تقنيات البناء
حبيب الشمري
تقنيات البناء تأتي بمستقبل جديد لقطاع التشييد في العالم، فهي ببساطة تحول في بناء المساكن من طرق الجيل الأول وأساليبه، إلى استخدام الجيل الرابع الذي يقوم على التقنية وأساليب العصر الحديث.
وإذا كان مجال تقنية البناء يحمل تغييرًا منشودًا لحل مشكلة السكن والبناء، ويجعلها أكثر سهولة وأعلى جودة، فإنه أيضًا يأتي محملاً بكوادر بشرية متميزة ولديها خبرة للتعامل مع هذه التقنيات وإدارتها.
وفي المملكة العربية السعودية التي تعمل لتكون من الدول الرائدة في الشرق الأوسط في استخدام هذه التقنيات، تبرز كوادر متعددة في تقنيات البناء، بدءًا من الموظفين الذين يعملون على انتشار هذه التقنيات ودفع المهتمين لتبنيها، حتى الفنيين والمهندسين العاملين بها.
رأس المال البشري هو العنصر الأهم في أي صناعة، وتنميته والحفاظ عليه واجب ومسؤولية كبيرة. لذلك، فإن قطاع التشييد في المملكة يأخذ على عاتقه هذه الفترة تنمية هذه الثروة وتدريبها وإعداد كوادر متميزة في المملكة في جميع التخصصات والأفرع، لجعل أساليب البناء الحديثة مجالاً سعوديًا خالصًا، يدار بكفاءة واقتدار من قبل المواطن السعودي الراغب في تنمية بلده.
وكان من شأن النمو الكبير والتحديث الذي يطرأ على مجال العقارات، أن يدفع لتطوير العنصر البشري، ليكون قادرًا على التعامل معه وتنفيذه وتحقيق التغيير المنشود.
في السعودية حاليًا يتوجه القطاع لتبني أساليب البناء الحديثة لتحل محل البناء التقليدي، الذي كان عليه أن يستجيب لهذه الثورة ويتطور ذاتيًا أو بدافع من الخارج ليواكب التغيير الحادث ويلاحقه. فلم يعد المنزل التقليدي الذي سيطر على الواقع عشرات السنين والمكون من الطوب والإسمنت والخرسانة المسلحة، هو الذي يلبي الطموح وهو الحل الأمثل في هذا العصر لإشكالية السكن. فالانتظار الذي كان قد يمتد عامين وأكثر لبناء مسكن جديد ويستهلك جهدًا ومالاً، أدى إلى أن تخرج حلول أخرى لتغيير هذا الوضع؛ ومن هنا، فإن تقنيات البناء كانت الحل الأنسب.
وعلى ذلك، فإنه يمكن القول إن الاستثمار في رأس المال البشري هو أحد أهم المحاور التي تستهدف هذا التحول. ويأتي التدريب في المقام الأول، الذي يجري من خلال الورش والمحاكاة الطبيعية لعمليات البناء وفقًا للتقنيات، ويستهدف تهيئة الكوادر الفنية والمتخصصين لفهم تقنية البناء وأهدافها والعمل على تغيير الصورة الذهنية بما يجعل هذه التقنية تنتشر وتكون أسلوبًا حديثًا للبناء في المجتمع؛ وهو ما سيعزز من الوصول لأهدافها وينمو بهذا القطاع الواعد الذي سيغير شكل البناء في السعودية والمنطقة.
أساليب البناء الحديثة لها العديد من الفوائد، منها: رفع مستوى كفاءة المبنى، وتطوير القدرة على التخطيط والإنتاجية بطريقة أفضل، بالإضافة إلى خفض وقت التنفيذ وتقليل العيوب، وتقليل المواد المستخدمة في الإنشاءات، وبالتالي تقليل الهدر، وتحقيق كفاءة عالية في استخدام الموارد وأنها صديقة للبيئة، وتقليل احتمالية حدوث الحوادث في موقع الإنشاء. ويستهدف في هذه المرحلة توفير نحو 7 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة ضمن قطاع التشييد، بالإضافة إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للمصانع، والمساهمة في زيادة سرعة التنفيذ لرفع قدرة البناء السنوية بحيث تنخفض المدة الزمنية اللازمة لتسليم الوحدة السكنية إلى أقل من 90 يومًا.
