أبنية – متابعات
يشهد العالم تحضرًا سريعًا في العديد من المجتمعات، مما يؤدي إلى تغيرات جذرية في البنية الاجتماعية والاقتصادية. يختلف أثر هذا التحضر من مجتمع لآخر، حيث يمكن أن يعزز بعض المدن من جودة الحياة بينما يواجه آخرون تحديات بيئية وصحية كبيرة.
يسعى البحث العلمي نحو فَهم تباين هذه التأثيرات أمر حيوي لتطوير سياسات حضرية مستدامة تحسن من التوازن بين النمو والتنمية وحماية البيئة.
أشارت دراسة نحو ما شهدته الصين خلال العقود الأخيرة تحولات كبيرة نتيجة التحضر السريع، حيث انتقلت إلى مرحلة التنمية الحضرية عالية الجودة. مع ذلك، أدى هذا النمو السريع إلى تحديات بيئية ملحوظة، أبرزها تلوث الهواء، بما في ذلك الضباب الناتج عن الجسيمات الدقيقة”PM2.5″. تشكل هذه الجسيمات تهديدًا خطيرًا للصحة العامة.
اهتمت دراسة عنوانها يتمحور حول التأثيرات متوسطة النطاق لمقاييس الهيكل الحضري وعنوانها “Meso-Scale Impacts of the Urban Structure Metrics on PM2.5 in China”، بالجسيمات الدقيقة “PM2.5” ، والتي تتشكَّل في جزيئات ملوثة صغيرة جدًا عالقة في الهواء، يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، مما يجعلها قادرة على التغلغل إلى أعماق الرئتين أو مجرى الدم. تنشأ من مصادر طبيعية مثل الغبار وحرائق الغابات، وأخرى بشرية مثل عوادم السيارات وحرق الوقود الأحفوري.
وبحسب الدراسة المقدمة في السابع من ديسمبر 2024، فإنَّ التأثيرات المذكورة، تتصل بشكل مباشر بمنظومة التطوُّر الحضري، والتي تُسبِّب مشكلات صحية كالتهاب الشعب الهوائية وأمراض القلب والرئة، بالإضافة إلى تأثيرها البيئي المتمثل في تقليل وضوح الرؤية والمساهمة في الضباب الدخاني، مما يجعلها من أخطر ملوثات الهواء وأكثرها دراسة في السياسات البيئية.
ماذا يعني التحضر السريع؟
التحضر السريع هو عملية انتقال كبيرة ومكثفة للمجتمعات من البيئات الريفية إلى البيئات الحضرية في فترة زمنية قصيرة، مما يؤدي إلى توسع المدن وزيادة الكثافة السكانية فيها بشكل سريع وغير منتظم. يتميز التحضر السريع بتغيرات جذرية في استخدام الأراضي والبنية التحتية، وزيادة الطلب على الموارد والخدمات، وغالبًا ما يصاحبه تحديات بيئية واجتماعية مثل التلوث، الازدحام المروري، ضعف البنية التحتية، وفقدان الهوية الثقافية.
الصين بين الأزمة والحلول
في الصين، يُعتبر التحضر السريع نتيجة للنمو الاقتصادي المتسارع، ولكنه أدى إلى تحديات كبيرة، مثل “عدم التوازن في حجم المدن” و”الاضطرابات البيئية” الناتجة عن التوسع الحضري غير المنظم، مما يتطلب تخطيطًا متوازنًا ومستدامًا للتقليل من هذه الآثار السلبية.
لذا تطرح الدراسة – التي اتخذت من الصين أنموذجًا للبحث – 3 علاقات مختلفة، لتبيان العلاقة بين عوامل الهيكل الحضري وتلوث PM2.5
1- العلاقة بين الهيكل الحضري وPM2.5
تظهر الدراسة أنَّ كثافة الطرق، وكثافة المساحات الخضراء، وكثافة المباني، وكثافة المسطحات المائية ترتبط بشكل كبير بتركيزات تلوث PM2.5. يختلف هذا عن الدراسات التي أجريت في مراكز مدن الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يُعتبر التخطيط الحضري الموزع والتنقل لمسافات طويلة مصدرًا رئيسيًا لتلوث الهواء. بالمقابل، تتميز مدن مثل شيآن، ووهان، وتاييوان، ولانتشو بمناطق سكنية مركزة.
* يؤدي البناء الحضري عالي الكثافة إلى تقليل مشكلات التنقل، لكنه يزيد من تراكم PM2.5 في المناطق المزدحمة.
* تعزى هذه الظاهرة إلى تأثيرات الازدحام الناتج عن الكثافة العالية والاستخدام المفرط للمركبات.
2- دور الكثافة السكانية والنقل في التلوث
* المدن الكبرى مثل شيآن ووهان: المناطق ذات الكثافة السكانية العالية تؤدي إلى ازدحام مروري شديد في وسط المدينة. عندما تكون المحركات في وضع التوقف المؤقت، تزداد انبعاثات الملوثات.
* الحلول: تخفيض الكثافة السكانية يمكن أن يقلل من الازدحام ويحسن جودة الهواء. على سبيل المثال، تطوير مراكز حضرية فرعية لتقليل مسافات التنقل.
3- تأثير الكثافة الحضرية في المدن المتوسطة والصغيرة
* مدن مثل تاييوان ولانتشو: الكثافة السكانية المنخفضة تؤدي إلى زيادة مسافات التنقل، مما يرفع من استخدام السيارات الخاصة ويزيد من انبعاثات الملوثات المرتبطة بالنقل.
* الحلول: التخطيط الحضري المدمج يمكن أن يكون مفيدًا لهذه المدن لتقليل المسافات وزيادة كفاءة النقل.
ختامًا، رغم أهمية التحضُّر السريع واتساعه الكبير، إلَّا أنَّ هذا الانتقال، قد يضير بعوامل المجتمع التي تتصل بالصحة وكفاءة الموارد الحيوية، ما يجعله ناقوس خطر يدق على أبواب التحضُّر الذي يسابق الزمن.