محمد بن مبارك الفارس
القطاع العقاري يعد واحدا من القطاعات الاقتصادية التي سلطت رؤية المملكة 2030 الضوء لتطويره، فوضعت له الكثير من الاستراتيجيات الهادفة التي تسعى لتنمية هذا القطاع المهم الذي يعتبر رافدا من روافد جودة الحياة ، فقد مر العقار في المملكة بعدة مراحل، متأثرة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.، ففي المرحلة التي سبقت اكتشاف النفط اعتمدت معظم الأنشطة الاقتصادية على الزراعة، التجارة، والرعي وقد كان البناء يعتمد على المواد المحلية مثل الطين والحجر، وكان هناك عدد من المدن التي تتميز بطابع تقليدي، مثل جدة والرياض ومكة المكرمة.
وقد أدى اكتشاف النفط بداية التحول العقاري وبروز المرحلة التي أدت إلى زيادة كبيرة في الإيرادات الحكومية مما أعطى الحكومة مساحة كبيرة في البدء ببناء البنية التحتية الأساسية، مثل الطرق والمدارس والمستشفيات، مما أدى إلى تسريع وتيرة التوسع الحضري ونمو سريع للمدن، خاصة المدن النفطية مثل الظهران والدمام وبناء الأحياء السكنية للعمال والعائلات.
وظهرت بوادر المرحلة التالية أثناء الطفرة الاقتصادية الأولى بين العامين (1970-1980) فقد أطلقت الحكومة أول خطة تنمية خمسية في عام 1970، ركزت على تطوير البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي وبدأت مشاريع كبيرة مثل بناء الجامعات والمطارات والمرافق الصحية، وشملت المرحلة توسع سريع للمدن الرئيسية مثل الرياض وجدة وظهور أحياء سكنية جديدة ومراكز تجارية حديثة.
وقد تأثر القطاع العقاري أثناء الركود الاقتصادي وتحولات السوق بسبب تقلبات أسعار النفط مما أثر على الاقتصاد بشكل عام مما أصاب القطاع تباطؤ في النمو، وقد شهدت المرحلة بعض التحولات في المجتمع من خلال زيادة في عدد السكان والحاجة إلى المزيد من المساكن والخدمات، وظهور أنماط سكنية جديدة لتلبية احتياجات الأسر المتزايدة.
وقد عاد القطاع العقاري أثناء فترة النمو المستدام من خلال إصلاحات اقتصادية لزيادة التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع العقارية، وقد شهدت المرحلة تطوير مدن اقتصادية جديدة مثل مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وتنفيذ مشاريع كبرى في المدن القائمة لتحديث البنية التحتية.
وبعد إطلاق رؤية المملكة 2030 شهد القطاع أكبر تطور مما سبق وذلك بهدف تنويع الاقتصاد وتعزيز التنمية المستدامة، والتركيز على تطوير القطاع العقاري لجذب الاستثمارات وتحسين جودة الحياة، فقد تم إطلاق مشاريع ضخمة مثل نيوم، مشروع البحر الأحمر، والقدية، وتطوير البنية التحتية الذكية وتعزيز استخدام التكنولوجيا في البناء والإدارة العقارية، وقد رافق المرحلة الكثير من التشريعات الجديدة وتحديث القوانين واللوائح لتنظيم السوق العقاري وجعله أكثر شفافية وعدالة، وتسهيل إجراءات التملك للأجانب وتحفيز الاستثمارات العقارية، وقد قامت الحكومة بتطوير الجوانب التقنية التي أدت إلى أن يكون القطاع العقاري آمنا وأكثر شفافية وموثوقية وقد تبنت الحكومة تقنيات حديثة مثل نظم إدارة العقارات الذكية والبناء المستدام وإطلاق منصات إلكترونية لتسهيل إجراءات التملك والتوثيق وإثراء القطاع العقاري.
ومن خلال النظر في قطاع العقارات في السعودية فيتضح أنه شهد تحولات كبيرة عبر الزمن، من الاعتماد على الأنماط التقليدية إلى تبني التكنولوجيا والابتكار في البناء والإدارة. مع رؤية 2030، وتواصل المملكة تعزيز وتطوير القطاع العقاري بشكل مستدام، مما يسهم في تحسين جودة الحياة وتحقيق التنمية الاقتصادية.