أسامة التويجري
بلغ عدد المشاريع التنموية التي جرى الإعلان عنها منذ أبريل ٢٠١٦م وقت إطلاق رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠م أكثر من (١٠٠) مشروع في مختلف مناطق المملكة شاملة لكافة مجالات التنمية، بل تجاوزت مشروعات التنمية في الرؤية برنامج التعافي الأوروبي المسمى بـ(مشروع مارشال) لإعمار الدول الأوربية في عام ١٩٤٨م، وقد تنوعت مصادر التمويل لمشروعات الرؤية، فجزء منها يتولى صندوق الاستثمارات العامة تمويلها والإشراف عليها، وجزء آخر جرى تمويله من صناديق استثمارية محلية أو دولية، ولا شك أن مصدر التمويل يلعب دوراً هاماً في رسم شكل المشروع ومدى تحقيقه للأهداف المرجوة منه.
وقد نشأت فكرة المساهمات العقارية عندما نشأت على ذلك الأساس التنموي، وهو توفير مصادر تمويلية لامتلاك العقارات وتطويرها ثم بيعها والتربح منها، وكانت المساهمات العقارية وما زالت متركزة على تمويل المشاريع الخاصة – غير المملوكة للدولة-، لكن ماذا لو سُخرت السيولة العالية في المساهمات العقارية لتمويل المشاريع التنموية في المملكة، وذلك بابتكار نماذج استثمارية تشجع كبار المساهمين وصغارهم للتوجه لمثل هذا النوع من المساهمات العقارية التي تهدف إلى تطوير المرافق العامة، ويمكن البحث في عدد كبير من المواقع المملوكة للدولة اليوم بحاجة ماسة لتطويرها وتنميتها ثم الاستفادة من عوائدها للمستثمرين.
ومن النماذج الاستثمارية المبتكرة أن نأخذ على سبيل المثال مدينة الخُبر ذات الدخل الأعلى للفرد في السعودية، فنرى أن فيها ضعفاً واضحاً في تطوير شواطئ المدينة وعدم استغلالها بما يعود على المدينة وسكنها بجودة حياة أفضل، فماذا لو تم تخصيص جزء من كورنيش الخبر -غير المطور- و فُتِح عليه مساهمة عقارية؛ بهدف تطوير ذلك الجزء على غرار أحدث وأفخم الشواطئ العالمية، بالإضافة إلى إنشاء مباني ومكاتب تجارية في جزء من ذلك الكورنيش، وتكون كافة العوائد المالية الناتجة عن ذلك الجزء من الكورنيش داخلة ضمن حصيلة المساهمة العقارية لمدة ٢٥ سنة مثلاً، ثم يؤول ذلك الكورنيش المطور بما فيه إلى الجهة المالكة له وهي الدولة.
فهذا المثال هو عين تفعيل دور القطاع الخاص في التنمية، وبالعمل بهذا النموذج سيتحقق كثير من أهداف الرؤية، وستتطور المدن السعودية سريعاً، لا سيما المواقع الجذّابة منها، دون استهلاك ريال واحد من خزينة الدولة، بل سيخلق دخلاً مباشراً للدولة من خلال تحصيل ضرائب تشغيل هذه المشاريع، كما سيُسهم العمل بهذا النموذج في المحافظة على أموال المستثمرين داخل السعودية، وخلق فرص استثمارية ذات موثوقية عالية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية ومساهمتها في التنمية.
وبالنظر في الأدوات التنظيمية والقانونية لهذا النموذج الاستثماري نجد أن الأُسس النظامية اليوم أكثر جاهزية عن أي وقت مضى لتطبيق مثل هذه النماذج، فهناك أداتين نظاميتين تحكمان هذا النموذج، فالأداة الأولى (لائحة التصرف في عقارات الدولة) الصادرة بموجب قرار مجلس إدارة الهيئة العامة لعقارات الدولة رقم (ق/3 /15 /2022) وتاريخ 02 /03/ 1444هـ وهذه الأداة تتعلق بتنظيم الجزء الخاص بمرافق الدولة وهو محل إنشاء المساهمة، والأداة الثانية (نظام المساهمات العقارية) الصادر بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر ذي الرقم (٨٨١) لعام ١٤٤٤هـ وهذه الأداة تتعلق بتنظيم الجزء الخاص بالمساهمين أفراد المساهمة.
وقد نصت لائحة التصرف في عقارات الدولة على أربعة أشكال يجوز للهيئة العامة لعقارات الدولة التصرف في عقارات الدولة من خلالها، وهي: التخصيص، والتأجير، والاستثمار، والبيع أو المعاوضة، ونموذج تطوير شواطئ مدينة الخبر يندرج تحت التصرف بالتخصيص، وقد اشترطت المادة السادسة من اللائحة موافقة رئيس مجلس الوزراء عند تخصيص عقارات الدولة لغير الجهات الحكومية، وهنا يأتي دور الهيئة في فتح قنوات تواصل تضمن للمستثمرين قيام الهيئة بالإجراءات اللازمة للرفع لمقام رئيس مجلس الوزراء بالموافقة على تخصيص محل مساهمتهم قبل البدء بأي تكاليف للمساهمة.
أما ما يتعلق بالجزء الخاص بالمساهمين فهو منظّم في نظام المساهمات العقارية لدى الهيئة العامة للعقار، إلا أن النظام نص على أن المساهمة العقارية تتم عن طريق تملّك العقار ثم بيعه، مما يعني أن تطوير المرافق العامة والاستفادة من عوائدها بهذا الشكل غير داخل ضمن تعريف المساهمة العقارية، إذّ جاء في المادة الأولى من النظام أن المساهمة العقارية عبارة عن: مشروع تطوير عقاري يشترك فيه مجموعة من الأشخاص لأجل تحقيق منفعة، ويكون ذلك بتملك عقار وتطويره إلى سكني، أو تجاري، أو صناعي، أو زراعي وغير ذلك، ثم بيع وإنهاء المساهمة. فليس من أهداف المساهمات العقارية -وفق التعريف السابق- تطوير المرافق العامة والاستفادة من عوائها المالية، بل يهدف النظام بهذا التعريف إلى تملك العقار ثم تطويره ثم بيعه، وهنا يأتي دور مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار بإتاحة المساحة النظامية التي تسمح للمساهمات العقارية التشكّل بحسب ما يتطلبه السوق العقاري سواءٌ بالرفع للمقام السامي أو بإضافةٍ في اللائحة إن سمح ذلك، فلم يعد خيار تملك العقارات الخام وتطويرها ثم بيعها هو الخيار الأوحد اليوم، بل توسعت البلاد وقامت الأحياء وزادت الحاجة لصب تلك السيولة في تطوير المشاريع القائمة وإعادة استغلالها بما يحقق للمستثمرين عوائداً أعلى، ويعود على المدن وسكانها بجودة حياة أفضل، ويسهم في تحقيق مشاريع الدولة الطموحة.
المصدر: مال