أبنية – خاص
يُعد مسجد الميقات “ذو الحليفة” من أبرز المساجد التاريخية الواقعة في المدينة المنورة، ويكتسب أهميته من كونه الميقات الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ولمن مرّ بها عند نية الحج أو العمرة. يربط هذا المسجد بين البُعد التعبدي والبعد المكاني، فهو ليس مجرد موضع عبادة بل محطة إحرام تاريخية تشهد مرور آلاف الزوار يوميًا، خاصة في مواسم الحج والعمرة.
ميقات أهل المدينة المنورة.. تأصيل نبوي للمكان
يُسمّى مسجد ذو الحليفة بـ “مسجد الميقات” نسبةً إلى الموقع الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الصحيح:
“وقّت رسول الله لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجُحفة..” رواه البخاري
يُعتبر مسجد الميقات (ذو الحليفة) أحد المواقيت الخمسة التي حددها النبي محمد صلى الله عليه وسلم للبدء بالإحرام، وقد خص به أهل المدينة وكل من مرّ بها قاصدًا مكة. يرمز المسجد إلى البوابة الروحية الأولى التي يعبرها الحاج أو المعتمر نحو أداء المناسك، وهو ليس فقط معلمًا فقهيًا بل تجربة شعائرية مفعمة بالرهبة والتجرد، تبدأ من لحظة النية وتكتمل بالتحلل في الحرم المكي. وقد ظل المسجد على مدى العصور محورًا جوهريًا في فقه المناسك وتخطيط الرحلات.
يقع المسجد جنوب غرب المدينة المنورة على بعد قرابة 14 كيلومترًا من المسجد النبوي الشريف، على طريق سريع يربط المدينة بمكة، مما يجعله نقطة انطلاق استراتيجية في منظومة النقل الديني الحديثة. يشهد المسجد تدفقًا كثيفًا من الحجاج والمعتمرين، لا سيما في مواسم الذروة، حيث يصل عدد المارين به إلى عشرات الآلاف يوميًا. وقد أدى هذا الموقع الجغرافي المحوري إلى تعزيز دوره كمحطة رئيسية ضمن خطة المملكة لتيسير رحلات الحج والعمرة وتجويدها ضمن مستهدفات رؤية 2030.
البنية المعمارية والخدمات التنظيمية الحديثة
يمتاز مسجد الميقات بهندسة معمارية تجمع بين البساطة التاريخية والتصميم الحديث. بُني على مساحة شاسعة تتجاوز 36,000 متر مربع، ويضم مساحات واسعة للصلاة، وساحات خارجية مغطاة، ومرافق مخصصة للوضوء والاغتسال والإحرام. كما تم تزويده بمواقف سيارات ضخمة، ومرافق خدمية تُلبّي احتياجات الحجاج، منها محلات لبيع مستلزمات الإحرام، ومكاتب إرشادية للتوجيه الديني.
وقد أجرت وزارة الشؤون الإسلامية عدة مشاريع صيانة وتوسعة للمسجد خلال العقود الماضية، بهدف استيعاب الأعداد المتزايدة وتقديم خدمة متكاملة في بيئة آمنة ومنظمة.
منطقة الميقات كمركز متكامل للمسافرين
تم العمل مؤخرًا على تطوير المنطقة المحيطة بمسجد الميقات لتتحول إلى مركز متكامل للمسافرين، من خلال تحسين الطرق، وإنشاء نقاط نقل عام، ومرافق خدماتية تشمل متاجر، دورات مياه ذكية، مناطق استراحة، وخطوط سير آمنة للمشاة. وتُعد هذه المنطقة اليوم من أكثر المحطات التي يشهدها الحاج تنظيمًا وتكاملًا في المدينة المنورة.
وبحسب الهيئة الملكية لتطوير المدينة المنورة، فإن مشروع التطوير يندرج ضمن رؤية أوسع لتحسين تجربة الزائر منذ لحظة الإحرام وحتى الوصول إلى مكة، مع مراعاة الجانب الجمالي والبيئي للمكان.
مسجد الميقات في وعي الزائر الحديث
لم يعد مسجد الميقات مجرد نقطة عبور فقهية للإحرام، بل بات معلمًا روحيًا متكاملًا يجمع بين قداسة الحدث واحترافية الخدمة. إنّ الجهود المبذولة لتأهيله وتطوير مرافقه تعكس فهمًا عميقًا لدور المسجد في منظومة الحج الحديثة، وتُظهر كيف يمكن تحويل المواقع الدينية إلى مراكز عبور حضارية تُحسن تجربة الضيف من أول لحظة في رحلته الإيمانية.