وأخيرًا.. إذا تمكن القطاع من إعداد كوادر قوية ومتميزة في قطاع البناء، فإنه يمكننا القول إن المملكة باتت قادرة على ريادة المجال وتصدره. فهذه الكوادر هي القادرة على العمل والابتكار والإنتاج والتصدير، بما يحقق أهداف ورؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تضع المواطن السعودي في قلبها؛ إذ عندما يكون قويًا وقادرًا على العطاء، فإن هذه الرؤية تكون قد حققت نتائجها. وهذا ما نراه حاليًا في قطاع الإسكان الذي بات من الأكثر القطاعات تطورًا ليس في الشرق الأوسط فقط، وإنما في العالم بأسره.
المصدر:صحيفة مال الاقتصادية
الأبنية الجاهزة – الرياض
وافقت وزارة الإسكان على تمويل 20 مصنعا لتقنيات البناء الحديثة، وذلك مع انطلاق مشاريع الإسكان بالشراكة مع القطاع الخاص على نطاق واسع.
ويتجاوز حجم التمويل 1.3 مليار ريال، ويأتي ذلك في ظل المبادرات الحكومية لتحفيز توطين هذه التقنيات. ويهدف التمويل إلى تسريع الإنجاز ورفع مستوى الاعتمادية والجودة في الدولة.
ودخلت العديد من تقنيات البناء الحديثة السوق السعودية، من أبرزها، تقنية الجدران والأسقف المسبقة الصنع، وتقنية القوالب الكاملة، والتي تساهم في صب الجدران والأسقف مرة واحدة، وتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد.
ويتطلب توطين التقنيات الحديثة فرض معايير عالية، وتطويرا على مستوى كود البناء السعودي. ويساعد توطين تلك التقنيات في الربط بين الموردين والمقاولين ودعم الوصول إلى طلب المشاريع ضمن برامج الإسكان الحكومية.
الأبنية الجاهزة – الرياض
تقنية البناء ليست مجرد نقل لتكنولوجيا حديثة، وإنما هي طريقة بناء حديثة بغرض تحويل معظم الجهد المبذول في عملية الإنشاء من موقع البناء إلى الإعداد الخاضع للإشراف في منشأة التصنيع، كما أنها عبارة عن مجموعة من التطبيقات أو العمليات، بحيث يجري تصنيع وتجميع معظم مكونات المبنى الرئيسة أو كلها في موقع منفصل عن موقع البناء، ومن ثَمَّ التركيب والتثبيت في الموقع.
المملكة العربية السعودية الآن أصبحت رائدة في هذه التقنية على المستوى الإقليمي. ومن شأن توطين هذه الصناعة أن يؤدي إلى تغيير كبير وشامل في مفهوم السكن بما يجعله متاحًا للمواطن حسب إمكانياته، وسيمثل فرصة كبيرة للنمو والتطوير العقاري تجعل المملكة ركنًا مهمًا فيه، خاصة أنها تعمل بكل جدية لتوطين الصناعة لتكون مركزًا له في الشرق الأوسط، وهو ما سيمثل نهضة كبيرة للاقتصاد السعودي ودافعًا لإحداث تغيير في عالم العقار وتوفير الوظائف.
تغيير شكل البناء في المملكة العربية السعودية وتوفير المسكن الملائم بهيئة عصرية وسعر مناسب، يعدُّان سمة الفترة الأخيرة، وهو ما يحفِّز المستثمرين المحليين والإقليميين، ويدعم المطورين العقاريين لجعلهم يتبنونه، بالإضافة إلى دعم مقاولي تقنية البناء وتطوير قدراتهم. إذ أصبح الاستثمار في تقنية البناء عاملاً رئيسًا في خطة المملكة لمعالجة الفجوة في السكن، في ظل ما توفره من وقت مستغرق للإنشاء، وخفض لمستويات التكلفة، ورفع لمعدلات الجودة.
وتوفر تقنيات البناء القدرة على استخدام قنوات جديدة وحديثة لإنجاز الأعمال وتيسيره، وفي سبيل ذلك فإن القائمين على هذه التقنية عملوا على تطويعها لتسهيل عملية الربط بين أطراف عملية البناء من المطورين والمقاولين والمستفيدين وإيصال بعضهم ببعض. وباتت التجارة الإلكترونية جزءًا من مجال تقنية البناء مثله مثل غيره من السلع والمنتجات. هذا الأمر من شأنه أن يعطي دفعة قوية لسوق الإنشاءات والعقارات ويغير خارطة الإنتاج.
