إنتاج خرسانة فعالة ومتينة ورخيصة من إسمنت صديق للبيئة .. هل هذا ممكن؟
admin
حبيب الشمري
يعد دخول العالم ثورة الإنترنت التي طالت كل شيء وأصبح الإنسان ترتبط حياته بهذه الشبكة، كان من اللازم أن تواكب كافة المجالات والقطاعات والمنتجات الحياتية الأخرى هذه الثورة. فالإنسان الذي كان قبل عقدين يتعامل بالخطوط الهاتفية الأرضية وينتظر وقتًا حتى يعرف مكانًا أو يتصل بالطرف الآخر الذي يريده، نسف هذا الانتظار مع دخول المحمول، ثم جاءت ثورة الهواتف الذكية التي أصبحت تتحكم في أغلب قرارات حياته من خلالها.
ومن هنا، فإن مجال البناء كان لا بدَّ أن يستجيب لهذه الثورة ويتطور ذاتيًا أو بدافع من الخارج ليواكب التغيير الحادث ويلاحقه، فلم يعد المنزل التقليدي الذي سيطر على الواقع مئات السنين والمكون من الطوب والإسمنت والخرسانة المسلحة، هو الذي يلبي الطموح وهو الحل الأمثل في هذا العصر لإشكالية السكن.
فالانتظار الذي كان يحدث لبناء مسكن جديد قد يمتد إلى عامين وأكثر ويستهلك جهدًا ومالاً، كان يجب أن تخرج حلول أخرى لتغيير هذا الوضع. اليوم، يظهر جليل أن تقنيات البناء هي الحل الأنسب.
وتعدُّ تقنيات البناء عملية تحول في طريقة إعداد السكن، فبدلاً من عملية البناء في الموقع بما تستغرقه من وقت طويل، فإن مكونات المنزل من حوائط وأسقف وأرضيات وهياكل يتم إعدادها في مصانع بصورة مسبقة، ثم يتم نقل هذه المكونات لأرض البناء وتجميعها عن طريق خبراء وفنيين، ليخرج مسكن جاهز وحديث في وقت وجيز جدًا قد يكون يومين فقط.
ولاستخدام تقنيات البناء العديد من الفوائد، منها رفع مستوى كفاءة المبنى، وتطوير القدرة على التخطيط والإنتاجية بشكل أفضل، بالإضافة إلى خفض وقت التنفيذ وتقليل العيوب. كما تؤدي إلى تقليل المواد المستخدمة في الإنشاءات وبالتالي تقليل الهدر، وتحقيق كفاءة عالية في استخدام الموارد، وصديق للبيئة، وتقليل احتمالية وقوع الحوادث في موقع الإنشاء.
تقنيات البناء ليست شكلاً أو نمطًا واحدًا، وإنما تتنوع بين عدة أشكال، منها تقنية الوحدات الجاهزة، والتقنية اللوحية (الهيكلية)، والتقنية الهجينة، وتقنيات تنفذ في الموقع.
وكان من شأن السرعة الكبيرة في إنجاز العقارات التي كان طول الوقت يمثل عقبة وتحديًا أمام الحكومات وأصحاب المشاريع والمطورين والمهتمين بمجال التخطيط العمراني على حد سواء، حلاً مثاليًا لهذه الجهات؛ إذ يشكل عنصر الوقت عاملاً مهمًا ورئيسًا في سوق العقارات الذي يعدُّ من أهم القطاعات الاقتصادية في الدول. والآن، فإن سرعة الإنجاز أصبحت عاملاً مهمًا في خفض التكلفة وتغيير مفهوم السكن.
حاليا تقنية البناء ليست عبارة عن تصنيع مكون أو اثنين من مكونات المنزل، وإنما قد تكون وحدات جاهزة بالكامل وهي التطور الأخير لتقنية البناء، فبعد دخول تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D هذا المجال، أصبحت الوحدات الجاهزة هي العماد الرئيس لمستقبل البناء والتي يتحول العالم نحوها الآن.
