أبنية – خاص
تُروى فيه قصة ثلاث دعوات رفعها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستُجيب لاثنتين، وبقيت الثالثة لحكمة ربانية. يقف المسجد اليوم رمزًا لعمق العلاقة بين الأرض والسماء، ولحظة يُستحضر فيها الإيمان في أنقى صوره.
ومع جهود الترميم والتأهيل، بات أحد أبرز معالم الزيارة الروحية ضمن مسار المساجد التاريخية في المدينة.
الموقع والأهمية التاريخية
يقع مسجد الإجابة في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد النبوي الشريف، على بعد حوالي 385 مترًا شمال مقبرة البقيع، في حي بني معاوية بن مالك، المعروف حاليًا بحي الإجابة. يُعتبر هذا المسجد من المواقع التاريخية البارزة في المدينة المنورة، حيث شهد أحداثًا مهمة في السيرة النبوية.
تعود شهرة المسجد إلى حادثة مذكورة في صحيح مسلم، حيث صلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيه ركعتين، ودعا الله بثلاث دعوات؛ استُجيب له في اثنتين، ومُنِعَ الثالثة. هذا الحدث أكسب المسجد اسم “الإجابة”، نسبةً إلى استجابة الله لدعاء نبيه فيه.
التسمية والبعد النبوي
حمل مسجد الإجابة في بداياته اسم مسجد بني معاوية، نسبة إلى الحي الذي أُقيم فيه، وهو حي تاريخي معروف في المدينة المنورة. ومع مرور الوقت وتناقل الروايات النبوية، تغيّر اسمه إلى “مسجد الإجابة”، تخليدًا لواحدة من أعمق اللحظات التي وردت في السيرة النبوية، حين صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا الله دعوات مؤثرة.
ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله بثلاث: ألا يُهلك أمته بالسنة (أي القحط)، وألا يُهلكهم بالغرق، وألا يجعل بأسهم بينهم. فاستُجيب له في الأوليين، ومُنع الثالثة، وهو ما يجسّد التوازن الإلهي بين الرحمة والابتلاء، ويُبرز خصوصية هذا الموضع في التاريخ الإسلامي، كمكان ارتبط بالإجابة الإلهية لدعاء الرسول.
لهذا السبب، اكتسب المسجد مكانة خاصة في قلوب الزائرين، إذ لا يُزار فقط لمكانته الجغرافية، بل يُرتاد استحضارًا لمعناه النبوي وارتباطه بالدعاء المستجاب. وتحول إلى محطة تأمل عميقة في العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، وبين الأرض والسماء، والدعاء والقدر.
التطورات العمرانية والتجديدات
لم يَغِب مسجد الإجابة عن اهتمام الخلفاء والولاة منذ القرون الأولى للهجرة، فقد خضع لعدة عمليات ترميم وتوسعة بدأت في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، الذي أولى عمارة المساجد في المدينة عناية فائقة. كما تشير المصادر التاريخية إلى أن جدران المسجد جُددت في القرن التاسع الهجري للحفاظ على هيكله من التآكل.
وفي العصر الحديث، شهد المسجد نقلة نوعية خلال عهد الملك فهد بن عبد العزيز، إذ تمت توسعته وتجهيزه بمرافق حديثة في عام 1418هـ (1998م)، ليُناسب أعداد الزوار المتزايدة، مع الحفاظ على طرازه المعماري الإسلامي. وشملت التوسعة تهيئة الساحات الداخلية، وتزويده بوحدات تهوية، وتوسيع المداخل والمصلى.
وأخيرًا، أُدرج مسجد الإجابة ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، الذي يهدف إلى إعادة إحياء المساجد ذات البعد الديني والتراثي في مختلف مناطق المملكة. ويُعد إدراجه ضمن هذا المشروع خطوة استراتيجية تُعزز من حضوره المعماري والروحاني، وتضمن استدامته كموقع تراثي نابض بالهوية الإسلامية.
المعالم المعمارية والميزات الحالية
يمتاز مسجد الإجابة بجمالية تصميمه الذي يمزج بين البساطة النبوية واللمسات المعمارية الإسلامية، إذ يتكوّن من قاعة للصلاة مغطاة بقبة، ومنارة قصيرة ترتفع بانسيابية فوق هيكله، تعكس التواضع والسكينة التي تميّز هذه المساجد ذات الطابع النبوي. وتُزين جدرانه الخارجية ألواح من الرخام المصقول بنقوش هندسية دقيقة تُضفي عليه لمسة جمالية هادئة.
كما يتضمن المسجد مرافق خدمية متكاملة تلبي احتياجات المصلين، مثل مرافق الوضوء الحديثة، دورات المياه النظيفة، وساحات مكيفة تتسع لعدد كبير من الزوار، لا سيما خلال موسم العمرة والزيارة. هذه التجهيزات تأتي في إطار الرؤية الشاملة لتأهيل المساجد التاريخية لتكون جاهزة لاحتضان الزوار بروحانية وجودة عالية.
ومن الناحية التنظيمية، تم تحسين محيط المسجد ليشمل لوحات تعريفية، مظلات خارجية، ومسارات يسهل على كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة التنقل من خلالها، ما يضع المسجد ضمن منظومة “الضيافة الدينية الذكية” التي تنتهجها المملكة. ومع هذه المزايا، يظل مسجد الإجابة نموذجًا حيًا لدمج القيمة الروحية بالمرافق العصرية في موقع واحد.
أهمية المسجد في السياحة الدينية
يُعد مسجد الإجابة مقصدًا مهمًا للزوار والحجاج في المدينة المنورة، حيث يرتبط بحدث نبوي جليل. يقصده المسلمون للصلاة والتأمل في معاني الدعاء والاستجابة، مما يجعله محطة روحية مهمة ضمن برنامج زيارتهم للمدينة.
بالإضافة إلى ذلك، يُسهم المسجد في تعزيز السياحة الدينية، حيث يُعتبر جزءًا من التراث الإسلامي الغني الذي تحرص المملكة على الحفاظ عليه وتطويره.