Home تقارير مسجد السقيا بالمدينة المنورة.. موضع بركة ودعاء نبوي خالد

مسجد السقيا بالمدينة المنورة.. موضع بركة ودعاء نبوي خالد

by admin

أبنية – خاص

 تأمّّل مسجد السقيا في المدينة المنورة، حيث تتجلى ملامح التاريخ النبوي في موضعٍ شهد دعاءً مباركًا من النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة.

عند بئرٍ كانت تعود للصحابي سعد بن أبي وقاص، توضأ الرسول الكريم ورفع يديه متضرعًا بأن يبارك الله لأهل طيبة في مدّهم وصاعهم. ومنذ ذلك اليوم، بات المسجد معلمًا روحيًا وتاريخيًا يستحضر لحظة خالدة من السيرة، ويُجسد ارتباط الأرض بالسماء في مشهد تعبّدي خالد.

الأصل والتسمية النبوية

يقع مسجد السقيا في المدينة المنورة داخل حي العنبرية، ملاصقًا لمحطة سكة حديد الحجاز التاريخية، ويُعد من أقدم مساجد المدينة المرتبطة بأحداث السيرة النبوية. تعود تسميته إلى “بئر السقيا” التي كانت مملوكة للصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، والتي توضأ منها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الخروج إلى إحدى غزواته.

وقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم عند مروره بمنطقة السقيا دعا الله قائلًا: “اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم”، فاستجيب له، ومن هنا اكتسب المكان بعدًا روحانيًا خالدًا وسمّي المسجد بـ “السقيا” تيمّنًا بموقع البئر التي باركها الرسول الكريم.

البناء والتجديد عبر التاريخ

بُني المسجد لأول مرة في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، عندما كان واليًا على المدينة المنورة في أواخر القرن الأول الهجري، وهو الذي أولى عمارة المساجد اهتمامًا كبيرًا ضمن إصلاحاته في الحجاز. وكان البناء في البداية بسيطًا ومتواضعًا، لكنه حافظ على رمزيته النبوية.

شهد المسجد عمليات ترميم متكررة خلال العهد السعودي، وتحديدًا في فترات الملك عبد العزيز والملك فهد، وأُدرج لاحقًا ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية الذي يهدف إلى تأهيل المساجد ذات البعد الديني والتراثي.

المكانة الروحية في السيرة النبوية

مسجد السقيا ليس مكانًا عاديًا للصلاة، بل هو شاهد على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة بالبركة في صاعهم ومدّهم، وهو من الأدعية القليلة التي توارثتها كتب الحديث والسير وارتبطت بموقع جغرافي محدد. وقد وردت هذه القصة في مصادر مثل صحيح مسلم وسنن النسائي.

يمثل المسجد بذلك أحد الرموز المعنوية المهمة في المدينة المنورة، إذ يجمع بين البعد الجغرافي والروحي، ويُستذكر فيه مفهوم الدعاء النبوي للمدينة، مما يجعله مقصدًا للزوار الذين يحرصون على أداء ركعتين فيه، تبركًا وتأسّيًا بسُنة المصطفى ﷺ.

المعمار الفريد والطابع التراثي

على الرغم من صغر مساحته، التي لا تتجاوز 65 مترًا مربعًا، يتميز مسجد السقيا ببصمة معمارية فريدة؛ حيث يضم ثلاث قباب متجاورة، ما يجعله مختلفًا عن باقي المساجد الصغيرة في المدينة المنورة. كما يُلاحظ غياب المئذنة، وهو ما يُضفي عليه طابعًا تراثيًا خاصًا.

تُزيّن واجهته عناصر من الحجر الطبيعي والزخارف البسيطة، بما يعكس الطراز الحجازي القديم، وتم تجهيزه بمرافق خدمية محدثة تخدم الزوار من مصلين ومعتمرين، مع المحافظة على طابعه المعماري الأصلي ضمن خطة تطويره كمعلم سياحي ديني.

 دوره في السياحة الدينية والتراث الحجازي

يُشكل المسجد محطة مهمة ضمن مسار زيارة المساجد النبوية في المدينة المنورة، خصوصًا بعد ربطه بمسار “السيرة النبوية والمعالم الإسلامية” الذي أُطلق ضمن مبادرات وزارة السياحة. وقد بدأ عدد من شركات الحج والعمرة إدراجه ضمن برامجها المعتمدة للزوار القادمين من الخارج.

ختامًا، يمثل أيضًا عنصرًا تراثيًا ضمن الهوية العمرانية للمدينة، حيث يقع بجوار محطة سكة حديد الحجاز التاريخية، مما يمنحه بعدًا بصريًا وثقافيًا مميزًا. ويُخطط حاليًا لتحويل المنطقة المحيطة به إلى ساحة حضرية مفتوحة للأنشطة الثقافية والتوعوية، في إطار رؤية المملكة 2030 للحفاظ على العمق الحضاري الإسلامي.

You may also like

اترك تعليقك :