وأتاح دخول تقنية 3D في مجال المنازل لطباعتها وتنفيذ التصميم المطلوب خلال يومين، تحولاً كبيرًا في شكل ومفهوم المسكن العصري. وكان من شأن هذا التحول أن يواكبه العديد من الدول والشركات على المستوى العالمي، وتعمل المملكة العربية السعودية اليوم لأن تكون رائدة فيه بعد سعيها لامتلاك أكبر طابعة ثلاثية الأبعاد للمنازل في العالم، وعملها الدؤوب على توطين صناعة التقنية في مجال البناء وتخصيصها دعمًا كبيرًا لهذا الغرض.
إن من شأن التحول الذكي في مجال العقار أن يحقق الكثير من التغيير للأجيال المقبلة، فالمسكن مفهومه يتغير بأفكاره وتصميماته واستخداماته أيضًا. فالآن يمكنك طلب منزلك وكأنه منتج آخر تستخدمه في حياتك عبر بوابة إلكترونية، وهذا المثال تطوره حاليًا السعودية، لتتيح لمواطنيها اختيار منازلهم عبر الإنترنت وتصميمها مع المتخصصين، بل والتعديل عليها واختيار التشطيبات ثم الدفع عند الاستلام في فترة وجيزة.
هذا التحول الكبير في مفهوم المنزل والسكن يمثل تحديًا كبيرًا أمام مجتمعات العالم، خاصة الدول ضخمة السكان، وهو ما يدفع الجميع لتبني هذه التقنيات لإيجاد حلول لهذه الشعوب تقليلاً للضغط الواقع على الحكومات جراء مشكلة السكن التي تتزايد بتزايد البشر.
الأبنية الجاهزة – الرياض
قدمت مبادرة تحفيز تقنية البناء قروضًا تمويلية للمستثمرين في القطاع الخاص، بالتعاون مع صندوق التنمية الصناعية السعودي؛ لتمكين وتوطين صناعات تقنية البناء في المملكة، وذلك بدعم من خطة تحفيز القطاع الخاص.
ووفق حساب المبادرة على “تويتر” فإن عدد طلبات التمويل التي تمت الموافقة عليها 17 طلبًا، وذلك لإنتاج 30 ألف وحدة سكنية، بقيمة تمويلية تتجاوز مليار ريال، في حين بلغ حجم الطلبات التي تحت الدراسة النهائية تسعة طلبات بقيمة تصل إلى 1.08 مليار ريال لإنتاج نحو 23 ألف وحدة سكنية.
تعمل “مبادرة تحفيز تقنية البناء” على تحفيز المستثمرين المحليين، والإقليميين، والدوليين لتوطين صناعة هذه التقنيات في المملكة العربية السعودية. كما تدعم المطورين العقاريين لجعلهم يتبنونها، بالإضافة إلى دعم مقاولي تقنية البناء وتطوير قدراتهم.
ويعدُّ الاستثمار في تقنية البناء عاملاً رئيسيًا في خطة المملكة لمعالجة الفجوة في السكن، في ظل ما توفره من وقت مستغرق للإنشاء وخفض لمستويات التكلفة ورفع لمعدلات الجودة.
وفي هذا الإطار، فإن المبادرة تقوم بتحفيز السوق المحلي، بتوطين واستقطاب المصانع الدولية المتخصصة في تقنية البناء، وتعمل على تأهيل المصانع الدولية وربطها بمستثمرين محليين.
وتوفر المبادرة المعلومات عن آلية دعم المستثمرين من خلال ورش العمل التي تدعمها وزارة الإسكان، والأدلة والبروشورات الخاصة بالمبادرة، بالإضافة إلى الموقع الإلكتروني للمبادرة.
وستبلغ الاستثمارات في مجال تقنية البناء في السعودية 150 مليون ريال سعودي بحلول 2020، وفي عام 2030 سيتم استثمار نحو 1.3 مليار ريال سعودي في هذا القطاع.
ويعدُّ تقديم الاستثمار في صورة منح في حاضنات المبادرة، واستثمارات الأسهم، ورأس مال مستثمر، وقروض، أحد أشكال دعم المستثمرين في المملكة.