كما أن فوائد تقنية البناء متعددة، وأهمها: رفع مستوى كفاءة المبنى وتطوير القدرة على التخطيط والإنتاجية بطريقة أفضل، بالإضافة إلى خفض وقت التنفيذ وتقليل العيوب، وضبط كميات المواد المستخدمة في الإنشاءات ومن ثَمَّ تقليل الهدر، والكفاءة العالية في استخدام الموارد، وكون التقنية صديقة للبيئة، وتقليل احتمالية وقوع الحوادث في موقع الإنشاء.
وهي بذلك تمنح المطور العامل بها فوائد كثيرة، فهي تختصر الوقت اللازم للإنشاء بنسبة كبيرة جدًا عمَّا إذا كان هذا البناء يجري بالطريقة التقليدية التي تستلزم تجهيز المواد في الموقع وما يصاحبها من جهد كبير وعمل شاق ووقت لازم لإتمام العملية وانتظار الجفاف وغيرها.
هذه القدرة على الإنجاز بواسطة أجزاء جاهزة جرى إعدادها في المصنع وتجميعها وتركيبها في موقع البناء، وفرت الجهد الكبير على المطور وسمحت له بأفضلية أكبر في معرفة منتجه ومكونات تجهيزه، بالإضافة إلى أن هذه المكونات ستظل سلعة يمكن استخدامها في هذا الموقع أو ذاك. لذا، فإن النظرة لفكرة البناء ككل تغيرت بصورة كبيرة.
ومن نماذج رقمنة عالم تقنيات البناء وتغيير شكل السوق من النمط التقليدي إلى النمط الرقمي، إيجاد تطبيقات أو منصات إلكترونية تحقق للمستفيد القدرة على طلب منزله عبر هاتفه وتحديد مواصفاته، وأيضًا توفير الفرص للمستثمرين والمطورين والمقاولين دون الحاجة لانتظار الطرق التقليدية في الأخبار.
ومن أمثلة هذه التقنية في المملكة “منصة رحلة التملك”، التي تشجِّع المستخدمين النهائيين على الوصول إلى الموقع الإلكتروني للمنصة، وهي منصة رقمية تسمح للمواطن ببناء منزله بدءًا من اختيار التصميم المناسب وانتهاء بتسليم المنزل (تسليم المفتاح)، لبدء رحلتهم، على أن تكون كل المعلومات المتعلقة بكيفية التنقل واستخدام الموقع متاحة للمستخدمين النهائيين المسجلين، وتُضمَّن الرسوم الخاصة بها في السعر النهائي للمنزل.
ويمكن للمواطن اختيار المخطط التصميمي المناسب لأرضه، من خلال المنصة، بالإضافة إلى إمكانية اختيار التشطيبات لمنزل أحلامه. كما يمكنه أيضًا تعديل التصميم الذي استقر عليه باختيار نماذج ومواد تشطيب نهائية من القائمة المتاحة على البرنامج، وذلك على الرغم من اختياره من قبل مع المصمم.
وسيكون لكل فيلا مبنية من خلال “منصة رحلة التملك” ضمانات لأعمال البناء، وكذلك المواد الأساسية المستخدمة. وينصح بالرجوع إلى قسم “الضمان” بشأن كل تصميم.
وتوفر المنصة تجربة فريدة من نوعها للمستفيدين لبناء منازلهم عن طريق تسهيل مهمة البناء من خلال منصة إلكترونية تقلل فترة التنفيذ وترفع جودة البناء بأسعار منافسة.
ويمكن تلخيص المراحل والخطوات الرئيسة للتعامل مع المنصة في توثيق معلومات الأرض والمستندات ذات العلاقة، واختيار التصميم المفضل للمستفيد وباقة التشطيب المناسبة، وإنجاز إجراءات التمويل عن طريق المستشار العقاري والتوقيع على العقود، ومن ثَمَّ البدء بأعمال البناء ومتابعتها من خلال المنصة حتى التسليم النهائي للوحدة السكنية.
