أبنية – خاص
مع تطور قطاع المقاولات وتزايد حجم وتعقيد المشاريع، ينطبق التحول الرقمي كضرورة استراتيجية وليس مجرد خيار. يشمل هذا التحول اعتماد أدوات وتطبيقات تقنية تهدف إلى رفع كفاءة الأداء، تقليل الأخطاء، وتسريع عمليات اتخاذ القرار. من النمذجة ثلاثية الأبعاد إلى الحوسبة السحابية والذكاء الصناعي، أصبحت التكنولوجيا لاعبًا رئيسًا في إدارة المشاريع وضمان استدامتها.
ركائز التحول الرقمي الناجح في المقاولات
- تطبيق نمذجة معلومات البناء “BIM”
توفر تقنية BIM تصورًا رقميًا دقيقًا للمشروع قبل تنفيذه، وتُستخدم في تنسيق العمل بين الفرق الهندسية، مما يقلل من التعديلات الميدانية المكلفة. تعتمد شركات عالمية كـ Skanska وTurner Construction على BIM بشكل أساسي لتقليل الهدر وتسريع الإنجاز.
- 2. دمج تقنيات الذكاء الصناعي
يُستخدم الذكاء الصناعي لتحليل البيانات وتوقع المخاطر في المشاريع الكبرى، وتحديد أماكن تأخر العمل أو زيادة التكاليف قبل حدوثها. منصات مثل ALICE Technologies أصبحت شائعة بين كبرى شركات الإنشاءات لما توفره من قدرة على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات حقيقية.
- 3. الاعتماد على إنترنت الأشياء (IoT)
أجهزة الاستشعار الذكية تُستخدم في مواقع البناء لمراقبة جودة الهواء، درجات الحرارة، واستهلاك الطاقة، وتساهم في تحسين ظروف العمل وضمان السلامة. مثال ذلك شركة Bechtel التي تطبق IoT في مشاريعها العالمية لمراقبة الأداء البيئي والتشغيلي في الوقت الحقيقي.
التحديات الرقمية التي تواجه قطاع المقاولات
- 1. مقاومة التغيير التنظيمي
غالبًا ما تُواجه محاولات إدخال التكنولوجيا مقاومة من بعض العاملين أو الإدارات التقليدية داخل الشركات، مما يُعيق تسريع التحول. التغلب على هذه العقبة يتطلب تدريبًا شاملاً، وتبني ثقافة الابتكار على مستوى الهيكل التنظيمي.
- 2. الحاجة إلى استثمار ضخم
التحول الرقمي يتطلب بنية تحتية تقنية، وبرامج متقدمة، وتوظيف كفاءات تقنية. الأمر الذي قد يكون مُكلفًا للشركات الصغيرة والمتوسطة، ما لم تحظَ بدعم استثماري أو تحالفات تقنية.
- 3. الأمن السيبراني وحماية البيانات
مع رقمنة العمليات، تصبح البيانات عرضة للاختراق ما لم تُطبّق نظم أمان محكمة. شركات المقاولات الكبرى بدأت الاستثمار في حماية البنية الرقمية للمشروعات، بما في ذلك البيانات المالية والمخططات الهندسية.
نماذج عربية وعالمية رائدة في التحول الرقمي
مجموعة حسن علام في مصر تُعد من الشركات الرائدة في تبني التحول الرقمي داخل قطاع المقاولات في المنطقة، حيث اعتمدت على منصة Oracle Primavera Cloud لإدارة المشروعات الهندسية بشكل متكامل. ساعد هذا التحول على تحسين دقة تخطيط الموارد، وتوفير تقارير دقيقة لحالة المشروع، مما مكّن الفرق من اتخاذ قرارات أسرع وتقليل التكاليف غير المخطط لها. كما عززت المنصة من قدرة الشركة على إدارة مشاريع متعددة في الوقت نفسه، وتوفير بيئة عمل مترابطة تدعم التعاون بين الإدارات الفنية والإدارية.
أما شركة Consolidated Contractors Company (CCC) اللبنانية، فقد قطعت شوطًا كبيرًا في دمج التكنولوجيا ضمن دورة حياة مشاريعها، حيث اعتمدت على تقنيات نمذجة معلومات البناء (BIM)، وتحليل البيانات، وخوارزميات الذكاء الصناعي لتوقّع التحديات قبل وقوعها. هذا التكامل الرقمي الشامل مكّن الشركة من رفع كفاءة التنفيذ وخفض نسب الهدر بشكل كبير. وقد أشادت مجلة Construction Technology Review في عددها الصادر عام 2022 بهذا النموذج المتكامل، كما نُوّهت بدور CCC في تقديم تجربة رقمية مرجعية تُحتذى بها في مشاريع البنية التحتية الكبرى في الشرق الأوسط. ومن جانب آخر، تُعد شركة Vinci Construction الفرنسية مثالًا عالميًا لتبني الحلول الرقمية التعاونية، إذ استثمرت في منصة BIM Collaborate Pro، مما أتاح لها ربط فرق العمل عبر مشاريعها الدولية في الوقت الفعلي، وتقليل زمن المراسلات بنسبة تجاوزت 35%، مع تعزيز الشفافية في جميع مراحل المشروع.
مستقبل رقمنة المقاولات
مع دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتحليلات التنبؤية، والتصنيع المسبق باستخدام الروبوتات، يبدو أن مستقبل المقاولات سيتحوّل تدريجيًا إلى منظومة ذكية تُدار بشكل لحظي، وتحاكي الظروف المستقبلية للمشروع قبل حدوثها. ومن المتوقع أن يُصبح المهندس في المستقبل مسؤولًا عن تحليل البيانات وإدارتها أكثر من كونه منفذًا ميدانيًا فقط.
ختامًا، التحول الرقمي في المقاولات ليس مجرد توجه مؤقت، بل هو إعادة تعريف شاملة لصناعة البناء. الشركات التي تُسارع إلى تبني هذه الأدوات ستضمن التفوق التنافسي والاستدامة، بينما ستواجه الشركات التقليدية صعوبات متزايدة في اللحاق بركب التطور. التحول يبدأ بتغيير العقلية، ثم بتبني الأدوات، وأخيرًا بتحديث البنية التنظيمية والتشغيلية.