وتدعم المبادرة الفرص الاستثمارية عن طريق منح مزود التقنية التمويل المباشر، وتوفير قروض مباشرة بشروط وأحكام تفضيلية وذلك من خلال أنواع متعددة من التمويلات. وتساعدهم في الربط بين الموردين والمقاولين ودعم الوصول إلى طلب المشاريع ضمن برامج الإسكان الحكومية. كما تدعم النشاط الاستثماري بتسهيل الحصول على التراخيص، والتأسيس، والوصول إلى الأراضي، والمباني، وسلسلة القيمة المحلية.
المبادرة تعمل على دعم التحول من البناء التقليدي إلى البناء الحديث، مع تحفيز الاستثمار في تقنيات البناء المتطورة، وضمان كفاءة الجودة مع خفض تكلفة البناء، بحيث يتم إنشاء وحدات سكنية ذكية بتكلفة معقولة !
تطوير تقنيات البناء يسهم في تقليص المدة الزمنية لتنفيذ مشاريع البناء مما يعجل في تلبية الطلب على الوحدات السكنية، كما أن تحفيز المستثمرين ودفع المقاولين العقاريين للأخذ بتقنيات البناء الحديثة يدعم أداء المصانع الوطنية ودورها في تعزيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص العمل !
ولأنني أؤمن بأن المستقبل قطار زمني لا يتوقف فإنني أنظر باهتمام إلى مراحل تطور تقنيات البناء عبر الزمن وكيف أسهمت بشكل مستمر في تقدم حياة الإنسان والتأثير في بناء الحضارات العمرانية، رغم كل ما قوبلت به هذه المراحل المتغيرة من شكوك وحذر وربما مقاومة، فالإنسان بطبيعته حذر من كل جديد، وعندما قيل إن بالإمكان اليوم بناء منزل كامل في يومين، لم يفاجئني ذلك فما كان يبنى من معالم عمرانية في حضارات سابقة خلال عقود من الزمن أصبح يبنى لاحقا خلال سنوات ثم أشهر، واليوم لم يعد السؤال هل يمكن بالفعل بناء وحدات سكنية وعمرانية بواسطة تقنيات بناء جديدة، بل في كيفية تطويع هذه التقنيات لتلبية حاجة الإنسان بأعلى معايير الجودة وضمانات الكفاءة بتكلفة معقولة !
ومبادرة تحفيز تقنيات البناء خطوة لربط أطراف العلاقة بشكل يسهم في توفير الحلول وإنتاج الأفكار وابتكار التنقيات مع تذليل العقبات التنظيمية والتمويلية والتسويقية، وبرأيي أن هذه المبادرة عند اكتمال دورها ستكون حجر الزاوية في مستقبل القطاع السكني والتطوير العقاري، فرحلات الإنسان نحو الغد تختصر مسافاتها المبادرات الجريئة والأفكار الخلاقة والتجارب الجديدة!
الأبنية الجاهزة – الرياض
تتشارك “مبادرة تحفيز تقنية البناء”، مع صندوق التنمية الصناعية السعودي لتوسيع خطوط الإنتاج في المصانع المحلية التي تنتج تقنيات البناء، وذلك بما يسمح بتعزيز منظومة العرض والطلب من هذه المباني.
وفي حسابها على «تويتر» ردت المبادرة على المتابعين: إنها تعمل على توفير حلول مالية بدعم من خطة تحفيز القطاع الخاص لتمكين المستثمرين المحليين والعالميين لرفع الطاقة الإنتاجية المحلية، وتوطين صناعة تقنية البناء في المملكة. ووفق الرد: «نوفر مع شريكنا الإستراتيجي صندوق التنمية الصناعية السعودي، قروضًا تسهم في توسيع خطوط الإنتاج الحالية وإنشاء خطوط جديدة للمصانع، كما نعمل على توفير حلول وقنوات تواصل تعزز من منظومة العرض والطلب لتلبية الاحتياجات المحلية». وفي سؤال لأحد المتابعين حول توفر هذه التقنيات للأفراد، قالت المبادرة: «نركز حاليًا على المقاولين ومزودي التقنية وغيرهم من منظومة العرض، على أن يتم توفير التقنية لاحقًا للأفراد».
