أبنية – خاص
تعد تقنيات الواقع الافتراضي”VR” والواقع المعزز”AR” أدوات حيوية في صناعة البناء، حيث تسهم في تحسين التدريب، وتعزيز السلامة، وتطوير عمليات التصميم والتنفيذ.
في عصر التحول الرقمي، أصبحت فيه الحاجة لفعالية التجربة، وانتصار الكفاءة الذكية، يصير الأمر مرتبطًا بمفاهيم واستراتيجيات، لا تغير قواعد اللعبة فحسب، بل وتصنع قواعد وطرقًا ومسالكًا جديدة في عالم البناء والتشييد.
الواقع الافتراضي والمعزز في البناء
يمثل الواقع الافتراضي “VR” تحولًا جوهريًا في طرق التدريب داخل قطاع البناء، حيث يوفر بيئة محاكاة ثلاثية الأبعاد تحاكي مواقع العمل بدقة، ما يتيح للعاملين إمكانية التفاعل مع سيناريوهات معقدة في بيئة آمنة. هذا النمط من التدريب يعزز استيعاب المهارات الفنية ويتيح التعلم من الخطأ دون عواقب واقعية، مما يساهم في تقليل نسبة الحوادث والأخطاء التشغيلية مستقبلاً.
أما الواقع المعزز (AR)، فيضيف طبقة رقمية من المعلومات على البيئة الحقيقية، فيُستخدم بشكل مباشر في مواقع العمل لتقديم إرشادات مرئية أثناء تنفيذ المهام، كتركيب العناصر أو فحص الجودة، مما يقلل من الاعتماد على الوثائق الورقية أو التدريب اللفظي. يُعد هذا مفيدًا بشكل خاص في مواقع البناء المعقدة التي تتطلب دقة عالية وسرعة في اتخاذ القرار.
على مستوى الاستراتيجيات، يتم توظيف VR وAR في ثلاث ركائز أساسية: التدريب التفاعلي، حيث يُدرّب العاملون على السلامة والإجراءات التقنية قبل دخول مواقع العمل؛ والتصميم التعاوني، الذي يتيح للمهندسين والمعماريين استعراض النماذج ثلاثية الأبعاد في بيئة حقيقية؛ والدعم الفني، باستخدام AR لتوجيه الفنيين ميدانيًا خطوة بخطوة، ما يختصر الزمن ويحسن جودة الأداء.
الاستراتيجيات المتبعة
لتنفيذ التقنية الذكية بقوة، لا بد من استراتيجية وخطوات متبعة تحقق الهدف المنشود منه، وه تحقيق البناء الجيد.
التدريب التفاعلي
يُستخدم الواقع الافتراضي لتوفير بيئة تدريب واقعية وآمنة تحاكي مواقع البناء، مما يساعد العاملين على اكتساب المهارات والتعامل مع المواقف المعقدة دون التعرض للمخاطر. يتيح هذا النمط من التدريب تجربة عملية فعالة تُسهم في تقليل الأخطاء وتحسين كفاءة الأداء. كما يُعزز من جاهزية الأفراد قبل دخولهم بيئة العمل الفعلية.
التصميم التعاوني
يساعد الواقع المعزز في عرض النماذج الهندسية ثلاثية الأبعاد داخل البيئة الحقيقية، مما يسمح للمهندسين والمعماريين بمراجعة التفاصيل بدقة وتعديلها بشكل فوري. هذا الأسلوب يسهم في تحسين التنسيق بين مختلف الفرق الفنية ويقلل من احتمالات سوء الفهم أو التأخير. كما يتيح اتخاذ قرارات تصميمية دقيقة مبنية على تصور واقعي للمشروع.
الدعم الفني والصيانة
يوفر الواقع المعزز دعماً مباشراً للعاملين في الموقع من خلال عرض التعليمات والإرشادات على المعدات أو الهياكل أثناء العمل. يساعد هذا في تسريع عمليات الصيانة وتقليل الأخطاء الناتجة عن الاعتماد على الكتيبات التقليدية أو التواصل غير الفعال. كما يُسهم في تحسين جودة التنفيذ وزيادة كفاءة فرق العمل.
نماذج واقعية لتطبيقات الواقع الافتراضي والمعزز في البناء
في عام 2024، تم تنفيذ مشروع تدريبي بارز باستخدام الواقع الافتراضي في أحد مواقع البناء، حيث أظهرت النتائج أن توفير بيئة محاكاة واقعية أسهم بشكل مباشر في تحسين كفاءة المتدربين وتقليل الحوادث. وقد أتاحت هذه التجربة للعاملين التعامل مع مواقف خطرة دون التعرض لأي أذى فعلي، مما مكّنهم من اكتساب مهارات السلامة بشكل تفاعلي وفعّال.
من جهة أخرى، استخدمت شركة “Surespan” تقنية الواقع المعزز (AR) في تنفيذ أعمال الصيانة عن بُعد، حيث أتاح ذلك للفنيين تلقي تعليمات فورية على المعدات أثناء العمل. هذا التطبيق أدى إلى خفض كبير في التكاليف التشغيلية وساهم في تقليل الأخطاء الناتجة عن سوء الفهم أو نقص التوجيه المباشر، ما جعل من AR أداة مهمة في تحسين جودة أعمال الصيانة.
أما على مستوى الدراسات الحديثة، فقد نشرت مجلة ‘Safety Science” في أكتوبر 2024 دراسة علمية بعنوان “Applications and Effectiveness of Augmented Reality in Safety Training”، تناولت كيف يمكن للواقع المعزز أن يعزز من فعالية برامج تدريب السلامة. وأكدت الدراسة أن استخدام AR يزيد من تركيز المتدربين، ويحسن من استيعابهم للإجراءات المعقدة، ويسهم في تقليل نسب الحوادث في المواقع الإنشائية.
في نفس السياق، تناولت دراسة أخرى نُشرت في نفس المجلة استخدام الواقع الافتراضي كأداة لتدريب السلامة، حيث أظهرت النتائج أن المتدربين الذين خضعوا لتجارب VR تفاعلية امتلكوا وعيًا أكبر بالمخاطر مقارنة بمن تلقوا التدريب التقليدي. وتبيّن أن الواقع الافتراضي لا يقدم فقط محتوى تدريبيًا، بل يخلق تجربة شعورية تُمكّن من ترسيخ المعرفة لدى المتدرب.
تشير هذه النماذج والدراسات إلى أن تقنيات الواقعين الافتراضي والمعزز لم تعد مجرد أدوات مساعدة، بل أصبحت عناصر أساسية في بيئات العمل الحديثة في قطاع البناء. ومع استمرار تطورها واعتمادها، يتوقع أن تُحدث هذه التقنيات تغييرًا جذريًا في مفاهيم التدريب والتنفيذ والصيانة على حد سواء.
تُظهر هذه الأمثلة والدراسات كيف أن تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز تُحدث تحولًا في مجال البناء، من خلال تحسين التدريب، وتعزيز السلامة، وتسهيل عمليات التصميم والصيانة. مع استمرار التطور التكنولوجي، من المتوقع أن تصبح هذه التقنيات أكثر تكاملًا في صناعة البناء، مما يؤدي إلى مشاريع أكثر أمانًا وكفاءة.
