عبدالإله العوفي
كوني مستأجرا منذ ما يقارب خمس عشرة سنة أدرك أن ثمة مشكلة قد لا يحيط علمي بها كلها، ولكن اليوم أعتقد أن إيجار حتى أكثر الشقق تواضعا في الرياض يكفي لإيذاء محفظة أي شخص! قد يجلب ارتفاع سعر الإيجار بعض المعاناة للشباب الذين هم طاقة هذه المدينة المتسارع نموها، كنت أتحاور مع صديقي المهتم بهذه المشكلة في كل مرة نسمع فيها أحد الحلول التي تطرح في هذا القطاع؛ لذا قررنا أن نحصر الحلول الممكنة التي لم تطرح بعد!
لا يخفى على الجميع أن الطلب على الإسكان في مدينة الرياض عال جدا وأخصصها هنا؛ كونها العاصمة التي يتم زيادة سكانها من منطلق تنموي اقتصادي تقوده الحكومة، والذي يحمل معه تحديات إسكانية من الصعب تركها للقطاع الخاص وحتى مشاريع وزارة الإسكان؛ لأن الحلول تكاد تنحصر بزيادة العرض وتسهيل التمويل للتملك، والذي يبدو غير كاف لمواكبة تطلعات الرياض كمدينة أعمال مرنة تجذب الكفاءات إليها، وذلك من خلال عدة ملاحظات أهمها:
– استمرار الارتفاع بأسعار التملك والإيجارات حتى مع دخول وحدات جديدة، والذي وصل حتى إلى شركة روشن، والتي رفعت أسعارها بسبب الطلب العالي.
– تسابق المستثمرين باقتناص الأراضي والوحدات السكنية على حساب الراغبين بالتملك ليس فقط بسبب جاذبية الاستثمار العقاري بشكل عام، ولكن بسبب الزخم الإعلامي حول مستقبل الرياض.
– دفع الكثير من الأسر لخيار التملك وإرهاقهم بالقروض هربا من تصاعد الإيجارات، رغم وجود من يرغب في الاستقرار خارج الرياض بعد انتهاء عمله.
– توجه الكثيرين للتملك على أطراف المدينة خلق تحديا على البنية التحتية وجودة الحياة لسكان المدينة، رغم وجود الكثير من العقارات المهجورة أو القابلة للتطوير لاستيعاب المزيد من السكان بوسط المدينة بالقرب من أعمالهم؛ لتخفيف الضغط على سكان الرياض يجب أن ننظر لزاوية أخرى ألا وهي (محور الاستثمار بوحدات الإيجار المدعوم أو وحدات الإسكان للمنسوبين)، كمحور مستدام فهو حل شبه غائب ضمن نقاشات ملف الإسكان بالرياض رغم أنه عنصر مهم، ويزيد من كفاءة الجهود الحالية لتخفيف تحدي الإسكان إضافة إلى أن أثره يتعدى على جودة الحياة والتنقل داخل المدينة.
وأهمية هذا المحور تكمن بالآتي:
– خلق خيارات مجدية بجانب التملك، وجعله خيارا مجديا لبعض الفئات التي قد لا ترغب في التملك، أو حتى ليس لديها القدرة على التملك في مدينة الرياض.
– تخفيف الضغط من قبل المستثمرين الذين يتنافسون برفع الإيجارات، ويسابقون الراغبين بالتملك طمعا بتأجير الوحدات بعوائد مرتفعة.
– رفع الطاقة الاستيعابية للكثافة السكانية ضمن المدينة عوضا عن دفع المستأجرين والمشترين إلى أطراف المدن هربا من ارتفاع الأسعار، والذي سينعكس إيجابا بتقليل مسافات التنقل وتقليل الازدحامات، والإسهام بزيادة جاذبية الرياض كمدينة أعمال توفر خيارات تنافسية للعاملين بها.
