287
إنه السؤال الذي يتردد ويتكرر مع مطلع كل عام، دون إغفال أنه السؤال الدائم الحضور بصورة يومية في حياة الباحثين عن تملك السكن بالدرجة الأولى، إضافة إلى المستثمرين والمطورين والمضاربين العقاريين، وتختلف بالطبع تطلعاتهم تجاه التوقعات المستقبلية للسوق العقارية، حسب اختلاف المصالح بكل تأكيد، فالمستهلك النهائي يطمح إلى امتلاك مسكنه بأدنى تكلفة ممكنة، وبأقل أعباء تمويل على كاهله، خاصة إذا ما كان سداد التمويل سيستغرق منه عقدين من الزمن أو أكثر، ويبحث وفقا لذلك عن الاستقطاع الأدنى من دخله الشهري، للوفاء بمتطلباته المعيشية المستمرة والمتصاعدة عاما بعد عام، وفي الوقت ذاته يبحث عن امتلاك المسكن الملائم الذي يضمن له ولأسرته الاستقرار.
في حين أن بقية الأطراف “ملاك أراض، مطورين، مضاربين” رغم وجود اختلافات جوهرية بينها، إلا أنها تلتقي عند البحث عن أعلى عائد وربح من الاستثمار في مختلف الأصول العقارية، ومن هنا يبرز التضارب الأكبر بين مستهدفات هذه الأطراف “جانب العرض”، ومن جانب آخر المستهلكين النهائيين “جانب الطلب”، ولا يمكن أن يلتقي إلا وفق قوى العرض والطلب المسيطرة في السوق، وتجدها تتقلب صعودا وهبوطا طوال الفترات الزمنية، حسبما تنتج عنه تصادمات العوامل الكامنة في قوى كل من الجانبين العرض والطلب، ولهذا يشرع للجهات المنظمة للسوق بالتدخل تنظيما في تلك العوامل سواء في جانب العرض أو جانب الطلب، والعمل المستمر بالمحافظة على توازنها، وهو المعمول به في أغلب الأسواق عموما، ودون التدخل المباشر في تحديد مستويات الأسعار، المفترض أن تترك لما ينتج عنه قوى العرض والطلب.
حتى هذا العمل المنظم المرتبط بالمحافظة على توازن قوى السوق، يتطلب في حقيقته توازنا دقيقا بالغ الحساسية، ذلك أن أي جهود أو سياسات تؤدي إلى غلبة جانب على جانب آخر، من شأنه أن يؤدي إلى إرباك توازن قوى السوق، ومن ثم ستؤدي إلى اختلال الأسعار صعودا أو هبوطا بصورة متسارعة، ففي حال تم التوسع في اتجاه تحفيز العوامل المكونة لجانب الطلب، ودون التعامل بالقدر نفسه على تحفيز عوامل جانب العرض، فالنتيجة بالتأكيد ستأتي بارتفاعات مطردة في الأسعار، وتشهد السوق تضخما مستمرا سيغري المستفيدين بالتمسك بمخزوناتهم من الأصول، سعيا إلى بيعها بأعلى سعر ممكن، خاصة متى كانت أوضاع السوق مهيأة تماما لتحقيق غايات البائعين. والعكس أيضا صحيح، حال تم تحفيز العوامل المؤدية إلى زيادة العرض من الأصول بأي شكل من الأشكال، مقابل ضعف تحفيز عوامل جانب الطلب، فالنتيجة ستأتي بالتأكيد في مصلحة المشترين/المستهلكين هذه المرة، لتأخذ الأسعار منحنى هابطا سيغري المستهلك بالبحث عن أدنى الأسعار، أو حتى انتظار وصولها إلى المستوى المقبول منه قياسا على قدرته ودخله، ويضغط في الوقت ذاته على البائعين بالبيع اليوم قبل الغد، لعلمه يقينا أن أسعار بيع اليوم أفضل من المستقبل، ليقينه أن الأسعار تتخذ مسارا هابطا.
