التصنيع بكميات كبيرة يمكن أن يجعل بناء الشقق أرخص وأسرع
إيريكا بارنيت
هل مستقبل البناء في المصنع بدلاً من الموقع؟
هذا ما يراهن عليه عدد من الشركات المزودة لتقنيات البناء في شمال غرب المحيط الهادئ. فالبناء مكلف جدًا، والأيدي العاملة نادرة، وقيمة الإيجارات ارتفعت. ويقول بعض مزودي التقنية، مثل: شركة “بلوكابل” Blokable، و”كاتيرا” Katerra، و”ونبلد” OneBuild، إنه بنقل جزء كبير من عملية البناء من الموقع إلى المصنع، يمكن تخفيض تكلفة بناء المباني السكنية بأكثر من النصف، أيضًا يمكن الانتهاء من المشاريع في وقت يصل إلى النصف. وبالتالي، فإذا ثبتت صحة هذا، فإن هذه الشركات وغيرها من مزودي التقنية يمكن أن تؤثر على قطاع الإسكان.
إن التكاليف الباهظة لعملية البناء، تمثل أكبر محدد يؤثر في عملية تسعير المنازل أو استئجار منزل جديد. فإذا استطاعت الوحدات المصنعة خفض تكاليف الإنشاءات، سيتمكن المقاولون من بناء المزيد من المنازل، مما يمكن من حد ارتفاع الإيجارات في المدن التي تواجه نقصًا في المساكن. كما أن خفض التكاليف العالية يؤدي إلى زيادة الأموال العامة، ما يسهم في توفير المزيد من المساكن الميسرة للأسر ذات الدخل المنخفض. وبالتالي يمكن لتقنيات البناء أن تغيِّر مفهوم الحصول على المسكن.
إن بناء وحدات جديدة يبدو عملية صعبة، حيث تعدُّ المنازل المتنقلة، التي ترتبط بشدة بالوحدات المصنعة، شكلاً شائعًا من الإسكان غير المكلف لعقود من الزمان، وأصبحت الوحدات التي تكفي لأسرة واحدة بمثابة خيارٍ رخيصٍ بشكل نسبي للذين يملكون منازل للمرة الأولى وليسوا في حاجة إلى مساحات كبيرة. لكن الجديد هنا هو: فكرة أن أساليب البناء الحديثة ستحدث ثورة في قطاع التشييد والإنشاءات برمَّته. وقد يكون هذا أمرًا صحيحًا بالنسبة للشقق – التي لم تشهد زيادة ملحوظة في إنشائها منذ عام 1945 وفقًا لمعهد ماكينزي العالمي – مما يؤدي بدوره إلى خفض تكلفة السكن في هذه العملية.
لفهم أسباب ارتفاع تكاليف المشاريع الإسكانية لا بدَّ من فهم كيف يتم بناؤها. فالمطور هو من يدير عملية البناء برمَّته، فهو الشخص الذي يقوم بتوقيع العقود، ويؤمِّن الأموال من البنوك أو المستثمرين أو الحكومات أو الوكالات الخيرية للسكن المدعوم، ويعمل على توظيف المهنيين لتصميم المشروع وبنائه. فعادة ما يقوم المطور بتحديد المقاول العام، الذي يقوم بدوره بتعيين مقاولين من الباطن، يقومون – هم أيضًا – في كثير من الأحيان بالتعاقد مع مقاولين آخرين من الباطن، وهكذا. وفي نهاية المطاف، فإن المقاول في ذيل تلك القائمة هو الذي يتولى مهمة تنفيذ العمل. كل مقاول في سلسلة البناء هذه يتحمل جزءًا من المخاطر ويلعب دورًا في رفع التكلفة.
وفي الوقت نفسه، فإن تكاليف الأيدي العاملة في البناء ترتفع بشكل كبير، وتزيد في الارتفاع في المناطق التي تعيش مدنها انتعاشًا اقتصاديًا. ووفقًا لتحليل حديث لتكاليف المشاريع السكنية، فقد أدى “النقص الحاد في كلٍّ من العمالة الماهرة وغير الماهرة في سوق البناء إلى ارتفاع التكاليف بشكل أكبر”.
