د. مساعد سعود الرشيدي
لا شك أن توجيه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بشأن ضوابط تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر في مدينة الرياض، يمثل خطوة استراتيجية مهمة للحد من تسارع نسبة التضخم في الإيجارات العقارية، والتي بلغت 25 % بين مارس 2022 ونهاية سبتمبر 2024، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء. ويستند هذا التوجيه إلى فلسفة قانونية واقتصادية متكاملة، ترتكز على مبدأ التوازن العقدي، وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي، وحماية الثروة العقارية وفق رؤية المملكة 2030، وبما ينسجم مع المادة (22) من النظام الأساسي للحكم، التي تنص على أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتحقق وفق خطة علمية عادلة.
أولاً: الآثار الاقتصادية
يسهم تثبيت الإيجارات لمدة خمس سنوات في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير مساكن مناسبة للعمالة المرتبطة بالمشروعات الكبرى، وتعزيز الاستقرار في السوق العقاري. كما أن رفع الإيقاف عن التصرف بالبيع والشراء والتقسيم والتجزئة، وإصدار رخص البناء واعتماد المخططات للأرض الواقعة شمال مدينة الرياض بمساحة 81 مليون متر مربع سيزيد المعروض ويحقق توازنًا مع الطلب، مما يحد من التضخم السعري. ويدعم هذا التوجه خفض عبء تكاليف السكن على الأسر إلى أقل من 30 % من الدخل الشهري، ويعزز نجاح برنامج “بناء للتأجير” الذي تنفذه الشركة الوطنية للإسكان (NHC) بالشراكة مع شركات وطنية وأجنبية.
ثانياً: الآثار القانونية
جاءت هذه القواعد لتُرسخ مبدأ التوازن العقدي في عقود الإيجار السكنية والتجارية الواقعة داخل النطاق العمراني لمدينة الرياض لمدة خمس سنوات اعتبارًا من 25 /9 /2025. ووفقًا للبند (ثانيًا) من أحكام ضبط العلاقة الإيجارية، لا يجوز للمؤجر أن يزيد قيمة الأجرة الإجمالية في العقود القائمة أو الجديدة، أو أن يمتنع عن التجديد، إلا في حالات نص عليها التنظيم، وأبرزها:
تخلف المستأجر عن السداد.
وجود عيوب هيكلية في العقار تؤثر على سلامته وسلامة الساكنين.
رغبة المؤجر للعقار السكني في إخلائه لاستخدامه الشخصي أو لأحد أقاربه من الدرجة الأولى.
أي حالات أخرى يقررها مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار وفق الضوابط والمعايير المعتمدة.
كما نصت الفقرة (3) من البند ذاته على حق المؤجر في الاعتراض على قيمة الأجرة الإجمالية المحددة، إذا كان العقار قد خضع لأعمال ترميمات هيكلية أو إنشائية جوهرية أثرت في قيمة الأجرة، أو إذا كان آخر عقد إيجار أُبرم قبل عام 2024م.
أما من الناحية الإجرائية، فقد ألزمت الفقرة (4) من ذات البند المؤجر بتوثيق العقود الإيجارية في الشبكة الإلكترونية لخدمات الإيجار (إيجار)، ومنحت المستأجر ذات الحق، مع منح الطرف الآخر مهلة (60) يومًا للاعتراض أمام الهيئة العامة للعقار، وإلا أصبحت بيانات العقد المسجلة صحيحة وملزمة.
ثالثاً: الآثار الاجتماعية
كفلت هذه الأحكام النظامية الاستقرار الاجتماعي للمستأجرين داخل النطاق العمراني لمدينة الرياض، من خلال تثبيت الأجرة لمدة خمس سنوات، مع مراعاة احتياجات ملاك العقارات، مما يحقق توازنًا بين الحقوق والالتزامات. كما تعزز هذه القواعد التضامن الاجتماعي بين المواطنين والمقيمين، وتمنح الشباب فرصًا أفضل لتأمين مساكنهم، ما ينعكس إيجابًا على البناء الاجتماعي والاقتصادي.
رابعاً: دور نظام الوساطة العقارية
حدد المنظم في ذات الأحكام النظامية غرامة مالية لا تتجاوز مقدار الأجرة الإجمالية لـ(12) شهرًا على كل من يخالف ما ورد في البنود (ثانيًا، ثالثًا، رابعًا، وسابعًا)، دون الإخلال بحق المتضرر في المطالبة بالتعويض. كما نصت المادة (20) من نظام الوساطة العقارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/130) بتاريخ 30 /11 /1443هـ على تشكيل لجان من ثلاثة أعضاء على الأقل، أحدهم من المختصين في الشريعة أو الأنظمة، للنظر في المخالفات، على أن تصدر قراراتها بالأغلبية ويعتمدها الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعقار.
ختامًا، فإن هذه القواعد جاءت في وقت دقيق لتشكل ركيزة قانونية واقتصادية مهمة لتعزيز استقرار السوق العقاري، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وضمان بيئة استثمارية مستقرة تتسق مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
المصدر: الرياض