أبنية – الرياض
صدر أخيرا الرقم القياسي لأسعار العقارات للربع الثالث 2021 عن الهيئة العامة للإحصاء، وأظهر أنه ارتفع بنسبة 0.5 في المائة، مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي، وأرجع السبب الأكبر للارتفاع إلى ارتفاع أسعار العقارات السكنية بنسبة 1.1 في المائة خلال الفترة نفسها. وفي المقابل، أسهم انخفاض أسعار كل من العقارات التجارية بنسبة 0.7 في المائة، والزراعية بنسبة 0.3 في المائة في تقليل نسبة ارتفاع الرقم القياسي العام. وأوضح التقرير أن الارتفاع الذي طرأ على القطاع السكني بنسبة 1.1 في المائة، جاء نتيجة ارتفاع أسعار قطع الأراضي السكنية بنسبة 1.3 في المائة، مقابل انخفاض العقارات السكنية الأخرى؛ كالفلل السكنية، بنسبة 5.0 في المائة، والشقق بنسبة 2.8 في المائة، والبيوت بنسبة 1.4 في المائة، والعمائر بنسبة 0.3 في المائة.
تبين المقارنة بين ما أظهره تقرير الرقم القياسي أعلاه من جانب، ومن جانب آخر ما تم ويتم على أرض الواقع في السوق العقارية المحلية، أنه توجد مساحة كبيرة من الاختلاف، ولم تنشأ تلك المساحة فقط من التقرير الأخير فحسب، بل سبق إنشاؤها منذ عدة أعوام مضت، ولو تم الرجوع في هذا الشأن إلى مختلف الشرائح المرتبطة بالسوق العقارية من ملاك أراض ومضاربين ومطورين عقاريين وسماسرة ومستهلكين نهائيين، لوجدت لديهم إجابات مختلفة تماما عما ورد في التقرير من نتائج، وستراها تجتمع حول نسب ارتفاع سعرية أكبر بكثير مما ورد في التقرير، ولعل أقرب دليل رسمي يؤكد هذا الاختلاف الكبير بين ما يجري على أرض الواقع من جهة، ومن جهة أخرى، التغيرات النسبية المحدودة التي وردت في تقرير الإحصاءات العامة، الرجوع إلى بيانات وزارة العدل نفسها (المرجع الرئيس للإحصاء)، والرجوع أيضا لنشرات المؤشرات العقارية لأحياء المدن على موقع الهيئة العامة للعقار وكلا المصدرين يفصح عن تغيرات قياسية في الأسعار بالارتفاع.
كما أن الرجوع إلى المؤشرات الأخرى الصادرة عن الإحصاء، خاصة فيما يتعلق بالتضخم، ستؤكد أيضا اتساع حجم المساحة، فعلى سبيل المثال، أظهر معدل التضخم بنهاية الربع الثاني من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 5.7 في المائة، مقابل ارتفاع الرقم القياسي لأسعار العقارات للفترة نفسها بما لا يتجاوز 0.4 في المائة، والرابط هنا بين كل من المؤشرين مرتبط بالأسعار وتغيراتها التي تأثرت جميعها بالارتفاعات الناتجة عن جائحة كورونا وما تزامن معها من إجراءات احترازية، إضافة إلى بعض القرارات الأخرى المتعلقة بالأسعار، عدا ما ارتبط بتعاملات السوق العقارية المحلية مباشرة، من ارتفاع وتيرة ضخ القروض العقارية للأفراد طوال الفترة الماضية، التي تجاوز حجمها من بعد نهاية الربع الثالث من العام الماضي حتى نهاية الربع الثالث خلال العام الجاري سقف 157.6 مليار ريال. إنه ما يؤكد مجددا وجود هذه المساحة من الفارق بين كل من الرقم القياسي لأسعار العقارات لدى الإحصاء، وأرض الواقع للسوق العقارية المحلية، ووفقا لما تقدم ذكره أعلاه، لدينا الآن ثلاثة شواهد رسمية (بيانات وزارة العدل، مؤشرات الهيئة العامة للعقار، المؤشرات الأخرى لهيئة الإحصاء نفسها) التي يضاف إليها المؤشرات الملموسة لدى جميع الأطراف المرتبطة بالسوق العقارية من ملاك أراض وعقاريين وسماسرة ومجتمع استهلاكي.
تتجاوز الآثار العكسية لغياب المؤشرات الحقيقية التي تلامس واقع الأسواق المحلية عديدا من المعطيات، فعدا أنه تضعف الثقة بالمؤشرات اللازم وجودها بدقة، فإنها تفتح المجال أمام تعويضها بكثير من المؤشرات المضللة وغير الدقيقة، التي سيقف خلفها تحقيق مصالح ضيقة لمن قام بها، إضافة إلى أنها ستضيف مزيدا من التعقيدات لدى متخذي القرار والأطراف العديدة المهتمة بتلك المؤشرات، من جهات تمويل مرورا بجهات التقييم والتثمين وصولا للبائعين والمشترين، وغيرهم من الأطراف المهتمين خارج تلك الشرائح المباشرة.
إن من الأهمية بمكان أن يعمل الفريق المختص بإعداد تلك المؤشرات في هيئة الإحصاء، على المراجعة المستمرة لمنهجية احتساب تلك المؤشرات، والتعاون في تلك الجهود مع الأطراف الرسمية ذات العلاقة بدءا من وزارة العدل والهيئة العامة للعقار والبنك المركزي السعودي، والأخذ في الحسبان بقية الجهات ذات العلاقة بالسوق العقارية في القطاع الخاص، والمهتمين والمختصين في الشأن العقاري محليا، والخروج من ثم بتصورات جديدة ومختلفة، تستهدف العمل المتكامل على الوصول بتلك المؤشرات إلى أقرب نقطة من الواقع الملموس في السوق العقارية، الذي سينتج عنه في نهاية الأمر المزيد من الثقة بتلك المؤشرات، قياسا على اقترابها بصورة أكبر من الواقع، وبما يلبي عمليا احتياجات مختلف الأطراف ذات العلاقة دون استثناء، ويضعهم في الموقع الأكثر ملاءمة على مستوى الاستفادة عموما منها، وعلى مستوى اتخاذ القرارات اللازمة خصوصا، وهي الأهمية القصوى التي تقف خلف نشر مثل هذه المؤشرات الرسمية المتعلقة بتطورات السوق العقارية المحلية.