف سكان العالم في المدن بحلول عام 2050، ما يلزم أن تكون البنية التحتية لازمة لاستيعاب ما يصل إلى 10 مليارات شخص بحلول منتصف القرن، والتي يمكن أن تتجاوز تلك التي شُيّدت منذ فجر العصر الصناعي. هذا الأمر يفرض المزيد من انبعاثات قطاع البناء، الذي يعتبر أحد أكثر القطاعات الملوِّثة، وواحدًا من أصعب القطاعات لإزالة الكربون، والذي يلزم معه الاعتماد على كميات من الخشب الضخم المُستخدم في عمليتي التشييد والبناء.
من جانبها، أشارت دراسة حديثة صادرة عن معهد “بوتسدام” الألماني لأبحاث الأثر المناخي، إلى أن بناء البيوت المستقبلية من الخشب بدلًا من الفولاذ والخرسانة، يمكن أن يخفّض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 100 مليار طن بحلول عام 2100، مع الحفاظ على أراضي المحاصيل الكافية لإطعام عدد متزايد من السكان.
الحاجة إلى الخشب الضخم
يُعتبر قطاع البناء والتشييد من العوامل الرئيسية في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث يسهم بأكثر من 34% من الطلب على الطاقة ويشكل حوالي 37% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة والعمليات في عام 2021. ومع تزايد الحاجة العالمية لتقليل الانبعاثات من أجل مواجهة تغير المناخ، أصبح البحث عن حلول أكثر استدامة في البيئة المبنية أمرًا ملحًا. تتزايد المخاوف من قبل المستثمرين والمستهلكين، بالإضافة إلى تشريعات جديدة ومتطلبات تنظيمية تتطور بسرعة في مختلف أنحاء العالم، مما يعزز الحاجة إلى اعتماد تقنيات بناء صديقة للبيئة مثل الخشب الضخم.
الخشب الضخم يمثل تطورًا جديدًا في مجال البناء، حيث يتكون معظم منتجاته من قطع خشبية متصلة معًا لتشكيل أعضاء أكبر وأكثر قوة، تُستخدم في الأسقف والأرضيات والجدران. وغالبًا ما يُدمج مع مواد هيكلية غير قابلة للاشتعال لإنشاء هياكل هجينة أكثر استدامة. شهدنا في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في ارتفاع المباني الخشبية، حيث تضاعف طول أطول مبنى خشبي في العالم ثلاث مرات خلال عشر سنوات، وبلغ عدد المباني الخشبية التي تضم ثمانية طوابق أو أكثر حوالي 140 مبنى على مستوى العالم، 70% منها تقع في أوروبا.
على الرغم من أن الخشب الضخم يمثل حاليًا نسبة ضئيلة من إجمالي المباني المشيدة عالميًا، إلا أنَّ السوق الناشئة لهذا النوع من البناء بدأت في الظهور بقوة، حيث بلغ حجم سوق البناء بالخشب الضخم عالميًا 857 مليون دولار أميركي في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.5 مليار دولار أميركي بحلول عام 2031، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.0%. إنَّ الخشب الضخم ليس فقط موردًا متجددًا، بل يتميز أيضًا بخفة وزنه مقارنة بالخرسانة والصلب، مما يساهم في تقليل تكاليف البناء من خلال تقليل حركة البناء وعدد العمال المطلوبين. ومع ذلك، يحمل هذا النوع من البناء أيضًا مخاطر تتطلب اتخاذ تدابير وقائية فعالة لضمان تحقيق الفوائد المرجوة.
ستوكهولم وود سيتي 2025
تقوم شركة الاستوديوهات الإسكندنافية Henning Larsen وWhite Arkitekterبالسويد بتصميم مدينة ستوكهولم الخشبية، والتي تهدف إلى أن تكون أكبر مشروع للأخشاب الجماعية في العالم، موفرة شعورًا فريدًابــ”هدوء الغابة”. هذا المشروع الطموح سيتم إنشاؤه في حي سيكلا بمدينة ستوكهولم، وقد أطلق عليه المطور أتريوم ليونجبرج لقب “أكبر مدينة خشبية في العالم”، حيث سيعتمد على استخدام كميات هائلة من الأخشاب تفوق أي مشروع آخر تحت التطوير.
