دخلت التقنية كافة مجالات الحياة، وسهلت علينا الكثير من الأمور التي لم تكن تخطر على بالنا قبل عقود، كما أنها أثرت في بعض الأمور أيضاً. وهذا التطور التقني الكبير الذي نواكبه اليوم ربما تأخر اعتمادنا عليه في قطاع رئيس وهو قطاع الإسكان، على الرغم من ظهور تقنيات البناء وتطورها منذ فترة ليست بالقصيرة ودخولها في العديد من المشروعات السكنية والإنشائية في المملكة، وأظن أن هذا الأمر يجب أن يؤخذ بجدية أكثر، حيث سيكون حلاً للكثير من الملفات، بنظري.
هذا التأخر في الاعتماد على تقنيات البناء بشكل ممنهج ومدروس يمكن عزوه في وقت سابق إلى غياب الجهة التنظيمية الرسمية التي تأخذ على عاتقها مهمة الارتقاء بهذه الصناعة، ودعمها وتحفيز قطاعي العرض والطلب للنهوض بها، وهو الأمر الذي تغير اليوم في ظل رؤية السعودية 2030، وأصبح لدينا مبادرة حكومية تعمل في إطار برنامج الإسكان وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية وهي «مبادرة تحفيز تقنية البناء»، وهو الأمر الذي يدعو للتفاؤل كما أعتقد، لأسباب كثيرة يمكن تلخيصها في عدة أمور: يأتي في مقدمتها الحاجة الماسة إلى رفع نسبة التملك في المملكة وزيادة المعروض، وهي الميزة التي لا يمكن لغير تقنيات البناء أن تقوم بتقديمها لقدرتها وحدها على توفير سرعة في الإنجاز لا تتوفر في البناء التقليدي، والأمر الآخر هو الفرص الاقتصادية التي ستوفرها هذه الصناعة عبر عدة أصعدة تتمثل في توليد فرص عمل تقنية جديدة تناسب احتياجات شباب وفتيات الوطن، وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة وغير المدربة، وهو ما سينسحب بالطبع على جودة القطاع، فبيئة العمل التي توفرها تقنية البناء بدءاً من العمل في المصانع وباستخدام الأجهزة والتقنيات المعتمدة والاعتماد على المواصفات التي يوفرها كود البناء السعودي يجعل منها بيئة جاذبة، بالإضافة إلى جودة المخرج وكفاءته وميزاته التنافسية الأخرى التي لا يمكن للبناء التقليدي مجاراته فيها، والتي ستنعكس في المستقبل القريب على تنافسية التكلفة مع زيادة الاعتماد على التقنيات وتوطينها وزيادة المعروض من خلالها.
الحديث عن مزايا الاعتماد على أساليب البناء الحديث يطول، ومهما ذكرت فلا أزال أقف في نقطة المتعلم الجديد، لأنه مجال كبير ومتشعب.. كما أن تقنية البناء صناعة ذات أنماط مختلفة، لا يمكن اختزالها في عدة أسطر أو مقالات، ولكن ما يمكن قوله اليوم إن البناء في السعودية يدخل منعطفاً جديداً من التحول لآفاق أكثر استدامة وذكاء وهو ما ننتظره بفارغ الصبر في الأعوام القليلة المقبلة.. والسلام.
المصدر: جريدة الرياض