إن هذا النقص من شأنه أن يرفع أجور البناء وتكلفة السكن. علاوة على ذلك، لا يمكن للعديد من عمال البناء تحمل تكاليف العيش في المدن الباهظة المعيشة التي تحتاج إلى المزيد من الإسكان، مما يخلق حلقة مفرغة من الارتفاعات التي تطرأ على الإيجارات التي تتفاقم أسعارها بسبب نقص الأيدي العاملة المحلية لبناء المنازل.
إن أساليب البناء الحديثة تقلل من تعدد مستويات المقاولين الذين يعملون من الباطن، مما يضع معظم أو كل عمليات البناء تحت سيطرة شركة واحدة تبذل كل ما في وسعها لتجعل عملية بناء المنازل أشبه بمصنع ملابس أوتوماتيكي، وأقل من ذلك أشبه بمتجر للخياطة، حيث يتم تصنيع كل قطعة ملابس حسب المواصفات المخصصة.
وتقوم بعض الشركات المزودة لتقنيات البناء بإعداد مكونات مسبقة الصنع للأبنية، حيث يمكن تجميعها سريعًا في مواقع البناء. كما تقوم شركات أخرى، بإعداد شقق مصنعة بأكملها، لا تحتاج إلا لتثبيتها في مكانها. إلا أن هذه الشركات جميعها لديها نفس المهمة التي تتمثل في تجنب الوسطاء والقضاء على العمليات التي تجعل السكن التقليدي باهظ التكلفة، حيث يقول العاملون في مجال صناعة الوحدات المصنعة إن بإمكانهم بناء مساكن بتكلفة محدودة وفي وقت أقل.
وفي سوق العقارات السكنية بأي مدينة، نجد أن بناة المنازل يتوقفون عن البناء عندما يصبح حجم المعروض من المباني أعلى من الطلب مما يخفض تكاليف الإيجار لمستويات غير ربحية. لكن عندما تكون هناك إمكانية لخفض التكاليف من خلال تقنيات البناء الحديثة، فمن المتوقع في تلك الحالة أن تحدث نقطة تحول في سوق الإيجارات؛ لتتمثل النتيجة في بناء المزيد من المنازل الجديدة، فضلاً عن انخفاض في مستوى الإيجارات. فإذا كان بمقدور تقنيات البناء المساهمة في خفض التكاليف، فإنها يمكن أن تقلل جزءًا كبيرًا من أسعار الإيجارات.
والحال نفسه ينطبق على إنتاج السكن التنموي، الذي يواجه تهديدًا مستمرًا بسبب الاحتياج الدائم للتمويل الحكومي. وبالتالي، يمكن أن يؤدي التخفيض الكبير في تكاليف البناء إلى تمكين المطورين غير الهادفين للربح من دفع المشروعات إلى الأمام بدعمٍ أقل من القطاع العام.
هل تستطيع تقنيات البناء تحقيق كل هذا؟
يتمثل هدف تقنيات البناء في تخفيض تكاليف البناء إلى النصف، وهو ما سيكون بمثابة تغيير في إمكانية تحمل تكاليف الإسكان في المدن. ذلك أن تسريع بناء المنازل من شأنه أن يؤدي إلى خفض كبير في الإيجارات والأسعار، مما يعود بالنفع على جميع السكان الذين يشترون أو يؤجرون منازل بأسعار السوق. وسيكون ذلك بمثابة دفعة قوية لمطوري مشاريع السكن الميسر غير الهادفين للربح أيضًا؛ لأنهم سيستطيعون الحصول على الدعم المالي الحكومي لإنشاء المزيد من المنازل المدعومة للأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على ما يوفره السوق.
أخيرًا، إن نقل معظم عمليات تصنيع المساكن إلى مواقع المصانع البعيدة خارج المدن الباهظة التكلفة، يمكن أن يسهم في انتقال الأيدي العاملة للعيش خارج المدن بتكلفة أقل ويحل المشكلة الشائكة المتمثلة في عدم قدرة عمال البناء على تحمل تكاليف العيش في أماكن عملهم، وهو ما يحدُّ من توافر الأيدي العاملة ويسهم في رفع تكاليف البناء، وهذا بدوره يجعل هذه المدن أكثر تكلفة على العمال للعيش بها، فبانتقالهم للعيش بقرب مصانع البناء ستقل تكلفة العيش عليهم.
* مادة مترجمة