أبينة – الرياض
كما هو متوقع تماما، فإن الآثار الاقتصادية لكوفيد – 19، تأتي تباعا. فالأزمة الكبيرة التي أصابت شركات التجزئة تزامنا مع ما حدث من إغلاق كبير للمراكز التجارية ومنع المتسوقين من الوصول المباشر إليها، أدت إلى انتقالهم بشكل كبير إلى منصات التجارة الإلكترونية، وهذا عزز مكانة شركات التجزئة، التي سبق وحققت مكانة في هذه السوق على غرار “أمازون” وغيرها. ولهذا، واجهت شركات مثل ماركس آند سبنسر البريطانية، صعوبات مالية جعلتها تعلن تخفيض سبعة آلاف وظيفة في أسبوع واحد، مع موجة واسعة من إغلاق المتاجر، وهي في ذلك مثلها مثل عدد لا يحصى من شركات التجزئة الأمريكية، من بينها بروكس براذرز، ونيمان ماركوس، وديبنهامز.
تضمنت الأزمة المبكرة، التي أصابت شركات التجزئة أيضا، الاحترازات التي اتخذتها الدول عند العودة إلى العمل، وعززت بشكل واسع أساليب العمل عن بعد، ما منح الشركات فرصة لتوفير الملايين من الدولارات، التي تصرف على المكاتب، سواء من ناحية مصروف الإيجار أو الصيانة أو استهلاك الأثاث. وهذه – بالطبع – تحقق ميزة مهمة تمنح كثيرا من الشركات توازنا ماليا هي في أشد الحاجة إليه في هذه الظروف الصعبة. هذه الرياح، التي تهب على بعض الشركات مع استغنائها التدريجي عن المكاتب، تشبه العاصفة على الشركات العقارية والقطاع العقاري برمته، وهذه هي التداعيات الجديدة، التي تأتي على الأسواق تباعا نتيجة انتشار كوفيد – 19.
فقد نشرت “الاقتصادية” تقريرا مطولا عن هذه الظاهرة الاقتصادية، التي تقارب في رعبها ما حدث خلال الانهيارات المالية عام 2008، فالأزمة التي بدأت في العقار انتهت بانهيار البنوك ثم أزمة سندات عالمية. ففي الوقت الذي بدأ كثير من الشركات العملاقة في جميع أنحاء العالم إعادة ترتيب أعمالها كي تستفيد بأكبر قدر من الفرصة السانحة لترشيد استخدام المكاتب، فإن هناك المليارات من الإيجارات إما تبخرت فعليا وإما أنها في الطريق ذاته. وإذا كانت أزمة عام 2008، قد علمتنا أن انهيار العقارات يؤدي في كثير من الأحيان إلى أزمات مصرفية، فإن تقرير “الاقتصادية” يدق ناقوس الخطر. وأكد التقرير أن بنك التسويات الدولية، وصناديق الاستثمار العقاري في العالم، لم تفلحا في العودة إلى مستويات 2019.
وبينما يتم إلغاء صفقات العقارات، فإن هناك عقارات لا حصر لها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تبلغ قيمتها الآن أقل من الديون التي تم استخدامها لتمويل شرائها. وهذه بالذات كانت الشرارة التي أطلقت مارد الأزمة المالية من قمقمه. ومن المتوقع، وفقا لسيناريو 2008، أن تتصاعد حالات التخلف عن سداد الرهن العقاري، خاصة أن وكالات التصنيف العالمية ترى أن معدلات التخلف عن السداد الإجمالي عند المستويات نفسها، التي وصلت إليها في الأزمة المالية في 2008.
لكن على الرغم من هذا التحليل المرعب، فإن تماسك الأسواق حتى الآن، يجعل الأمر محيرا. فهل هذا التماسك حقيقي أم وهمي مع تزايد الحالات وانكشاف الشركات على الأصول المسمومة؟ حلل التقرير الفرق بين الأزمة المالية العالمية 2008 والأزمة الحالية، فالفرق جوهري. فبينما كانت الأزمة المالية بسبب الدورات الائتمانية الشديدة، التي عملت فيها السوق العقارية مستودعا لفائض السيولة، فإن المشكلة الآن ليست كذلك، بل هي نتيجة التحدي الذي يمثله العمل من المنزل.
فالمتوقع أن الأزمة الحالية ستقف عند حدود السوق العقارية فقط، مع قدرة السوق على التكيف من جديد، فالأبراج المكتبية الكبيرة ذات المصاعد الصغيرة وأنظمة التهوية القديمة، ستعاني بشكل بالغ، فالعقارات السكنية لم تزل مزدهرة في الولايات المتحدة على الرغم من كوفيد – 19، وكذلك في المملكة المتحدة. فالدعم الذي قادته دول العشرين مع بدايات الأزمة، خفف كثيرا من وطأة المرحلة الحالية لتأثير المرض، حيث يشير التقرير إلى أن السياسة النقدية والمالية، التي انتهجتها الدول مع بواكير انتشار كوفيد – 19، وضعت حدا لظاهرة البيع بدافع الذعر.