Home تقارير كيف تُسهم الأسطح الخضراء في تقليل حرارة المدن؟

كيف تُسهم الأسطح الخضراء في تقليل حرارة المدن؟

by admin

أبنية – خاص

تُعَدُّ الأسطح الخضراء من أبرز الحلول المستدامة لمواجهة ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية، التي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في المدن مقارنةً بالمناطق الريفية المحيطة. تساهم هذه الأسطح في تحسين جودة الحياة الحضرية من خلال تقليل درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز التنوع البيولوجي.

ماذا تعني الأسطح الخضراء؟
الأسطح الخضراء هي أنظمة زراعية تُقام على أسطح المباني، تتكون من عدة طبقات تشمل: غشاء مقاوم للماء، طبقة تصريف، وسط نمو (مثل التربة أو بدائلها)، وغطاء نباتي. تُصنَّف هذه الأسطح إلى نوعين رئيسيين، أولهما الأسطح الخضراء المكثفة، التي تدعم نمو نباتات متنوعة، بما في ذلك الأشجار والشجيرات، وتتطلب صيانة دورية. كذلك الأسطح الخضراء الممتدة، والتي يزرعها الإخصائيون بنباتات منخفضة النمو مثل الأعشاب، وتتميز بخفة وزنها وانخفاض تكاليف صيانتها.

أهمية الأسطح الخضراء في تقليل حرارة المدن
تلعب الأسطح الخضراء دورًا فعّالًا في تقليل درجات الحرارة داخل المدن، لا سيما في مواجهة ظاهرة “الجزر الحرارية الحضرية” الناتجة عن الامتداد العمراني واستخدام المواد الصلبة مثل الخرسانة والإسفلت. من خلال عمليات التبخر والنتح، تُطلق النباتات المزروعة على الأسطح الرطوبة في الهواء، ما يُساعد على تبريده بشكل طبيعي ويخلق مناخًا محليًا أكثر اعتدالًا. هذا التأثير البيئي لا يُسهم فقط في خفض درجات الحرارة، بل أيضًا في تحسين جودة الهواء داخل المناطق الحضرية.
علاوة على ذلك، تعمل الأسطح الخضراء كعازل حراري طبيعي، إذ تُقلل من امتصاص المباني للحرارة خلال النهار، وتحافظ على درجات حرارة داخلية أكثر استقرارًا، ما يُقلل الحاجة إلى استخدام أجهزة التكييف. كما أن الغطاء النباتي يُساهم في امتصاص أشعة الشمس وتقليل انعكاسها، مما يُخفف من تراكم الحرارة فوق الأسطح الصلبة، ويُساعد بالتالي في الحد من استهلاك الطاقة وتحسين كفاءة البنية التحتية في المدن.
تشير الدراسات إلى أن الأسطح الخضراء يمكن أن تُخفض درجات حرارة الأسطح بمقدار 1.4 إلى 4.5 درجات مئوية مقارنةً بالأسطح التقليدية، مما يُسهم في تقليل استهلاك الطاقة وتحسين الراحة الحرارية داخل المباني.

استراتيجيات تنفيذ الأسطح الخضراء
لتنفيذ الأسطح الخضراء بكفاءة واستدامة، تبدأ العملية بتحليل هيكلي دقيق للمبنى، يُحدد من خلاله مدى قدرة السقف على تحمل الأحمال الإضافية التي تنتج عن تركيب أنظمة الزراعة والري والتصريف. ويُعد هذا التحليل خطوة أساسية لتفادي الأضرار الإنشائية وضمان سلامة المبنى على المدى الطويل. بعد ذلك، يتم اختيار نوع السطح الأخضر المناسب—سواء مكثف يحتوي على نباتات كبيرة وشجيرات ويحتاج إلى صيانة عالية، أو ممتد يضم نباتات خفيفة وقليلة المتطلبات، وذلك حسب الهدف البيئي والمعماري والميزانية المتاحة للمشروع.
يلي ذلك تصميم دقيق لطبقات السطح الأخضر، بحيث يشمل النظام غشاءً عازلًا للماء، وطبقة تصريف فعالة، ووسطًا مناسبًا لنمو النباتات، بالإضافة إلى اختيار غطاء نباتي يتوافق مع مناخ المنطقة. من المهم أيضًا استخدام نباتات محلية أو متكيفة، تتحمل الجفاف وتتطلب صيانة منخفضة، مما يُقلل من استهلاك المياه ويُحافظ على استدامة النظام.
أخيرًا، لا يمكن تجاهل أهمية الصيانة الدورية لضمان فعالية السطح الأخضر على المدى الطويل. وتشمل الصيانة فحص نظام الري، تجديد التربة، تقليم النباتات، ومكافحة الآفات عند الحاجة. فبدون خطة صيانة واضحة، قد يفقد السطح الأخضر قدرته على أداء وظيفته البيئية والمعمارية بشكل فعال.

أمثلة واقعية على الأسطح الخضراء
تُعد تجربة مبنى بلدية شيكاغو في الولايات المتحدة من أبرز النماذج المبكرة التي أثبتت فعالية الأسطح الخضراء في تقليل الحرارة داخل المدن. فمنذ تركيب السطح الأخضر على المبنى، لوحظ انخفاض ملحوظ في درجات حرارة السقف مقارنة بالأسطح التقليدية، بالإضافة إلى تحسين جودة الهواء وتقليل استهلاك الطاقة في التبريد. هذه التجربة ساهمت في توجيه أنظار المدن الأمريكية الأخرى نحو اعتماد الحلول الخضراء في التصميم الحضري.
أما في كندا، فيُعد مركز فانكوفر للمؤتمرات نموذجًا عالميًا متقدمًا، إذ يحتضن واحدًا من أكبر الأسطح الخضراء في العالم بمساحة تتجاوز 2.4 هكتار. هذا السقف لا يقتصر دوره على خفض درجات الحرارة فقط، بل يضم نظامًا بيئيًا متكاملًا يشجع على عودة الحياة البرية والتنوع البيولوجي، مما يجعل منه مساحة حضرية منتجة وصحية. بالمثل، في أستراليا، يمثل مشروع “وان سنترال بارك” في سيدني تحفة معمارية بيئية بحدائقه العمودية التي تُغطي واجهات المبنى وتُساهم في تقليل امتصاص الحرارة وتحسين جودة الهواء، مع تحقيق جمالية حضرية مبتكرة.
وفي أوروبا، تُبرز مدينة بازل السويسرية مثالًا على التحول التنظيمي في دعم الأسطح الخضراء؛ إذ فرضت السلطات المحلية لوائح تُلزم بتركيب أسطح خضراء على المباني الجديدة والمُجددة. هذا التوجه الشامل نحو اعتماد البنية التحتية الخضراء أثمر عن نتائج إيجابية في خفض حرارة المدينة وتحسين البيئة الحضرية، كما رسّخ مكانة بازل كإحدى أكثر المدن التزامًا بالاستدامة الحضرية في العالم.
تُظهر الأسطح الخضراء إمكانيات كبيرة في تحسين البيئة الحضرية من خلال تقليل درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز التنوع البيولوجي. يُشجع اعتماد هذه الحلول المستدامة في تصميم وتطوير المدن المستقبلية لتحقيق بيئة أكثر صحة واستدامة.

You may also like

اترك تعليقك :