أبنية – الرياض
أنهت السوق العقارية المحلية أداءها خلال عشرة أشهر من 2022 على ارتفاع سنوي وصلت نسبته إلى 10.7 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، واستقرت مع نهاية الفترة عند مستوى 190.7 مليار ريال، وكان النمو السنوي لنشاط السوق العقارية قد وصل إلى 16.6 في المائة حتى نهاية النصف الأول من العام الجاري، إلا أنه عاد إلى التباطؤ منذ مطلع تموز (يوليو) الماضي بتأثير أكبر من الركود الذي خيم على القطاع السكني، واستمر حتى الفترة الراهنة، الذي تأثر بدوره بالارتفاع المتسارع لمعدل الفائدة بنحو 490 نقطة أساس خلال الأشهر عشرة أشهر من 2022، إضافة إلى تراجع كل من حجم التمويل السكني العقاري للأفراد وعدد العقود التمويلية بنسبتي انخفاض بلغتا 16.4 في المائة ونحو 19.7 في المائة على التوالي حتى نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي.
وخلال عشرة أشهر من 2022، تباين أداء القطاعات الرئيسة في السوق بين ارتفاع قياسي لقيمة صفقات القطاع التجاري بنسبة بلغت 33.5 في المائة، مدفوعا بتنفيذ أربع صفقات تجارية كبيرة تجاوزت قيمة الواحدة منها مستوى 0.5 مليار ريال في كل من الرياض وجدة والدمام خلال الفترة، بلغ إجمالي قيمة تلك الصفقات الأربع أعلى من 6.3 مليار ريال على مساحات تجاوزت 6.3 مليون متر مربع “متوسط سعر 613 ريالا للمتر المربع”، واستقر إجمالي قيمة صفقات القطاع التجاري على أثرها عند مستوى 65.9 مليار ريال بنهاية عشرة أشهر من 2022.
بينما تباطأ النمو السنوي لإجمالي قيمة صفقات القطاع السكني إلى 2 في المائة، واستقر على أثره مع نهاية الفترة عند مستوى 110.1 مليار ريال، وشهدت تعاملات القطاع خلال عشرة أشهر من 2022 تنفيذ ثلاث صفقات سكنية كبيرة، تجاوزت قيمة الواحدة منها سقف 0.5 مليار ريال في كل من الرياض ومكة المكرمة خلال الفترة، تجاوز إجمالي قيمة تلك الصفقات الثلاث 4.7 مليار ريال، تم تنفيذها على مساحات تجاوزت 13.6 مليون متر مربع “متوسط سعر 348 ريالا للمتر المربع”. أما على مستوى إجمالي قيمة صفقات القطاعين الزراعي والصناعي فقد سجل انخفاضا سنويا بنسبة 1.1 في المائة، واستقر على أثره عند مستوى 14.6 مليار ريال بنهاية الفترة.
أما على بقية مؤشرات أداء السوق العقارية المحلية خلال عشرة أشهر من 2022، فقد جاءت النتائج عكسية إلى حد بعيد، حيث سجل عدد الصفقات العقارية انخفاضا سنويا وصلت نسبته إلى 18 في المائة، وجاءت نسبة الانخفاض الأكبر على مستوى القطاعات الرئيسة على حساب القطاع السكني بنسبة انخفاض بلغت 20.6 في المائة، بينما بلغت نسبة الانخفاض السنوي للقطاع التجاري 7.1 في المائة خلال الفترة. أما على مستوى المبيعات العقارية، فقد سجلت انخفاضا سنويا للفترة بنسبة بلغت 18.6 في المائة، وجاءت نسبة الانخفاض الأكبر على حساب مبيعات القطاع السكني بنسبة بلغت 21.3 في المائة، في حين بلغ الانخفاض السنوي لمبيعات القطاع التجاري نحو 7.8 في المائة. وعلى مستوى مساحات الصفقات العقارية المنفذة خلال عشرة أشهر من 2022، فقد سجلت انخفاضا سنويا قياسيا وصلت نسبته إلى 63 في المائة، جاءت نسبة الانخفاض الأكبر على حساب إجمالي القطاعين الزراعي والصناعي بنسبة قياسية وصلت إلى 67.9 في المائة، ثم القطاع التجاري بنسبة انخفاض سنوي بلغت 19.9 في المائة، وأخيرا القطاع السكني بنسبة انخفاض سنوي بلغت 14.7 في المائة.