م. سلطان الحربي
عندما أطلقت وزارة الإسكان“ مبادرة تحفيز تقنية البناء“، لم تكن نظرتها لصناعة البناء تقتصر على الوحدات السكنية المتنوعة التي يجري بناؤها من خلال المطورين والمقاولين الذين يعملون تحت مظلة الوزارة وفي حدودمشاريعها الكبرى بمختلف مناطق المملكة فقط، بل كان الهدف هو نظرةشمولية ومستقبلية لترسيخ ثقافة الجودة في صناعة البناء لدى أفراد المجتمع والخروج من النمط التقليدي السائد في بناء المسكن السعودي.
ولا تكتمل منظومة هذا الفكر الطموح إلا بتكامل العناصر المساعدة في نجاحها ، وأهم هذه العناصر هو المكتب الهندسي، حيث إنه حلقة الوصل بين الراغبين في بناء المساكن وبين سوق صناعة البناء. وهنا يبرز الدورالأساسي للمكتب في تثقيف المجتمع بالوسائل المختلفة للبناء، وكلما كان الطاقم الهندسي في المكاتب لديه اطلاع ومعرفة بهذه التقنيات، كانت لديه القدرة على التعامل باحترافية معها من حيث التصميم المعماري والإنشائي، ومعرفة إيجاد الحلول المتنوعة في تقنيات البناء، واختيار المواد المناسبة للحصول على منتج سكني يلبي رغبات مختلف شرائح المجتمع،
وأيضا تتوافق مع التصاميم التي يقدمها كل مكتب على حدة. وهذا يتطلب مزيدًا من الجهد لدى الطاقم الهندسي في المكاتب بحيث يكون لديهم المعلومات الكافية عن مختلف تقنيات البناء بداية من معرفة مطابقتها لكود البناء السعودي، وكذلك طرق تصميم الأجزاء المختلفة كالحوائط الداخلية والخارجية والأسقف لكل تقنية، وأيضًا معرفة مدى قدرة هذه المنتجات على التوفير في الطاقة للمسكن .
ولا نغفل عن دور المكتب في التمكن من عملية الإشراف على هذاالنوع من البناء بتقنيات البناء المختلفة مما يؤدي إلى التغيير التدريجي فيمهارات مقاولي المباني السكنية وإمكانياتهم للتكيف مع هذه التقنيات وإيجاد المنافسة في إنجاز المشاريع ذات الجودة العالية والزمن القياسي للتنفيذ.
وختاماً نؤكد أن هذا التحول الكبير في التوجه العام لوزارة الاسكان نحو تسخير جميع الإمكانات لتسهيل عملية الحصول على المنتجات السكنية،يتطلب من المكاتب الهندسية عدم التقوقع على النمطية السائدة في طرق البناء، بل المساهمة الفعالة في تغيير ثقافة صناعة المسكن السعودي والاستفادة القصوى من مبادرة الوزارة في تحفيز تقنيات البناء.
الأبنية الجاهزة – الرياض
تجاوز عدد الوحدات السكنية المعتمدة على تقنية البناء 54 ألف وحدة في مشاريع الإسكان حول المملكة. وقالت “مبادرة تحفيز تقنية البناء” في ردها على متابعيها على موقع “تويتر”، إن الاعتماد على التقنية يأتي لتمكين المواطنين من الحصول على السكن الملائم في وقت أسرع وبجودة أعلى.
وقالت إنه جرى تنفيذ التجربة الأولى لبناء أول منزل في الشرق الأوسط باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في مدينة الرياض، ضمن إطار الجهود المبذولة لتبني تقنيات الجيل الرابع في المملكة، التي لا تزال قيد البحث والتجربة والتطوير حول العالم. وبهدف المشاركة في توجيه توطين هذه الصناعة المستقبلية الواعدة؛ سيُعلن لاحقًا عن التجارب المماثلة في هذا المسار.
الأبنية الجاهزة – الرياض
قال المخطط الحضري والإقليمي أيمن الشيخ، إن المعماري السعودي ما زال بعيدًا عن الاهتمام بتقنيات البناء، وما تحقق فيها من تطور في مجال التشييد وعلى نحو مثير للغرابة. مضيفًا في مقال له أن هذا الدور لا يتطلب سوى المزيد من التعمق والقراءة والمعرفة في المجال، والوقوف فعليًّا على قدرات هذه التقنيات وإمكانياتها والمعدات والأجهزة المستخدمة فيها من خلال النظر بعين المتخصص إلى كيفية تحسينها من زاوية معمارية.