لكن هل هذا ما يحدث فعلا في الأسواق العقارية؟ وتحديدا سوقنا العقارية المحلية؟ بالتأكيد أن الصورة على أرض الواقع تختلف كثيرا عما تقدم ذكره، وذلك لأسباب عديدة، من أهمها وأبرزها أن جانب الطلب محليا لا يتشكل فقط من المستهلكين النهائيين، حيث توجد فيه شريحة من المشترين المقتدرين ماديا بصورة لا تقارن مطلقا بالقدرة المالية التي تتوافر لدى المستهلك النهائي، وتتشكل تلك الشريحة من المشترين المقتدرين من المستثمرين للأجل الطويل، ومن المضاربين للأجلين المتوسط والقصير، وعادة ما تتركز قرارات شراء تلك الشريحتين الأبرز والأقوى ماديا على الأراضي، ومن هنا يمكن فهم لماذا تم إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي يستهدف الشريحة الأولى التي تستهدف امتلاك الأراضي دون انتفاع أو تطوير أو استخدام لآجال طويلة، ودون النظر إلى ما واجهه النظام على مستواه التنفيذي من بطء شابه طوال الستة أعوام الماضية، وتسبب في إضعاف أثره طوال الفترة الماضية، ويؤمل أن يتصاعد فترة بعد فترة ليصل إلى مستهدفاته الرئيسة مع استكمال بقية مراحله التنفيذية، وبعد معالجة أوجه القصور التي أدت إلى ضعف تأثيره في تلك الشريحة من ملاك الأراضي بمساحات شاسعة ولآجال طويلة.
أما بالنسبة للشريحة الثانية المتمثلة في المضاربين، فلا يوجد حتى تاريخه ما يقيد أو يحكم ممارساتهم المضاربية في السوق العقارية، ولعل أبرز إطار يمكن للقارئ الكريم مشاهدة عمليات تلك الشريحة، للتعرف على قوة تأثيرها في تعاملات السوق، ما هو متمثل على سبيل المثال في المزادات العقارية التي يتم عقدها بين فترة وأخرى على مخططات الأراضي في المدن الرئيسة، التي سرعان ما تنتهي خلال ساعات قليلة بتنفيذ شراء بلكات “أكثر من قطعة أرض”، ولاحقا ستجدهم يقومون بعرض تلك البلكات كقطع أراض بأسعار مضاعفة خلال أقل من عام. أيضا من المشاهد الأخرى البارزة لتعاملات المضاربين في السوق العقارية ما يتم تنفيذه من عمليات شراء وبيع وتدوير للأموال بصورة كبيرة على مخططات الأراضي في أنحاء المدن الرئيسة، ومنها على سبيل المثال مخطط الخير شمال مدينة الرياض الذي ما زال يسجل ارتفاعات قياسية على مستوى قيم الصفقات ومستوى الأسعار.
لا يستطيع أي طرف في السوق العقارية تجاهل الآثار المترتبة على قرارات أي من الشريحتين أعلاه “المستثمرين، المضاربين” على مستويات الأسعار، وأنها تشكل إضافة على عوامل أخرى “كارتفاع حجم الائتمان العقاري” دوافع كبيرة لارتفاع الأسعار بصورة مطردة، ويؤكد أهمية الاستمرار في استكمال تنفيذ الحلول اللازمة للحد من آثارها العكسية على السوق العقارية تحديدا، والاقتصاد الوطني عموما، وهو ما سيتم استكمال الحديث عنه في الجزء الثاني من هذه السلسلة من المقالات.
في حين أن بقية الأطراف “ملاك أراض، مطورين، مضاربين” رغم وجود اختلافات جوهرية بينها، إلا أنها تلتقي عند البحث عن أعلى عائد وربح من الاستثمار في مختلف الأصول العقارية، ومن هنا يبرز التضارب الأكبر بين مستهدفات هذه الأطراف “جانب العرض”، ومن جانب آخر المستهلكين النهائيين “جانب الطلب”، ولا يمكن أن يلتقي إلا وفق قوى العرض والطلب المسيطرة في السوق، وتجدها تتقلب صعودا وهبوطا طوال الفترات الزمنية، حسبما تنتج عنه تصادمات العوامل الكامنة في قوى كل من الجانبين العرض والطلب، ولهذا يشرع للجهات المنظمة للسوق بالتدخل تنظيما في تلك العوامل سواء في جانب العرض أو جانب الطلب، والعمل المستمر بالمحافظة على توازنها، وهو المعمول به في أغلب الأسواق عموما، ودون التدخل المباشر في تحديد مستويات الأسعار، المفترض أن تترك لما ينتج عنه قوى العرض والطلب.