الأبنية الجاهزة – واس
تشارك المملكة في أسبوع سنغافورة الدولي للبناء من خلال وزارة الإسكان الجهة المعنية بتنسيق جهود مشاركة المملكة في هذا الحدث العالمي، بمشاركة عدد من الجهات الحكومية (وزارة الشؤون البلدية والقروية، الهيئة العامة للاستثمار، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، أرامكو، سابك – موطن الابتكار، شركة تعدين العربية، معادن، ووفد من اللجنة الوطنية العقارية المستثمرين والمطورين العقاريين).
وتبدأ غدا (الأربعاء) فعاليات “أسبوع البناء العالمي للبيئة” (IBEW) في سنغافورة وتستمر حتى الجمعة المقبل وذلك تحت عنوان (تحويل الطريقة التي نبني بها)، ويرأس وفد المملكة العربية السعودية في فعاليات المؤتمر صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر، مستشار وزير الإسكان والمشرف العام على وكالة الوزارة للدعم السكني والفروع والتعاون الدولي، وبمشاركة مبادرة “تحفيز تقنية البناء”.
ويقدم المؤتمر فرصة للمشاركين لعرض مبادراتهم ومشاريعهم في تقنية البناء الحديث والتعرف على تقنيات البناء المدعومة والمعتمدة التي تعدُّ فرصة لربط المبتكرين ومراكز الابتكار العالمية، وجذب المستثمرين الراغبين بالاستثمار في مجال تقنية البناء للمشروعات والمبادرات الجديدة والجادة.
ويعدُّ “أسبوع البناء العالمي للبيئة” (IBEW) في سنغافورة حدثًا رئيسيًا جديدًا في المنطقة لقادة الصناعة والمهنيين المشهورين من صناعة البيئة العمرانية العالمية لتبادل الأفكار والخبرات حول السياسات وحلول الأعمال والتقنيات، وكذلك استكشاف الفرص التجارية، وينظم بالاشتراك مع هيئة البناء والتشييد (BCA) وReed Exhibitions Singapore، وبدعم من 12 جمعية تجارية وغرفة.
وكان سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية سنغافورة سعد بن صالح الصالح قد استقبل رئيس الوفد السعودي والوفد المرافق له.
أقل وصف لما يحدث في قطاع البناء في المملكة والعالم حاليًا إنه (يتحول) بالفعل، إذ إن الممارسات السابقة، وطرق البناء التقليدية، ومدخلات العملية برمتها إلى التحول.
العالم يدلف كل يوم إلى تقنية جديدة تضع حلم الحصول على المسكن أقرب، وتساهم في تحويل رحلة البناء إلى صناعة مستدامة.
وحسنًا فعلت “مبادرة تحفيز تقنية البناء” وهي إحدى مبادرات تحفيز القطاع الخاص برفع شعار (البناء يتحول) إذ إنها تعكس واقع الحال، وترسم مسارًا جديدًا لرحلة البناء بحيث تكون صناعة متطورة، تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي، وإيجاد قطاعات منتجة، والمساهمة في خلق مزيد من فرص العمل لتحقيق رؤية المملكة 2030.
لقد مضى وقت طويل جدًا نستخدم خلاله الحلول التقليدية في عمليات البناء، ولعقود كان الهدر علامة بارزة في كافة الموارد المستخدمة، وبالطبع لا نتحدث عن فرص العمل الضائعة، ولا الجودة المفقودة، ولا التشتت المسيطر على القطاع.
التحكم في مسار رحلة البناء، ووضعها على الطريق الصحيح، بات هدفًا متاحًا، يؤدي إلى تحقيق الأهداف التنموية الاستراتيجية، على صعيد قضية السكن، وتوفير فرص العمل، وتوطين التقنيات، وتعزيز المحتوى المحلي. لقد جاء اليوم الذي تحول فيه التحديات الكبرى إلى فرص ذهبية، تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وتحقق أهدافه.