سيبدأ تطوير مدينة ستوكهولم وود سيتي في عام 2025، مع توقعات بأن تُنجز المباني الأولى بحلول عام 2027. ستحتضن المدينة الجديدة 7000 مكتب و2000 منزل، وتغطي مساحة تبلغ 250.000 متر مربع، حيث يتعاون في تصميمها الاستوديو الدنماركي Henning Larsen مع شركة White Arkitekter السويدية. فتنشأ على هذه المدينة طموحات وآمال كبيرة في التوجُّه نحو بنا المدن من الخشب أو الاعتماد عليه بديلاً عن الخرسانة والصلب. فبحسب رؤى ودراسات يُمكن بناء مبانٍ متوسطة الارتفاع، بين أربعة و12 طابقًا، من الخشب المصمّم هندسيًا، ما سيزيد التوجه نحو زراعة المزيد من الأشجار الجديدة لتلبية الطلب المتزايد على الخشب، وخلق بيئات صحية شجرية مستدامة.
المخاطر والتحديات والوقاية من الخسائر
تُعد المباني الخشبية الضخمة من التطورات الواعدة في مجال البناء، لكنها تأتي مع مجموعة من المخاطر والتحديات التي تحتاج إلى معالجة دقيقة لضمان سلامتها واستدامتها.
- الحرائق
تشكل الحرائق أكبر مصدر للقلق في المباني الخشبية، حيث تُعتبر السبب الأكثر تكلفة لمطالبات التأمين.لذا،يجب أخذ مخاطر الحرائق بعين الاعتبار خلال جميع مراحل حياة المبنى، من التصميم إلى التشغيل.
- الكوارث الطبيعية
تشكل الكوارث الطبيعية تهديدًا كبيرًا للمباني الخشبية، حيث يمكن أن تتعرض العوارض والأعمدة لقوى الرياح الشديدة، بينما تُعد الفيضانات خطرًا كبيرًا في العديد من المناطق. لذا، يتطلب الأمر مراقبة هيكلية مستمرة لضمان سلامة المباني، وهذا يعني استهلاك في النفقات.
- أضرار المياه
ليست فقط الفيضانات ما تعرِّض العناصر الخشبيةللأضرار، فتسربات السباكة ستكون مدعاة لمزيد من حالات الترقَّب لتقليل المخاطر.
- مشاكل التصنيع والنقل وسلسلة التوريد
تتطلب عملية بناء الخشب الضخم تخطيطًا لوجستيًا دقيقًا، حيث يمكن أن تؤدي أي مشكلات في سلسلة الإمداد إلى تأخيرات مكلفة، إضافة إلى زيادة مطالبات التأمين، حال ظهور منتجات معيبة.
- مشاكل العمل المعيب وتكاليف الإصلاح
يواجه قطاع البناء تحديات في العثور على فرق عمل مؤهلة لمشاريع الخشب الضخم، مما قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية. فالتركيب غير الكافي يمكن أن يسبب أضرارًا مكلفة للإصلاح، وتكون تكاليف إصلاح المباني الخشبية أعلى مقارنةً بالمباني التقليدية.
- الإصابة بالنمل الأبيض والآفات
تمثل الآفات مثل النمل الأبيض تهديدًا لمباني الخشب الضخم، حيث يمكن أن تتسبب في أضرار هيكلية تدريجية.إذ مع تزايد استخدام الخشب الضخم، يصبح من الضروري تبني استراتيجيات وقائية للتخفيف من هذه المخاطر.
ختامًا، يظل الاعتماد على البناءات الخشبية مسارًا نحو الاستدامة، ولكن ينبغي الفهم الجيد لهذا النوع من البناء.وعلى ذلك، سيتعين على المؤسسات الهندسية والعقارية النظر في العديد من عوامل إدارة المخاطر المتعلقة باستخدام مواد جديدة، والتخفيف من أضرارها، مع الامتثال للمعايير واللوائح المحلية والدولية.