– تحسين قطاع التأجير من خلال خلق نماذج ترفع من جودته وتنافسيته خاصة العقارات المملوكة من قبل الأفراد، والذي يشوبها قلة الثبات والجودة مع ارتفاع متصاعد بالإيجارات حتى لوحدات قديمة، ولا تليق بالسكن مقابل أسعارها.
– خلق مصدر دخل مستدام للحكومة بالاستفادة من أصولها العقارية وتعظيم الفائدة منها دون خسارتها بالبيع خاصة في المواقع المتميزة.
هناك عدة طرق لتفعيل المقترح وأدناه نماذج يمكن دراستها والتعديل عليها وحتى إضافة غيرها علما أن هذا المقترح هو مكمل لما تقوم به وزارة الإسكان مشكورة وغيرها من القطاعات المعنية:
أولا: التشارك الحكومي مع القطاع الخاص، هناك الكثير من الأراضي التي تملكها الحكومة أو ضمن الجهات التابعة لها في مواقع مميزة، والتي يمكن أن تستثمر من قبل القطاع الخاص مقابل تحقيق أهداف سعرية تنافسية، لكن بالوقت نفسه تضمن وجود أرباح للحكومة والمطور، ويمكن أن تتفاوت أسعارها حسب معايير تضمن توجيهها لمن يستحق، ويمكن حتى تنفيذ هذا المقترح من خلال شركات حكومية مثل روشن بدل أن تحصر نشاطها ببيع الوحدات فقط.
ثانيا: تطوير المواقع المنزوعة والأحياء القديمة، هناك الكثير من المواقع التي نزعت للمشاريع الكبرى بالرياض، وتم الإعلان عن نية طرح وحدات للتملك، وأرى من المهم أن يخصص جزء منها للتأجير، ولا تخسرها الدولة بعد جهود النزع المكلفة، وتخدم العاملين بها مستقبلا، أيضا يمكن النظر بجدية إلى الأحياء والعشوائيات بوسط الرياض، والتي لا يستبعد نزعها أو تطويرها ليتم استغلال جزء منها لهذا الغرض.
ثالثا: التوسع بإسكان المنسوبين، الكثير من الجهات كانت رائدة بتوفير الإسكان لمنسوبيها مثل ما هو مشاهد بالقطاعات العسكرية والجامعات، وهناك مجال للتوسع وإعادة تطويرها لاستيعاب المزيد من منسوبيها؛ خاصة أن كثيرا من الجهات أصبحت في مواقع مميزة، ومن الصعب إيجاد سكن بسعر مناسب بالقرب منها، أيضا من المهم التنويه أن بعض المشاريع الكبرى تبنت هذا الحل مثل مدينة الأمير محمد بن سلمان غير الربحية ومدينة قوى الأمن الطبية الجديدة، لكن الطموح أن تتبنى المزيد من الجهات هذا التوجه.
رابعا: التفاوض نيابة عن المنسوبين، بعض الجهات الكبرى يمكنها التفاوض لأخذ مواقع أو مجمعات سكنية وبأسعار مناسبة، وتصبح أحد عوامل الجذب للموظفين القادمين من خارج الرياض.
خامسا: مواكبة المحافظات القريبة، من المهم أن يكون للمحافظات القريبة كسدير والمزاحمية والخرج خطط تواكب ما يحصل في الرياض من ناحية التخطيط الحضري والتطوير العقاري مع توفير خيارات النقل العام كي تكون خيارا منافسا لمن يرغب في التملك بالقرب من الرياض واكتفائه بحلول إسكانية أكثر مرونة خلال فترة عمله في الرياض.
ختاما، نؤكد على أن حلول الإسكان متعددة وهناك الكثير من المبادرات والجهود المميزة من قبل الجهات المسؤولة، لكن مدينة الرياض وبسبب وضعها الخاص تستحق أن يكون لها استراتيجيتها الإسكانية النابعة من تحدياتها واحتياجاتها، والتي تختلف عن بقية مناطق المملكة.
المصدر: مكة