أخيرًا، من الأمور التي تدعوا للتفاؤل أن تكون هناك جهة حكومية متخصصة منوطة بتحفيز صناعة تقنية البناء، على صعيد المستثمرين المحليين والإقليميين والدوليين بهدف توطين هذه الصناعة، وهو ما كنا نفتقده في السابق، لذا كانت الخطوات في هذا الاتجاه ارتجالية، بالإضافة ما توفره المبادرة من دعم مقاولي التقنية لتطوير وتنمية قدراتهم، ودعم المطورين العقاريين وتحفيزهم لاعتماد تقنية البناء في سبيل توفير أفضل الحلول السكنية للمواطن السعودي، وهو الأمل الذي يحدونا جميعا.
المصدر: الرياض بوست
التصنيع بكميات كبيرة يمكن أن يجعل بناء الشقق أرخص وأسرع
إيريكا بارنيت
هل مستقبل البناء في المصنع بدلاً من الموقع؟
هذا ما يراهن عليه عدد من الشركات المزودة لتقنيات البناء في شمال غرب المحيط الهادئ. فالبناء مكلف جدًا، والأيدي العاملة نادرة، وقيمة الإيجارات ارتفعت. ويقول بعض مزودي التقنية، مثل: شركة “بلوكابل” Blokable، و”كاتيرا” Katerra، و”ونبلد” OneBuild، إنه بنقل جزء كبير من عملية البناء من الموقع إلى المصنع، يمكن تخفيض تكلفة بناء المباني السكنية بأكثر من النصف، أيضًا يمكن الانتهاء من المشاريع في وقت يصل إلى النصف. وبالتالي، فإذا ثبتت صحة هذا، فإن هذه الشركات وغيرها من مزودي التقنية يمكن أن تؤثر على قطاع الإسكان.
إن التكاليف الباهظة لعملية البناء، تمثل أكبر محدد يؤثر في عملية تسعير المنازل أو استئجار منزل جديد. فإذا استطاعت الوحدات المصنعة خفض تكاليف الإنشاءات، سيتمكن المقاولون من بناء المزيد من المنازل، مما يمكن من حد ارتفاع الإيجارات في المدن التي تواجه نقصًا في المساكن. كما أن خفض التكاليف العالية يؤدي إلى زيادة الأموال العامة، ما يسهم في توفير المزيد من المساكن الميسرة للأسر ذات الدخل المنخفض. وبالتالي يمكن لتقنيات البناء أن تغيِّر مفهوم الحصول على المسكن.
إن بناء وحدات جديدة يبدو عملية صعبة، حيث تعدُّ المنازل المتنقلة، التي ترتبط بشدة بالوحدات المصنعة، شكلاً شائعًا من الإسكان غير المكلف لعقود من الزمان، وأصبحت الوحدات التي تكفي لأسرة واحدة بمثابة خيارٍ رخيصٍ بشكل نسبي للذين يملكون منازل للمرة الأولى وليسوا في حاجة إلى مساحات كبيرة. لكن الجديد هنا هو: فكرة أن أساليب البناء الحديثة ستحدث ثورة في قطاع التشييد والإنشاءات برمَّته. وقد يكون هذا أمرًا صحيحًا بالنسبة للشقق – التي لم تشهد زيادة ملحوظة في إنشائها منذ عام 1945 وفقًا لمعهد ماكينزي العالمي – مما يؤدي بدوره إلى خفض تكلفة السكن في هذه العملية.
لفهم أسباب ارتفاع تكاليف المشاريع الإسكانية لا بدَّ من فهم كيف يتم بناؤها. فالمطور هو من يدير عملية البناء برمَّته، فهو الشخص الذي يقوم بتوقيع العقود، ويؤمِّن الأموال من البنوك أو المستثمرين أو الحكومات أو الوكالات الخيرية للسكن المدعوم، ويعمل على توظيف المهنيين لتصميم المشروع وبنائه. فعادة ما يقوم المطور بتحديد المقاول العام، الذي يقوم بدوره بتعيين مقاولين من الباطن، يقومون – هم أيضًا – في كثير من الأحيان بالتعاقد مع مقاولين آخرين من الباطن، وهكذا. وفي نهاية المطاف، فإن المقاول في ذيل تلك القائمة هو الذي يتولى مهمة تنفيذ العمل. كل مقاول في سلسلة البناء هذه يتحمل جزءًا من المخاطر ويلعب دورًا في رفع التكلفة.
