تعدُّ صناعة الإنشاءات واحدة من أكبر الصناعات في الاقتصاد العالمي، حيث تبلغ قيمتها 10 تريليونات دولار على مستوى العالم (أي ما يعادل 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي).
لكن مجال البناء يعانى منذ عقود حالة ضعف شديد في الإنتاجية، وهو ما نلاحظه مقارنة بالقطاعات الأخرى. ففي حين زادت قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية ما بين 10 و15 مرة منذ خمسينيات القرن العشرين، فلا يزال البناء متوقفًا في نفس المستوى الذي كان عليه قبل 80 عامًا.
فمجال البناء لا يزال يسيطر عليه الطابع اليدوي إلى حد بعيد، في حين حققت الصناعات التحويلية والصناعات الأخرى تقدمًا ملحوظًا في استخدام تقنيات الاستشعار الرقمية والأتمتة.
ومن الملاحظ بين الكثير من الأوساط المتخصصة أن الخرسانة المطبوعة ثلاثية الأبعاد تعدُّ حلاً ممكنًا لهذه المشاكل. كما أنه من المرجح أن تمنح هذه التقنية المهندسين المعماريين حرية في ضخ المزيد من الإبداع في تصميماتهم للهياكل الجديدة.
المشاكل التي تواجه البناء
إن البنية التحتية المدنية الحديثة تعاني مشكلات ضخمة، ذلك أن نحو 20 مليار طن من الخرسانة يستخدم سنويًا، كما أن المادة الوحيدة التي يمكن أن نستخدمها أكثر من مرة هي الماء. وعلى هذا، تتعدد المشكلات التي تواجه صناعة البناء بما في ذلك انخفاض كفاءة العمل وارتفاع معدلات الحوادث في مواقع البناء. ووفقًا لمكتب الإحصاءات الأسترالي، فإن صناعة البناء لديها أعلى معدل للإصابات المرتبطة بالعمل (59 لكل 1000 عامل).
بجانب ذلك، فهناك صعوبات فيما يتعلق بمراقبة الجودة في مواقع البناء، والمستويات العالية من انبعاثات النفايات والكربون، والزيادة الهائلة في التكاليف، فضلاً عن التحديات التي يكون مصدرها إدارة مواقع العمل الكبيرة بالتوازي مع اختفاء قطاع كبير من القوى العاملة.
وبالتالي، يمكن أن توفر التقنيات الحديثة مثل الطباعة الخرسانية ثلاثية الأبعاد حلولاً.
فوائد الطباعة ثلاثية الأبعاد
يستخدم البناء ثلاثي الأبعاد تقنيات مضافة للتصنيع، مما يعني أنه يتم إنشاء هياكل بإضافة طبقات جديدة من المواد.
فالطرق التقليدية للبناء تنطوي على صب الخرسانة في قالب، وهو ما يعرف باسم القوالب، لكن البناء الإضافي يجمع بين التقنية الرقمية والرؤى الجديدة من تقنية المواد للسماح ببناء التصميمات والأشكال الحرة دون استخدام القوالب.
ومن ثَمَّ، فإن القضاء على تكلفة تلك القوالب يعدُّ المحرك الاقتصادي الرئيسي للبناء ثلاثية الأبعاد. ذلك أنها تبنى باستخدام مواد مثل الأخشاب، إذ إن تكلفة القوالب تنخفض انخفاضًا ملموسًا بنسبة 60٪ من التكلفة الإجمالية للبناء. كما أنها تعدُّ مصدرًا مهمًا للنفايات، وذلك نظرًا لأنها يتم التخلص منها عاجلاً أو آجلاً. ووفقًا لدراسة أجريت عام 2011، فإن صناعة البناء تولد 80٪ من إجمالي النفايات في جميع أنحاء العالم.
كذلك، فإن صب الخرسانة في هذه القوالب التقليدية يحد من إبداع المهندسين المعماريين الراغبين في بناء أشكال فريدة من نوعها، ما لم يتم دفع تكاليف عالية جدًا للقالب وذلك بحسب الطلب. وبالتالي، فإن عمليات البناء المضافة يمكن أن تعزز التصميمات المعمارية. إذ لن يتم ربط تكلفة إنتاج المكون الهيكلي بالشكل المطلوب، لذلك يمكن تحرير البناء من التصميمات المستطيلة المألوفة جدًا في هندسة المباني الحالية.
ماذا يمكن أن نبني؟
يجري حاليًا استكشاف الطباعة الخرسانية ثلاثية الأبعاد من أجل استخدامها في بناء المنازل والجسور والمباني وحتى أبراج توربينات الرياح.
المنازل
يتم بناء المنزل الخرساني ثلاثي الأبعاد في غضون 24 ساعة خلال فصل الشتاء بما فيه من برودة قاسية. وفي البداية كان أول منزل من هذا القبيل يتم بناؤه في مكانه.
الجسور
لقد تم إنشاء جسر خرساني مطبوع بطول 3 أمتار لراكبي الدراجات في هولندا العام الماضي. ويحتوي هذا الجسر الذي قامت بتنفيذه جامعة “أيندهوفن للتكنولوجيا”، على أكثر من 800 طبقة، وقد استغرقت الطباعة ثلاثة أشهر.
الهياكل المعقدة
تتميز الطباعة ثلاثية الأبعاد بميزة مقارنة بأساليب البناء التقليدية حينما يتعلق الأمر ببناء أشكال غير مستقيمة، مثل الأشكال المنحنية ذات التفاصيل المعقدة.
لا يزال الأمر في البدايات
لا يزال البحث في هذا المجال في مهده. ذلك أن أكبر عقبة تواجه عملية تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد تكمن في الخرسانة نفسها. فالخرسانة التقليدية في شكلها الحالي ليست مناسبة للطباعة ثلاثية الأبعاد؛ لذلك، فإن العمل لا يزال قائمًا على تطوير بدائل جديدة ومبتكرة.
فلا يزال الباحثون يبحثون عن أنواع مختلفة من الخرسانة، إذ يجب عدم ضبط الخرسانة للطباعة ثلاثية الأبعاد عندما تكون داخل الطابعة، لكن يجب ضبطها وتعزيزها بمجرد إزالتها قدر الإمكان. وهذا النوع من الخرسانة يسمى “بناء بحسب الطلب”.
وعندما يتعلق الأمر بطباعة الخرسانة بالفعل، فإن ثمة حاجة إلى طابعات خاصة. وعادة، يجب أن يكون حجم الطابعة أكبر من المكون الذي تتم طباعته. ومع ذلك، فإن الباحثين يستكشفون الطابعات أو الروبوتات التي يمكنها أن “تسلق” أجزاء من الخرسانة المحددة فعلاً من أجل طباعة أقسام أخرى.
*المصدر: مركز سمت للدراسات