مشهد متغير
بالطبع، كلما ازداد تبنّي الشركات للذكاء الاصطناعي، فإنها ستضحى أشبه بشركات الذكاء الاصطناعي نفسها وستُدار بالطريقة نفسها. وفيما تتراجع أعداد الموظفين، سيواجه قطاع العقارات التجارية، الذي يترنح تحت وطأة التحول للعمل من المنزل، أوقاتاً عصيبة.لكن قيمة الأراضي سترتفع كثيراً في مناطق معينة، إذ ستتخذ الشركات مقارّاً أقرب من مراكز الذكاء الاصطناعي كي تكون قريبة من أسواق عمل الباحثين في الذكاء الاصطناعي، أو لمزيد من الاطلاع على الذكاء الاصطناعي من خلال اللاعبين الرائدين في القطاع. أتوقع آن تعاود العقارات في سان فرانسيسكو والضواحي المجاورة نهضتها بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات في مانهاتن أيضاً. أما على الجانب المقابل من المحيط الأطلسي في أوروبا، فقد تشهد بعض أنحاء جنوب إنجلترا وباريس ارتفاعاً أكبر بكثير في الأسعار.سيشمل ارتفاع الطلب العقارات السكنية أيضاً. قبل الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها “أوبن إيه آي”، قيل إن الشركة كانت تعرض على كبار الباحثين حزماً تضم أسهماً تتراوح قيمتها بين خمسة وعشرة ملايين دولار، لكن يُرجَّح أن تتراجع هذه الأرقام مع مرور الوقت فيما تزداد أعداد العاملين في القطاع.لكن الأعداد الكبيرة المتوقعة للعاملين، ممن يتقاضون أجوراً مرتفعة في قطاع الذكاء الاصطناعي، ستولّد طلباً على بعض المنازل الراقية، مثلما حدث في فترات ازدهار قطاع التقنية قبلاً. إن أكبر شركات الذكاء الاصطناعي ليست مكتظةً بالموظفين، لكن منسوبيها عادةً ما يعملون من مكاتبهم بانتظام لتسهيل التعلم والتعاون، وبالتالي فهم يعيشون على مقربة من مواقعها.
الاقتصاد في الوظائف
إن قدرة الذكاء الاصطناعي على أن يقلص عدد بعض الوظائف لا تعني أننا سنشهد بطالةً واسعة النطاق، فرغم أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي دوراً كبيراً للموظفين، فهو سيتيح فرصةً لبدء عدد أكبر بكثير من المشاريع، وسيكون هناك المزيد من البرمجة والتصميم والتقدم العلمي، إلى جانب عدد أكبر من الخطط المختلفة على النطاق الأوسع. قد تتنوع تلك الخطط ما بين مصادر طاقة أفضل صديقة للبيئة والفنون الإبداعية والمزيد من مشاريع الصحة العامة والكثير غير ذلك.لكن أغلب تلك المشاريع لن تُنجز داخل مكاتب تقليدية، حتى لو تواجدت يها الإدارات المركزية. بل قد لا يكون لكثير من هؤلاء الموظفين علاقات دائمة مع الشركات كما يحدث في هوليوود، إذ تُجمع فرق من المبدعين لتحقيق أهداف معينة ثم ينتقلون في نهاية المطاف ليتولوا مشاريع أخرى.وكلما ازداد حجم التغير الذي نشهده بمرور الوقت، ازداد الدور الذي تلعبه قرارات قطاع العقارات في تحديد الأماكن التي تود العمالة المطلوبة أن تسكن فيها. يُرجّح أن يُفضّل العاملون المناطق الجذابة التي لا تبعد كثيراً عن الإدارة المركزية وتتمتع بطقس مشمس وتضم مدارس ممتازة وضرائب معقولة والكثير من وسائل الراحة. ستكون للبنية التحتية كالمطارات وجودة الإنترنت أهمية كبيرة.
خارطة جديدة
يُرجَّح أن يكون منطقة شمال ولاية فرجينيا والمنطقة الحضرية في ولاية أتلانتا هما الفائزان المتوقعان الآخران في عملية إعادة تخصيص الموارد هذه في قطاع العقارات. كما يمكننا أن نتوقع أن يسكن العاملون المرتبطون بصناعات معينة في أوستن في مناطق تتجاوز حدود المدينة.قد تلحق الخسارة بطبيعة الحال بمدن مثل هارتفورد ومينيابوليس، إذ يسود كل منهما طقس بارد نسبياً كما أنهما تعانيان من مشاكل موجودة مسبقاً فيما يتعلق بالجرائم والحوكمة.سيضرب ذلك بقوة فكرة أن كل مدينة بحاجة إلى عدد كبير من الوظائف الخدمية، وسيؤثر ذلك على قطاع العقارات. سيشبه ذلك التطور، التأثيرات المعروفة جيداً للعمل من المنزل، لكن حجم الوحدات الأساسية للشركات الناجحة سيتضاءل، وسيكون هناك الكثير من المشاريع الجديدة الموزعة في أرجاء البلاد. ستتراجع أهمية المراكز الموروثة للمدن الأقدم بمرور الوقت، وستزداد مقابل ذلك أهمية الأماكن التي يقبل عليها الناس.ما يزال بالإمكان تحقيق ثروات طائلة في قطاع العقارات، لكن فرص حدوث ذلك ستبلغ ذروتها حين يتمتع المستثمرون بالبصيرة والجرأة القوية في التحولات متسارعة الوتيرة التي تشهدها الولايات المتحدة.