أبنية – خاص
مع تزايد التحديات البيئية والاقتصادية الناتجة عن التوسع الحضري السريع، أصبحت الحاجة ملحّة للبحث عن حلول مبتكرة لتعزيز الاستدامة في المدن. تُعد الزراعة على أسطح المباني إحدى هذه الحلول، حيث تساهم في تحسين جودة الحياة الحضرية من خلال توفير مساحات خضراء إضافية، وتعزيز الأمن الغذائي، وتقليل التأثيرات البيئية السلبية.
مفاهيم زراعة أسطح المباني
تشير زراعة أسطح المباني إلى استخدام المساحات العلوية للمباني لزراعة النباتات، سواء كانت خضروات، فواكه، أو نباتات زينة. تتنوع تقنيات الزراعة المستخدمة، بدءًا من الزراعة التقليدية في التربة، وصولًا إلى الأنظمة المائية “الهيدروبونيك” والأنظمة الهوائية “الأيروبيك”.
تُعتبر هذه الممارسات جزءًا من مفهوم “الأسطح الخضراء”، الذي يشمل أيضًا تركيب حدائق وساحات خضراء على الأسطح لتعزيز التنوع البيولوجي وتحسين المناخ المحلي.
تقنيات زراعة أسطح المباني
الزراعة المائية “الهيدروبونيك”.
تعتمد الزراعة المائية على زراعة النباتات دون تربة، حيث تُستخدم محاليل مغذية لتزويد النباتات بالعناصر الضرورية للنمو. تُعتبر هذه التقنية مثالية لأسطح المباني نظرًا لخفة وزنها وكفاءتها في استخدام المياه. على سبيل المثال، تم تطوير نظام دفيئة ذكي للحدائق المائية يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء لمراقبة وتحسين ظروف النمو، مما يسهم في زيادة الإنتاجية وتقليل استهلاك الموارد.
الأسطح الخضراء التقليدية
تتضمن هذه التقنية زراعة النباتات في تربة خفيفة الوزن موضوعة على طبقات عازلة ومصفاة لحماية هيكل المبنى. تساعد الأسطح الخضراء في تقليل درجات الحرارة داخل المباني، وتحسين جودة الهواء، وتقليل جريان مياه الأمطار. في هونغ كونغ، أظهرت دراسة أن تطبيق الزراعة على الأسطح يمكن أن يزيد من مساحة المساحات الخضراء بنسبة 61%، مما يحقق فوائد اقتصادية وبيئية ملموسة.
زراعة المباني.. أمثلة رائدة
سنغافورة
تعاني سنغافورة من محدودية مساحتها الإجمالية والاكتظاظ السكاني، إلى جانب قلة المساحات الزراعية. ونتيجة لذلك، تعتمد البلاد على استيراد أكثر من 90% من غذائها. لذا، قررت الحكومة تنفيذ زراعة الأسطح على مستوى البلاد بهدف توفير 30% من استهلاكها الغذائي بحلول عام 2030.
الولايات المتحدة الأمريكية
تُعتبر الولايات المتحدة أكثر نشاطًا في مجالات الزراعة الرملية “Sandponic”، والزراعة المائية “Hydroponic”، والزراعة التقليدية، والزراعة الرأسية. وتوفر الحكومة برامج تمويل ودعم تقني للمزارعين والأفراد والمنظمات الزراعية بهدف زيادة الإنتاج الزراعي السنوي. كما تدعم البلديات البحث والتجريب في زراعة الأسطح. وعلى عكس أوروبا ذات المناخ البارد، قد تنجح زراعة الأسطح في مناطق عديدة من الولايات المتحدة، خاصة في الولايات ذات المناخ الدافئ مثل وسط البلاد والمقاطعات المطلة على المحيط الهادئ.
أستراليا
نجحت الحكومة الأسترالية في التنسيق بين البلديات والشركات الخاصة والمزارعين والأفراد في المجتمع لتعزيز استخدام أسطح المباني في الزراعة. ووُصفت هذه المبادرة بأنها خطوة نحو التحول إلى الزراعة الخضراء. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات مثل نقص المعلومات العلمية المحلية والبيانات الداعمة للمشروع.
شبه القارة الهندية
تولي الحكومة الهندية اهتمامًا كبيرًا بالزراعة المائية والزراعة الرأسية وزراعة الأسطح، حيث تقدم برامج دعم تشمل تغطية 75% من إجمالي تكلفة زراعة الأسطح في جميع أنحاء البلاد. وعلى النقيض من ذلك، فإن حكومة بنغلاديش لا تقدم أي دعم في هذا المجال، وتُمارَس زراعة الأسطح على نطاق محدود جدًا وعلى أساس فردي.
القارة القطبية الجنوبية “أنتاركتيكا”
تجعل الظروف المناخية القاسية في أنتاركتيكا من الصعب للغاية ممارسة الزراعة التقليدية في الهواء الطلق أو زراعة الأسطح. ومع ذلك، هناك بعض المحاولات الناجحة للزراعة المائية والزراعة الرأسية داخل البيوت الزجاجية. أحد هذه المشاريع هو البيت الزجاجي في محطة “ماكموردو” على جزيرة “روس”، والذي يمتد على مساحة 649 قدمًا مربعًا. ينتج هذا البيت الزجاجي محاصيل تكفي لإطعام حوالي 230 شخصًا بوجبة سلطة كل أربعة أيام، وتشمل المحاصيل المزروعة الخس والخضروات الورقية والسبانخ والجرجير والسلق والطماطم والفلفل والخيار والأعشاب. بالإضافة إلى ذلك، يوفر البيت الزجاجي بيئة مليئة بالنباتات الخضراء والزهور الملونة.
تأثير زراعة الأسطح في تنمية اقتصاد الدول
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية المباشرة، تسهم زراعة الأسطح في دعم الاقتصاد المحلي من خلال تعزيز ريادة الأعمال والاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة. فمع تزايد الاهتمام بالاستدامة، توفر هذه المشاريع فرصًا لرواد الأعمال والمبتكرين لتطوير حلول زراعية متقدمة مثل أنظمة الري الذكية والزراعة المائية، مما يعزز نمو القطاعات المرتبطة بالتكنولوجيا الزراعية.
كما أن زراعة الأسطح تدعم الأسواق المحلية من خلال توفير منتجات طازجة وقريبة من المستهلكين، مما يقلل تكاليف النقل والانبعاثات الكربونية. وتساعد هذه المزارع أيضًا في إنشاء مجتمعات تعاونية بين السكان، حيث يمكن للأفراد المشاركة في عمليات الزراعة والحصاد، مما يعزز الاقتصاد التشاركي ويزيد من الوعي بأهمية الإنتاج الغذائي المستدام.
تمثل الزراعة على أسطح المباني حلاً مبتكرًا لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية في المدن الحديثة. من خلال تبني هذه الممارسات، يمكن تحقيق فوائد متعددة تشمل تعزيز الأمن الغذائي، تحسين جودة الحياة، ودعم الاقتصاد المحلي. مع تزايد الاهتمام العالمي بالاستدامة، حان الوقت للنظر بجدية في تطبيق تقنيات الزراعة الحضرية كجزء من استراتيجيات التنمية المستدامة.