أبنية – الرياض
حتى أسابيع قليلة مضت، كانت المبيعات في ثلاثة مشاريع سكنية في مدينة جينان شرقي الصين في حالة ازدهار. لكن في أيلول (سبتمبر)، الذي يعد تقليديا أحد أكثر الشهور ازدحاما بعمليات شراء المنازل الجديدة، أصيب هذا التوجه بالتوتر.
المبيعات في المشاريع ثابتة أو آخذة في الانخفاض مع تضييق السلطات قنوات الوصول إلى الرهون العقارية. ويقدم المطورون الآن خصومات في محاولة لبيع الوحدات السكنية، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة صغيرة.
قال تشو مياو، وكيل عقارات في مجموعة باور تشاينا العقارية في مدينة جينان “سياسة الحكومة لا تدعم شراء المنازل. أجل كثير من الناس خططهم لشراء منازل حتى العام المقبل، على أمل أن تخفف السلطات ضوابط الائتمان”.
قضايا جينان التي يسكنها تسعة ملايين شخص، تشكل جزءا من حالة فتور تجتاح قطاع العقارات الصيني الذي عزز النمو الاقتصادي في البلاد على مدى عقود من الزمان، لكنه الآن يتعرض لضغوط من بكين في الوقت الذي تسعى فيه إلى كبح جماح الديون والسيطرة على الأسعار.
الأزمة في “إيفرجراند”، مطورة العقارات الأكثر مديونية في العالم ورمز النفوذ الذي ساعد على تأجيج التحضر في الصين، سلطت الضوء على موقف الحكومة غير المستقر في الوقت الذي تكافح فيه مع أحد العناصر الأساسية لأنموذجها الاقتصادي.
بعد خفض أسعار الفائدة في البداية استجابة لوباء فيروس كورونا، سعت الحكومة خلال العام الماضي إلى درء مخاطر فقاعات الأصول من خلال اتخاذ إجراءات صارمة على وجه التحديد بشأن الاقتراض من جانب مطوري العقارات.
في الوقت نفسه أضافت قيودا على إقراض الرهن العقاري وحدودا للإيجارات في المدن الكبرى. في مدن مثل جينان، حيث يقدر الوكلاء أن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى شهرين للحصول على الموافقة على قرض عقاري، فرضت السلطات قيودها الخاصة على الإقراض.
أظهرت بيانات رسمية الأسبوع الماضي، أن أكبر 70 مدينة في الصين شهدت ارتفاعا في أسعار المنازل الجديدة بلغ 0.2 في المائة فقط في آب (أغسطس) مقارنة بتموز (يوليو)، وهو أبطأ معدل نمو في ثمانية أشهر. وأظهرت بيانات أخرى، سلطت الضوء بشكل أكثر وضوحا على انخفاضات حادة في مشتريات الأراضي وأحجام المبيعات، أن الإجراءات الحكومية بدأت تؤتي ثمارها.
وفقا لـ”بانك أوف أمريكا”، بالنسبة إلى كثير من الاقتصاديين يشكل تباطؤ العقارات خطرا جسيما على قطاع يشكل ما يصل إلى 28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين، ويعتبر من أهم المؤشرات الاقتصادية في العالم، لما يترتب على نشاطة من طلب على السلع والعمالة والديون.
قال تينج لو، كبير الاقتصاديين في “نومورا”، “أعتقد أن الأمر مختلف هذه المرة”. أشار لو أخيرا إلى “تدهور سريع” في بيانات العقارات في الصين وأجرى مقارنات مع محاولات بول فولكر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق، لخفض التضخم في أمريكا في سبعينيات القرن الماضي.
وأضاف “إذا كان هناك ركود عميق، وإذا كانت هناك أزمة مالية، فبالطبع ستتراجع السلطات إلى حد ما، لكننا لم نصل إلى هناك بعد”.
وأشار لو إلى بيانات تظهر انخفاض مبيعات المنازل الجديدة 24 في المائة على أساس سنوي في آب (أغسطس) في 30 مدينة، وانهيار مبيعات الأراضي 53 في المائة من حيث الحجم في مائة مدينة. أشار كذلك إلى تدهور كلا المقياسين بشكل أكبر في أوائل أيلول (سبتمبر).