آثار ارتفاع الفائدة وتراجع التمويل العقاري في القطاع السكني
أدى ارتفاع معدل الفائدة بوتيرته المتسارعة التي شهدها خلال عشرة أشهر من 2022 بنحو 490 نقطة أساس، ليصل إلى نحو 5.8 في المائة مع نهاية الفترة كأعلى معدل له منذ نيسان (أبريل) 2001، أي خلال نحو 21.5 عام مضى، وتركز نحو 62 في المائة من تلك الزيادة في الفترة من تموز (يوليو) حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر)، إلى إحداث مزيد من الضغوط على نشاط السوق العقارية عموما، وعلى القطاع السكني على وجه الخصوص، الذي دفع بدوره الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري إلى تمديد فترة سداد القروض العقارية للمواطنين إلى 30 عاما، نتيجة للضغوط المتوقعة الناتجة عن ارتفاع معدل الفائدة، وما سيترتب عليه من ارتفاع في تكلفة الرهون العقارية على كاهل المقترضين. وتزامن مع تلك الارتفاعات المطردة لمعدل الفائدة خلال تلك الفترة الوجيزة، دخول التمويل العقاري السكني الممنوح للأفراد في موجة تراجع لافتة، انتهت حتى أحدث بياناتها الصادرة عن البنك المركزي السعودي “ساما” إلى انخفاضه بمعدل سنوي 16.4 في المائة عن تسعة أشهر من العام الجاري، وانخفاض إجمالي عدد العقود التمويلية بنسبة 19.7 في المائة خلال الفترة نفسها.
أفضت تلك التطورات المتمثلة في الارتفاع المتسارع لمعدل الفائدة وتراجع التمويل العقاري للأفراد، خاصة خلال الفترة من مطلع حزيران (يوليو) الماضي، إلى دخول القطاع السكني في فترة من الركود ولا تزال مستمرة حتى تاريخه، تأكدت آثاره بصورة أوضح في مستوى عدد صفقات القطاع السكني الذي انخفض خلال الفترة بنسبة 20.6 في المائة، وانخفاض المبيعات السكنية بنسبة 21.3 في المائة، وقابل كل تلك التطورات ارتفاع كبير في مستويات أسعار مختلف الأصول العقارية، كانت قد سجلته خلال الفترة 2019 ــ 2022 مدفوعة بارتفاع حجم القروض العقارية الممنوحة للأفراد طوال تلك الفترة، وخدمه الانخفاض الكبير الذي شهدته معدلات الفائدة طوال تلك الفترة.
إن استمرار الركود العقاري الراهن لأشهر مقبلة، وفقا للمعطيات والعوامل السائدة خلال الفترة الراهنة، يحمل في طياته مزيدا من الضغوط على الأسعار المتضخمة للأصول العقارية باختلاف أنواعها، ومع استمرار الارتفاع الراهن في معدلات الفائدة “ارتفاع تكلفة الرهون العقارية”، إضافة إلى تزايد ضخ الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة في جانب العرض، نتيجة لتوجه كثير من ملاك الأراضي نحو التخارج منها أو الدخول في شراكات استثمارية مع المطورين العقاريين، تأثرا بتنفيذ المراحل التالية من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن الرئيسة، وبدأ تنفيذ المرحلة الأولى من النظام في أغلب المدن حول المملكة. تشكل تلك العوامل مجتمعة دفعا أكبر للإصلاحات الهادفة إلى تطوير واقع السوق العقارية المحلية، ونقلها إلى مستويات تنموية أفضل تلبي احتياجات الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وتتحرك بها نحو منطقة أكثر توازنا بين قوى العرض والطلب في السوق، بما سينتج عنه استقرار في مستويات الأسعار بعد موجة الارتفاعات القياسية التي شهدتها طوال الأعوام الأخيرة، وتجاوزت من خلالها القدرة الشرائية لأغلبية المستهلكين.