قديمك لم يعد نديمك بعد الآن، هذا هو لسان حال مبادرة تحفيز «تقنية البناء» التي تنطلق من حزمة برامج تطويرية تستهدف تغيير فلسفة الإسكان تحت مظلة وزارة الإسكان المتنوعة، هذه المبادرة التي تأتي بثوب جديد لفكرة السكن تستهدف بشكل مباشر تغيير المنظومة البنائية من العمليات التقليدية البدائية إلى عمليات ذات جودة عالية وتكلفة أقل وسرعة زمنية منافسة، لكن ماذا عن السوق؟ وماذا عن الفئات المستهدفة؟ بالتأكيد إن المبادرة قامت بعمل دراسات مسحية مستفيضة حول حاجات السوق، لكن أعتقد أن ليس هذا هو التحدي الحقيقي لها.

فبداية وكما أردد دائما أن الجامعات السعودية بكل أسف كانت وما زالت لم تقدم مناهج ودراسات أكاديمية حول «الإنسان السعودي»، فلا أجد دراسة تخصصت في فهم وقراءة التحول الضخم في «الهوية السعودية» ولا في «الأدوار المجتمعية» وصولا إلى «جودة الحياة وكيف يمارس الإنسان السعودي حياته»، هذا الأمر يجعلني أضع أعلاما حمراء كما يسميها الإنجليز بالاتجاهين، سواء للمستثمرين أو للمستفيدين، فمهم الآن أن لا نكتفي بدراسة واقع السوق من الأرقام فقط، فالأرقام هي بداية التضليل حينما نناقش احتياجات البشر ولا يعول عليها على الإطلاق ومن يجعلها وسيلته الوحيدة بالقطع إنسان جاهل.

أيضا مهم أن يكون المستفيد واعيا بما يريد، وأن تكون هناك مصارحة بين الأفراد ومحيطهم بشأن حاجتهم ونوع المساكن التي يفكرون بها، قبل عشرين عاما كانت الأسرة تزيد على ثمانية أفراد وتجد الشاب يكتفي بأخذ غرفة في منزل أسرته ويتزوج وينجب! الآن هذا الأمر أصبح نكتة مضحكة، «علم السكان» ومتخصصو علم الاجتماع مهم أن يكون لهم كلمتهم في التحول «الإسكاني» القادم، بل دراسة عوامل الممانعة المجتمعية على سبيل المثال للثقة بهذه الأنماط البنائية الحديثة، فلا أتصور أن العقول التقليدية ستجد أن هذا النمط مناسب ولا حتى من جانب الاقتصاد لدى الفرد.

الميدان هو الرهان، نسمع عن أرقام ووحدات سكنية فلكية! ونقرأ كل يوم في الصحف أخبارا إيجابية حول مشاريع الإسكان، لكن تقرأ الردود تجدها بعيدة جدا عن التقبل، ناهيك عن الضعف الإعلامي الواضح لدى الوزارة من ناحية تفعيل دور المستفيد، فلو تم تسجيل لقاءات مصورة مع هؤلاء لأصبحت مصداقية الوجوه أكثر من هذه الأرقام الصماء، مثلا حينما تسمع أنه تم تسليم مائة ألف وحدة سكنية، لماذا لا ينزل فريق من الوزارة ليصور على الأقل عشرة أو خمسين مستفيدا؟ ويكون محتوى تفاعليا؟، الجمهور اليوم جمهور شاب لن تقنعه الطرق القديمة.

أخيرا، مثل هذه المبادرات الشابة هي محل تقدير، لكن يبقى المحك أن تتغير اللغة التي تنتهجها الجهات الحكومية بالمجمل، وحينما أقول اللغة فأنا أعني «المحتوى والتفاعل والعرض»، سيكون هناك أعمال ومشاريع قادمة أدعو المهتمين للاستفادة من الحضور والاطلاع، كذلك مهم أن نفكر كمجتمعات أكاديمية أكثر بدراسة حاجات الإنسان، ولا توجد بالتأكيد حاجة أكثر من الحاجة للسكن والمأوى، مهما تغيرت أنماط الحياة يحتاج الإنسان للاستقرار وليست المسألة عن الغريزة التملكية بقدر ما هي ضرورة أمنية للفرد والمجتمع أن يحقق الفرد وجوده ويستقر لينطلق ويبدع.

* المصدر: صحيفة عكاظ