أثر انخفاض المبيعات أيضا في “إيفرجراند” التي عليها مطلوبات تقارب تريليوني رنمينبي “309 مليارات دولار”، وهي بحاجة ماسة إلى السيولة للوفاء بالتزاماتها تجاه مورديها ودائنيها. تجمع المستثمرون الغاضبون الأسبوع الماضي في مقر الشركة في شينزين مطالبين باستعادة أموالهم مع تصاعد التوقعات بانهيار الشركة.
تسلط متاعب “إيفرجراند” الضوء على أهمية قطاع العقارات بالنسبة إلى النظام المالي الصيني، لكن ضعفها وضعف مئات المطورين الآخرين في الصين ستكون له أيضا عواقب وخيمة على الاقتصاد الأوسع. ارتفع الاستثمار العقاري 7 في المائة خلال 2020 ودعم الانتعاش الذي تغذيه الصناعة الذي تفوق على الاقتصادات الكبيرة الأخرى.
كان الوجه الآخر لتلك المساهمة الاقتصادية هو التهديد بعدم الاستقرار الذي أثار تحذيرات من كبار المنظمين. مع ارتفاع الأسعار في المدن الكبرى مثل شينزين، كشفت الحكومة النقاب عن “الخطوط الحمراء” التي حدت من وصول مطوري العقارات إلى الائتمان، فضلا عن القيود المفروضة على إقراض الرهن العقاري في البنوك في بداية هذا العام.
سعت الصين منذ أعوام إلى كبح المضاربة في قطاع الإسكان. قال وانج مينجوي، وزير الإسكان، في كانون الثاني (يناير) الماضي، “إن الصين لن تستخدم العقارات لدعم الاقتصاد”، مكررا شعار الرئيس شي جين بينج في 2017 بأن المنازل مخصصة “للعيش فيها” وليس للمضاربة. ألغت الحكومة أخيرا مزادات أراض في المدن الكبرى بعد أن أدت القيود السابقة عن غير قصد إلى زيادة الأسعار.
قالت هيلين تشياو، رئيسة الأبحاث الاقتصادية لآسيا في بانك أوف أمريكا “هذه المرة يبدو أن صانعي السياسة أكثر تمسكا بإجراءات ضبط الائتمان الخاصة بهم”، مشيرة إلى أن التباطؤ كان “ناتجا بشكل أساسي عن تشديد السياسة”.
تعتبر بكين أيضا العقارات جزءا مهما من مساعيها لتحقيق “الرخاء المشترك”. كشفت وزارة الإسكان الأسبوع الماضي عن عملية تفتيش للقطاع مدتها ثلاثة أعوام، معززة تحرك الحكومة لزيادة السيطرة على قطاعات من التعليم إلى التكنولوجيا.
مع كون التعافي الاقتصادي الواسع من الوباء لا يزال غير مكتمل، والاضطرابات الناجمة عن موجة جديدة من الإصابات تكشف عن نقاط ضعف مستمرة في الاستهلاك، فإن الاقتصاد الصيني يتعرض لضغوط متزايدة.
أشار لو إلى أن الانخفاض في شراء الأراضي من المحتمل أن يؤثر في الاستثمار العقاري والطلب على مواد البناء، وبالتالي إيرادات الحكومات المحلية التي تبيع الأراضي للمطورين. لكن آخرين أشاروا إلى وجود صلة بين حملة “الرخاء المشتركة” ونهج بكين في مجال العقارات.
قال لاري هو، كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك ماكواري “لدى بكين اعتبارات أكثر من وجهة النظر الاقتصادية. إن شهرين إلى ثلاثة أشهر من البيانات السيئة لن تجعلها تخفف من السياسة النقدية”.
بعيدا عن البيانات، لا يزال من غير الواضح كيف ستتفاعل الحكومة المركزية والمحلية مع نقاط الضعف بعيدة المدى في قطاع ولد نشاطا اقتصاديا ضخما وفرص عمل وثروة. في جينان، لا يزال ثلث الشقق متاحا في مشروع بعد عامين تقريبا من إطلاقه. تتقاضى الشركة 19100 رنمينبي للمتر المربع، أقل من سعر التعادل البالغ 20 ألف رنمينبي.
قال مسؤول في الشركة “أولويتنا القصوى هي تحسين التدفق النقدي، بدلا من الربحية”.