الشيخ أكد أن “مبادرة تحفيز تقنية البناء” هي المعنية بتفعيل استخدام تقنيات البناء في المملكة باعتبارها إحدى مبادرات برامج “رؤية المملكة 2030″، التي سهلت التعاطي مع هذه التقنيات. ويجب على المعماري السعي نحو الاستفادة من الفرص المتاحة وفتح آفاق رحبة له لتلبية الحاجة الماسة نحو عنصري الجمالية والوظيفية في المباني التي تستخدم تقنيات البناء.
ويشير المهندس أيمن الشيخ إلى أن تقنيات البناء الحديثة تسهم في رفع مستوى الجودة وتقليص التكاليف وسرعة الإنجاز مع أقل نسبة من الأخطاء البشرية. ولكن يظل هناك هاجس لدى مالكي الوحدات المنشأة بهذه التقنية وهو التجربة الحديثة لهم، ومدى ارتياحهم مع هذه التقنيات، وما الصعوبات التي من الممكن أن تواجههم، ومدى تحقق الجمالية والوظيفية للمباني على حد سواء، خاصة إذا ما علمنا أن التجارب الأولى للمباني التي تستخدم تقنيات البناء، كانت تتعامل مع العنصر الجمالي في تصاميم المساكن بطريقة هامشية على نحو غريب. كما أن المباني الأولية لتقنيات البناء اتسمت بضعف المرونة نحو قابلية التحسين والتطوير والتوسعات المستقبلية.
وهذا ما يلزم المعماري والمصمم أن يتدخلا لرفع مستوى التصميم للوحدات البنائية، ويسهم في معالجة الأخطاء السابقة التي دفعت لعدم الاستفادة من تقنيات البناء خلال كل تلك السنوات.
م. أيمن الشيخ
من المتفق عليه أن تقنيات البناء الحديثة تسهم في رفع مستوى الجودة وتقليص التكاليف وسرعة الإنجاز مع أقل نسبة من الأخطاء البشرية. ولكن الهاجس الذي يصاحب مالكي المساكن المنشأة بطريقة مختلفة عمَّا اعتادوه، هو التجربة الحديثة لهم، ومدى ارتياحهم مع هذه التقنيات، وما الصعوبات التي من الممكن أن تواجههم، ومدى تحقق الجمالية والوظيفية للمباني على حد سواء، خاصة إذا ما علمنا أن التجارب الأولى للمباني التي تستخدم تقنيات البناء، كانت تتعامل مع العنصر الجمالي في تصاميم المساكن بطريقة هامشية على نحو غريب،
وأيضًا اتسمت المباني الأولية لتقنيات البناء بضعف المرونة نحو قابلية التحسين والتطوير والتوسعات المستقبلية. ولكن اليوم، ومع تطور تقنيات البناء، وتعدد أنواعها واستخدام أكثر من تقنية إنشائية في آنٍ معًا، ولتحسين الانطباع العام عن تقنيات البناء لدى العامة؛ أصبح لزامًا أن يتدخل المعماري والمصمم لرفع مستوى التصميم للوحدات البنائية، ويسهم في معالجة الأخطاء السابقة التي دفعت لعدم الاستفادة من تقنيات البناء خلال كل تلك السنوات.
يعتبر المعماري الغائب الأكثر حاجة في مجال تقنيات البناء،
وهو الذي لو تعرَّف عن قرب على تقنيات البناء وأنواعها وأبرز تحدياتها المعمارية، مع الخلفية المهنية الكافية والإبداع المعماري اللازم؛ لأصبح قادرًا على تشكيل الحلول المعمارية وإيجادها لتلبية متطلبات العصر من سرعة البناء مع المحافظة على عنصري الجمال والوظيفة. وليس هذا الدور كبيرًا على المعماري، فهذه القدرات تكمن في التحدي الدائم الذي يواجه المعماري، وهو التعامل مع المواد والفراغ كما يجب.
عند مراجعة ما أنجز من خلال تقنيات البناء محليًّا، أجد أن المعماري السعودي ما زال بعيدًا عن الاهتمام بهذه التقنيات وما تحقق فيها من تطور في مجال التشييد والبناء وعلى نحو مثير للغرابة، خاصة أن هذا الدور لا يتطلب الكثير منه سوى المزيد من التعمق والقراءة والمعرفة في مجال تقنيات البناء.