وفي الوقت نفسه، فإن تكاليف الأيدي العاملة في البناء ترتفع بشكل كبير، وتزيد في الارتفاع في المناطق التي تعيش مدنها انتعاشًا اقتصاديًا. ووفقًا لتحليل حديث لتكاليف المشاريع السكنية، فقد أدى “النقص الحاد في كلٍّ من العمالة الماهرة وغير الماهرة في سوق البناء إلى ارتفاع التكاليف بشكل أكبر”.
إن هذا النقص من شأنه أن يرفع أجور البناء وتكلفة السكن. علاوة على ذلك، لا يمكن للعديد من عمال البناء تحمل تكاليف العيش في المدن الباهظة المعيشة التي تحتاج إلى المزيد من الإسكان، مما يخلق حلقة مفرغة من الارتفاعات التي تطرأ على الإيجارات التي تتفاقم أسعارها بسبب نقص الأيدي العاملة المحلية لبناء المنازل.
إن أساليب البناء الحديثة تقلل من تعدد مستويات المقاولين الذين يعملون من الباطن، مما يضع معظم أو كل عمليات البناء تحت سيطرة شركة واحدة تبذل كل ما في وسعها لتجعل عملية بناء المنازل أشبه بمصنع ملابس أوتوماتيكي، وأقل من ذلك أشبه بمتجر للخياطة، حيث يتم تصنيع كل قطعة ملابس حسب المواصفات المخصصة.
وتقوم بعض الشركات المزودة لتقنيات البناء بإعداد مكونات مسبقة الصنع للأبنية، حيث يمكن تجميعها سريعًا في مواقع البناء. كما تقوم شركات أخرى، بإعداد شقق مصنعة بأكملها، لا تحتاج إلا لتثبيتها في مكانها. إلا أن هذه الشركات جميعها لديها نفس المهمة التي تتمثل في تجنب الوسطاء والقضاء على العمليات التي تجعل السكن التقليدي باهظ التكلفة، حيث يقول العاملون في مجال صناعة الوحدات المصنعة إن بإمكانهم بناء مساكن بتكلفة محدودة وفي وقت أقل.
وفي سوق العقارات السكنية بأي مدينة، نجد أن بناة المنازل يتوقفون عن البناء عندما يصبح حجم المعروض من المباني أعلى من الطلب مما يخفض تكاليف الإيجار لمستويات غير ربحية. لكن عندما تكون هناك إمكانية لخفض التكاليف من خلال تقنيات البناء الحديثة، فمن المتوقع في تلك الحالة أن تحدث نقطة تحول في سوق الإيجارات؛ لتتمثل النتيجة في بناء المزيد من المنازل الجديدة، فضلاً عن انخفاض في مستوى الإيجارات. فإذا كان بمقدور تقنيات البناء المساهمة في خفض التكاليف، فإنها يمكن أن تقلل جزءًا كبيرًا من أسعار الإيجارات.
والحال نفسه ينطبق على إنتاج السكن التنموي، الذي يواجه تهديدًا مستمرًا بسبب الاحتياج الدائم للتمويل الحكومي. وبالتالي، يمكن أن يؤدي التخفيض الكبير في تكاليف البناء إلى تمكين المطورين غير الهادفين للربح من دفع المشروعات إلى الأمام بدعمٍ أقل من القطاع العام.
هل تستطيع تقنيات البناء تحقيق كل هذا؟
يتمثل هدف تقنيات البناء في تخفيض تكاليف البناء إلى النصف، وهو ما سيكون بمثابة تغيير في إمكانية تحمل تكاليف الإسكان في المدن. ذلك أن تسريع بناء المنازل من شأنه أن يؤدي إلى خفض كبير في الإيجارات والأسعار، مما يعود بالنفع على جميع السكان الذين يشترون أو يؤجرون منازل بأسعار السوق. وسيكون ذلك بمثابة دفعة قوية لمطوري مشاريع السكن الميسر غير الهادفين للربح أيضًا؛ لأنهم سيستطيعون الحصول على الدعم المالي الحكومي لإنشاء المزيد من المنازل المدعومة للأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على ما يوفره السوق.