حتى هذا العمل المنظم المرتبط بالمحافظة على توازن قوى السوق، يتطلب في حقيقته توازنا دقيقا بالغ الحساسية، ذلك أن أي جهود أو سياسات تؤدي إلى غلبة جانب على جانب آخر، من شأنه أن يؤدي إلى إرباك توازن قوى السوق، ومن ثم ستؤدي إلى اختلال الأسعار صعودا أو هبوطا بصورة متسارعة، ففي حال تم التوسع في اتجاه تحفيز العوامل المكونة لجانب الطلب، ودون التعامل بالقدر نفسه على تحفيز عوامل جانب العرض، فالنتيجة بالتأكيد ستأتي بارتفاعات مطردة في الأسعار، وتشهد السوق تضخما مستمرا سيغري المستفيدين بالتمسك بمخزوناتهم من الأصول، سعيا إلى بيعها بأعلى سعر ممكن، خاصة متى كانت أوضاع السوق مهيأة تماما لتحقيق غايات البائعين. والعكس أيضا صحيح، حال تم تحفيز العوامل المؤدية إلى زيادة العرض من الأصول بأي شكل من الأشكال، مقابل ضعف تحفيز عوامل جانب الطلب، فالنتيجة ستأتي بالتأكيد في مصلحة المشترين/المستهلكين هذه المرة، لتأخذ الأسعار منحنى هابطا سيغري المستهلك بالبحث عن أدنى الأسعار، أو حتى انتظار وصولها إلى المستوى المقبول منه قياسا على قدرته ودخله، ويضغط في الوقت ذاته على البائعين بالبيع اليوم قبل الغد، لعلمه يقينا أن أسعار بيع اليوم أفضل من المستقبل، ليقينه أن الأسعار تتخذ مسارا هابطا.
لكن هل هذا ما يحدث فعلا في الأسواق العقارية؟ وتحديدا سوقنا العقارية المحلية؟ بالتأكيد أن الصورة على أرض الواقع تختلف كثيرا عما تقدم ذكره، وذلك لأسباب عديدة، من أهمها وأبرزها أن جانب الطلب محليا لا يتشكل فقط من المستهلكين النهائيين، حيث توجد فيه شريحة من المشترين المقتدرين ماديا بصورة لا تقارن مطلقا بالقدرة المالية التي تتوافر لدى المستهلك النهائي، وتتشكل تلك الشريحة من المشترين المقتدرين من المستثمرين للأجل الطويل، ومن المضاربين للأجلين المتوسط والقصير، وعادة ما تتركز قرارات شراء تلك الشريحتين الأبرز والأقوى ماديا على الأراضي، ومن هنا يمكن فهم لماذا تم إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي يستهدف الشريحة الأولى التي تستهدف امتلاك الأراضي دون انتفاع أو تطوير أو استخدام لآجال طويلة، ودون النظر إلى ما واجهه النظام على مستواه التنفيذي من بطء شابه طوال الستة أعوام الماضية، وتسبب في إضعاف أثره طوال الفترة الماضية، ويؤمل أن يتصاعد فترة بعد فترة ليصل إلى مستهدفاته الرئيسة مع استكمال بقية مراحله التنفيذية، وبعد معالجة أوجه القصور التي أدت إلى ضعف تأثيره في تلك الشريحة من ملاك الأراضي بمساحات شاسعة ولآجال طويلة.
أما بالنسبة للشريحة الثانية المتمثلة في المضاربين، فلا يوجد حتى تاريخه ما يقيد أو يحكم ممارساتهم المضاربية في السوق العقارية، ولعل أبرز إطار يمكن للقارئ الكريم مشاهدة عمليات تلك الشريحة، للتعرف على قوة تأثيرها في تعاملات السوق، ما هو متمثل على سبيل المثال في المزادات العقارية التي يتم عقدها بين فترة وأخرى على مخططات الأراضي في المدن الرئيسة، التي سرعان ما تنتهي خلال ساعات قليلة بتنفيذ شراء بلكات “أكثر من قطعة أرض”، ولاحقا ستجدهم يقومون بعرض تلك البلكات كقطع أراض بأسعار مضاعفة خلال أقل من عام. أيضا من المشاهد الأخرى البارزة لتعاملات المضاربين في السوق العقارية ما يتم تنفيذه من عمليات شراء وبيع وتدوير للأموال بصورة كبيرة على مخططات الأراضي في أنحاء المدن الرئيسة، ومنها على سبيل المثال مخطط الخير شمال مدينة الرياض الذي ما زال يسجل ارتفاعات قياسية على مستوى قيم الصفقات ومستوى الأسعار.
لا يستطيع أي طرف في السوق العقارية تجاهل الآثار المترتبة على قرارات أي من الشريحتين أعلاه “المستثمرين، المضاربين” على مستويات الأسعار، وأنها تشكل إضافة على عوامل أخرى “كارتفاع حجم الائتمان العقاري” دوافع كبيرة لارتفاع الأسعار بصورة مطردة، ويؤكد أهمية الاستمرار في استكمال تنفيذ الحلول اللازمة للحد من آثارها العكسية على السوق العقارية تحديدا، والاقتصاد الوطني عموما، وهو ما سيتم استكمال الحديث عنه في الجزء الثاني من هذه السلسلة من المقالات.