خاص – أبنية
تتجه تصاميم الديكور الداخلي مؤخرًا إلى الاعتماد على الألوان الأرضية والمزاجية، لما لها من تأثير مباشر على الراحة النفسية وتعزيز الشعور بالدفء في الشقق والمكاتب. هذا التوجه العصري يعتمد على الدمج بين درجات البيج، البني، الرمادي، والألوان الطبيعية المائلة للخضر، لتشكيل مساحات أكثر انسجامًا مع الطبيعة وتوفير بيئات مريحة للعيش والعمل.
1- الألوان الأرضية ودورها في الراحة النفسية
– الأبحاث الحديثة أثبتت أن الألوان الأرضية لها تأثير مباشر على الراحة النفسية للإنسان. فهي تساعد في تقليل مستويات التوتر النفسي والجسدي بشكل ملحوظ. إضافة إلى ذلك، تعزز هذه الألوان شعور الفرد بالاستقرار والطمأنينة.
– هناك دراسة بعنوان Effects of Visual Perception of Building Materials on Human Emotional States and Cognitive Functioning in a Physical Learning Environment (Mdpi) تناقش كيف أن المواد الطبيعية مثل الخشب والطوب الأحمر – والتي غالبًا ما تُستخدم مع ألوان أرضية – تُحسن الحالات العاطفية للمشاركين، وتُعزز الشعور بالراحة وبالطبع تؤثر إيجابياً على التركيز والحالة النفسية.
– عند استخدامها في غرف المعيشة، تضيف الألوان الأرضية دفئًا خاصًا للأجواء المنزلية. فهي تخلق بيئة مريحة تساعد أفراد الأسرة على الاسترخاء بعد يوم طويل من العمل أو الدراسة. كما تمنح الغرفة لمسة طبيعية تنشر الطمأنينة.
– أما في المكاتب وأماكن العمل، فإن الألوان الأرضية تسهم في تحسين تركيز الموظفين. فهي تقلل من حدة الانفعالات العصبية وتساعد على ضبط المشاعر. وبهذا تصبح بيئة العمل أكثر إنتاجية وهدوءًا.
2- الألوان المزاجية (Moody Colors) والعمق الداخلي
– الألوان الداكنة مثل الأزرق النيلي، الرمادي الغامق، والأخضر الزيتوني تحمل طابعًا مميزًا في التصميم الداخلي. فهي تضيف بعدًا دراميًا واضحًا يمنح المساحة ثراءً بصريًا لا يمكن تجاهله. كما تساهم في إضفاء عمق داخلي يجعل الغرف أكثر حيوية وجاذبية.
– عند استخدامها في غرف الاستقبال أو المكاتب الحديثة، تمنح الألوان المزاجية إحساسًا قويًا بالفخامة. فهي تضفي على المكان لمسة راقية ترفع من قيمته الجمالية. وبذلك تصبح المساحات أكثر ملاءمة للأجواء الرسمية والحديثة.
– أما المزج بين الألوان الأرضية والمزاجية فيحقق توازنًا بصريًا مدهشًا. فهو يدمج الدفء الطبيعي للألوان الأرضية مع القوة الدرامية للألوان الداكنة. والنتيجة تصميم معاصر يحاكي أسلوب المينيماليزم بلمسة أنيقة ومتوازنة.
3- التأثير النفسي والرفاهية
– اللون البني يعد من الألوان الأساسية التي تعزز شعور الإنسان بالأمان والاستقرار. فهو يرتبط بالثبات والموثوقية، مما يجعله خيارًا مثاليًا للأماكن التي تتطلب طمأنينة. كما يمنح المساحات دفئًا طبيعيًا يبعث على الراحة.
– الأخضر الزيتوني يتميز برمزيته العميقة للسلام والانسجام مع الطبيعة. فهو يذكرنا بالمساحات الخضراء ويثير إحساسًا بالهدوء الداخلي. لذلك يُستخدم بكثرة في التصاميم التي تهدف إلى تعزيز التوازن النفسي.
– الرمادي يُعتبر لونًا حياديًا يعكس الاحترافية والتنظيم في المساحات المختلفة. فهو يضفي شعورًا بالانضباط والترتيب، مما يجعله مناسبًا بشكل خاص للمكاتب والأماكن العملية. إضافة إلى ذلك، يساعد على إبراز باقي الألوان بوضوح.
– أشارت دراسات حديثة بعد عام 2020 في مجال علم النفس البيئي إلى دور الألوان في تحسين جودة الحياة. فقد أثبتت الأبحاث أن اختيار الألوان المناسبة يرتبط بشكل مباشر بجودة النوم والإنتاجية اليومية. وهذا يوضح الأثر النفسي العميق للتصميم الداخلي على الإنسان.
– الدراسة التي بعنوان “Psychology or Physiology? Choosing the Right Color for Interior Spaces to Support Occupants’ Healthy Circadian Rhythm at Night، المنشورة في دورية Buildings 2025، أجرى الباحثون القائمون عليها محاكاة ليلية لغرفة نوم فارغة باستخدام 24 لونًا مختلفًا من الدهانات، إلى جانب أنواع متعددة من الإضاءة. هدفت التجربة إلى دراسة تأثير هذه العوامل على ما يُعرف بـ “الإضاءة الميلانوبية Melanopic Lux”، وهو مقياس علمي يرتبط بمنع أو تأخير إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم. وقد أظهرت النتائج أن الألوان الباردة مثل الأزرق قد ترفع مستويات “الإضاءة الميلانوبية”، خصوصًا عند استخدام إضاءة قوية، وهو ما ينعكس سلبًا على جودة النوم ويؤدي إلى اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية.
– كما أشارت الدراسة إلى أن ضبط الإضاءة يمكن أن يحد من هذا التأثير السلبي حتى في وجود ألوان تبريدية على الجدران. ويشمل ذلك تقليل شدة الإضاءة (Intensity) أو استخدام مصادر ضوئية بدرجات حرارة لونية مناسبة (CCT) تساعد على التكيف مع حاجة الجسم في ساعات المساء. وبذلك يمكن للتصميم الداخلي المدروس أن يسهم في توفير بيئة صحية للنوم من خلال التوازن بين الألوان والإضاءة.
في الختام، يتضح أن الألوان ليست مجرد عنصر جمالي في التصميم الداخلي، بل هي أداة مؤثرة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالرفاهية النفسية وجودة الحياة. فالألوان الأرضية تمنح الشعور بالدفء والاستقرار، بينما تضيف الألوان المزاجية بعدًا دراميًا يعزز الفخامة والعمق البصري، ويحقق المزج بينهما توازنًا بصريًا يلائم التوجهات العصرية. ومع ما أكدته الدراسات الحديثة من تأثير الألوان والإضاءة على النوم والإنتاجية، يصبح اختيار لوحة الألوان في المساحات الداخلية خطوة أساسية نحو تصميم صحي، عملي، وجمالي يواكب احتياجات الإنسان المعاصر.