وبالوقوف فعليًّا على قدرات هذه التقنيات وإمكانياتها والمعدات والأجهزة المستخدمة فيها من خلال النظر بعين المتخصص إلى كيفية تحسينها من زاوية معمارية. هذه الزاوية والاهتمام لا تتطلب جهدًا خارقًا، خاصة إذا ما علمنا بأن إحدى مبادرات برامج «رؤية المملكة 2030» تُعنى بتفعيل استخدام تقنيات البناء في مجال التشييد والبناء، وهي «مبادرة تحفيز تقنية البناء»، والأولى بالمعماري السعي نحو الاستفادة من الفرص المتاحة وفتح آفاق رحبة له لتلبية الحاجة الماسة نحو عنصري الجمالية والوظيفية في المباني التي تستخدم تقنيات البناء.
تذكرة مغادرة: المشكلة ما هي إلا فرصة سانحة لك لتبذل قصارى جهدك.
م. أيمن الشيخ
كيف يسهم المهندس السعودي في تحفيز استخدام تقنيات البناء في قطاع البناء والتشييد وتوطين صناعتها؟
للإجابة عن هذا السؤال العريض، يجب معرفة ما هي مصادر المعرفة التي يمتلكها المهندس السعودي فعليًّا، والتي بناءً عليها يُحدد إذا كانت مساهمة المهندس فاعلة أو هامشية؟ ولتحديد ذلك يجب أن نبدأ من المرحلة الدراسية الجامعية، ومعرفة ما هي التحديثات التي جرت على المواد الدراسية خلال السنوات الأخيرة، وما هي قدرات هيئة التدريس بالجامعات في هذا المجال المتجدد؛ لأن الجامعات -سواء المحلية أو الخارجية- مختلفة، فهذه نقطة إيجابية في أن مستويات المعرفة ونوعها مختلفة، وليست ضمن مستوى معرفي واحد ينقلنا بالضرورة للمرحلة الثانية، وهي سوق العمل التي تجتمع فيه المتخصص وغير المتخصص وصاحب العلم مع صاحب التجربة لتشكل سوقًا غالبًا تبدو طاردة لذوي الأفكار بسبب ضعف البنية الأساسية لقطاع البناء التي منها، على سبيل المثال: العمالة والمعدات التي يتحكّم فيهما غالبًا عنصر التكلفة لا الجودة والاستدامة. ولهذا كان على أصحاب العلم التحرك بخطواتهم أسرع نحو سد الفجوة التي تؤرقهم وجعل عنصر التكلفة هامشيًّا وتنافسيًّا، وهذا الذي حدث في عدد من تقنيات البناء التي تقلصت أعداد العمالة غير المتخصصة والكبيرة إلى توفير فرق فنية متخصصة وذات مهارة مع تقديمهم لمنتجات نهائية ذات جودة أفضل. وكذلك أسهم أصحاب العلم مرة أخرى في تحسين المعدات المستخدمة لتشكل، أخيرًا، جيلًا من التقنيات المستخدمة والروبوتات التي لا تتطلب تدخّلًا بشريًّا عاليًا.
في الحقيقة العلم نجح في تحقيق كثير للبشرية، وسينجح أصحاب العلم مرة أخرى في وضع قطاع البناء والتشييد في مكانه الصحيح، وستندثر طرق البناء التقليدية عندما ينهض المهندس السعودي حاملًا شعاع نور العلم والابتكار، متزودًا بالمعرفة التي يمتلكها، ومستفيدًا من الفرص التحفيزية التي تقودها “رؤية المملكة 2030” من خلال “مبادرة تحفيز تقنية البناء” التي توجد الحافز الاستثماري في مجالات التقنيات المتطورة للبناء وتسهم بمواكبة التطور الصناعيّ، ما يحقق ريادة المملكة العربية السعودية في هذا المجال الحيوي الغني بالفرص الوفيرة.
مرة أخرى، يجب أن نعلم أن التركيبة الحيوية لتنمية أي مجال، هي توافر المبدعين وتأسيس المراكز البحثية والابتكارية، وبالتأكيد يقف أولًا الرغبة الأكيدة لتحقيق إنجاز جديد.
تذكرة مغادرة: الحي يحييك والميت يزيدك غبنًا.
المصدر: صحيفة عاجل