أخيرًا، إن نقل معظم عمليات تصنيع المساكن إلى مواقع المصانع البعيدة خارج المدن الباهظة التكلفة، يمكن أن يسهم في انتقال الأيدي العاملة للعيش خارج المدن بتكلفة أقل ويحل المشكلة الشائكة المتمثلة في عدم قدرة عمال البناء على تحمل تكاليف العيش في أماكن عملهم، وهو ما يحدُّ من توافر الأيدي العاملة ويسهم في رفع تكاليف البناء، وهذا بدوره يجعل هذه المدن أكثر تكلفة على العمال للعيش بها، فبانتقالهم للعيش بقرب مصانع البناء ستقل تكلفة العيش عليهم.
* مادة مترجمة
الأبنية الجاهزة – الرياض
نشر “مركز سمت للدراسات” ورقة بحثية تضمنت الفوائد العظمى لتقنية البناء الحديثة المعتمدة على تصنيع الوحدات داخل المصانع بعيدًا عن مواقع البناء، ثم نقلها وتركيبها في مكانها المحدد، وهي إحدى الوسائل التي تحل الكثير من المشاكل والمعضلات التي تواجه أساليب البناء التقليدية في معظم دول العالم التي تعاني من أزمة تملك المساكن أو من الانفجار السكاني أو من مشاكل توفير الأيدي العاملة.وتستعرض الورقة التي حملت عنوان (تقنيات البناء: مفهوم غيَّر اللعبة في الحصول على المسكن) الصعوبات التي تواجه أعمال البناء بالأساليب التقليدية، مدعومة بآراء بعض مزودي التقنية، مثل: شركة “بلوكابل”، و”كاتيرا”، و”ونبلد”. وأشارت إلى أن نقل جزء كبير من عملية البناء من الموقع إلى المصنع، يخفض تكلفة المباني بأكثر من النصف، وأيضًا يساعد على الانتهاء من المشاريع في وقت يصل إلى النصف.وتؤكد الورقة أن تكلفة البناء الباهظة تمثل أكبر محدد لتسعير المنازل أو استئجار المنزل الجديد. فإذا استطاعت الوحدات المُصنعة خفض تكاليف الإنشاءات، فسيتمكن المقاولون من بناء المزيد من المنازل، مما يحد من ارتفاع الإيجارات في المدن التي تواجه نقصًا في المساكن، كما أن خفض التكاليف العالية يؤدي إلى زيادة الأموال العامة، ما يساهم في توفير مساكن ميسرة للأسر ذات الدخل المنخفض.وبيَّنت أن تعدد المقاولين أحد أسباب ارتفاع تكلفة البناء، فالمطور يختار المقاول العام، الذي يقوم بدوره بالتعاقد مع مقاولين من الباطن، يقومون – هم أيضًا – في كثير من الأحيان بالتعاقد مع مقاولين آخرين من الباطن، وكل مقاول في سلسلة البناء يلعب دورًا في رفع التكلفة، بالإضافة إلى قلة الأيدي العاملة في هذا المجال وارتفاع أجورهم لبعدهم عن محل إقامتهم.وأوضحت أن نقل معظم عمليات تصنيع المساكن إلى مواقع المصانع خارج المدن باهظة التكلفة، يساعد على انتقال الأيدي العاملة للعيش خارج المدن بتكلفة أقل ويحل المشكلة الشائكة المتمثلة في عدم قدرة عمال البناء على تحمل تكاليف العيش في أماكن عملهم، فبانتقالهم للعيش بقرب مصانع البناء سيتوفر لهم الكثير من النفقات.وتجدر الإشارة إلى أن “مركز سمت للدراسات” مركز مستقل يُعنى بدراسة المستجدات والتطورات والأحداث في المنطقة، ويأتي كثمرة خبرة ممتدة لعدد من الباحثين والمستشارين في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والفكرية والعلاقات الدولية.