أبنية – الرياض
ارتفع الرقم القياسي لأسعار العقارات في السعودية بنسبة واحد في المئة في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022.
وأرجعت الهيئة العامة للإحصاء في تقرير لها الارتفاع إلى التأثر بزيادة أسعار العقارات السكنية بنسبة 1.6 في المئة والعقارات التجارية بنسبة 0.1 في المئة، فيما ساهم انخفاض القطاع الزراعي بنسبة 0.4 في المئة في التقليل من ارتفاع الرقم.
وجاء ارتفاع أسعار العقارات في القطاع السكني متأثراً بارتفاع أسعار قطع الأراضي السكنية بنسبة 1.6 في المئة، على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2023.
انخفاض طفيف عن الربع الرابع لعام 2022
وكشفت الهيئة العامة للإحصاء عن انخفاض الرقم القياسي العام لأسعار العقارات للمرة الأولى بنسبة 0.1 في المئة خلال الربع الأول من عام 2023 مقارنة بالربع الرابع من عام 2022، متأثراً بانخفاض أسعار القطاع السكني بنسبة 0.2 في المئة، وذلك بسبب انخفاض أسعار قطع الأراضي السكنية التي انخفضت بنسبة 0.2 في المئة، وأسعار العمارات السكنية بنسبة 0.9 في المئة، وأسعار “الفلل” بنسبة 2.0 في المئة، وأسعار الشقق بنسبة 0.1 في المئة.
ووفقاً لنتائج النشرة انخفضت أسعار المعارض بنسبة 1.9 في المئة، كما استقرت أسعار العمارات التجارية ولم تسجل أي تغير نسبي يذكر. وسجل القطاع الزراعي انخفاضاً بنسبة 0.4 في المئة متأثراً بانخفاض أسعار الأراضي الزراعية بنسبة 0.4 في المئة.
ويعتمد المؤشر على البيانات السجلية المتوفرة لدى وزارة العدل السعودية عن الصفقات العقارية، ويعد أداة مهمة لدعم الجهات المعنية باتخاذ القرارات الاقتصادية والإحصائية المتعلقة بتحركات أسعار العقارات والتنبؤات المستقبلية خلال فترات زمنية مختلفة.
“تذبذب أسعار العقار لا يعني انخفاضها”
في السياق كشف عقاريون عن أن تذبذب أسعار العقار خلال هذه الفترة لا يعني انخفاضها لأسباب عدة، منها تضخم مواد البناء وتنامي الطلب على السكن ونظام استثمار وتملك الأجانب، إذ أكد الباحث في المجال العقاري إبراهيم السبيعي أنه “بسبب المقومات الكبرى الحالية كثبات العملة والثقة والأنشطة السياحية والاقتصادية والتنمية والتطور المتصاعد في كل الاتجاهات، فإن أسعار العقار قد لا تشهد انخفاضاً في ظل تنامي الطلب على السكن، وإعلان نظام السماح بتملك المستثمرين الأجانب، مما سيخلق توازناً في الأسعار، وقد يحدث انخفاض طفيف، خصوصاً أن وزارة الإسكان يسرت للمواطنين القروض والأراضي وقدمت التسهيلات للمطورين، الأمر الذي جعل بمقدور المواطن العادي التملك والسكن بسهولة”.
وقال السبيعي إن “من أسباب تضخم سوق العقار أيضاً مواد البناء والتشطيب والأيدي العاملة التي تمثل أكثر من 50 في المئة من قيمة الوحدة السكنية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأراضي”، مستبعداً “حدوث هبوط في أسعار العقارات وإنما تذبذب وقد تواصل الارتفاع”.
سوق العقار السعودية متشعبة وصعبة
من جهة أخرى أشار رئيس شركة “الإعمار المتقدمة” عايد الهرفي إلى أن “الحديث عن سوق العقار السعودية متشعب ومن الصعب الحكم على توجهاتها المستقبلية، بخاصة وأن ما يحكمها هو العرض والطلب، إلا أن استشراف المستقبل يعد من أسباب التذبذب التي حدثت أخيراً في أسعار العقار”. ولفت إلى أنه “لا يزال هناك طلب متزايد على العقار والإسكان بشكل تراكمي تبعاً لارتفاع النمو السكاني، في مقابل شح كبير في العرض مما أفقدها التوازن بين الطلب والعرض بشكل كبير، بالتالي قد يستمر ارتفاع الأسعار”.
ووصف الهرفي نزول أسعار بعض العقارات بالحالات النادرة والقليلة جداً، وقال إن “ما نشهده من نزول أسعار بعض العقارات والمنتجات السكنية محكوم بأسباب خاصة لا يمكن تعميمها على الواقع”. واستدرك قائلاً “لكن من حيث الإجمال يمكن حصرها في بعض النقاط التالية، أولاً مضاربة غير مدروسة تتسبب في نزول أسعار بعض المنتجات السكنية بنسبة ضئيلة”، وثانياً عدم التفريق بين السعر الخام للأراضي الكبيرة وبين الأراضي المجزأة، وهو ما ينشأ عنه اعتقاد ظني بنزول الأسعار، وهو أمر لا يعكس الواقع بتاتاً.
العقار ككرسي الأرجوحة يتأرجح لكن يزداد ارتفاعاً
من جهة ثانية وصف الكاتب الاقتصادي خالد السليمان أسعار العقار في السعودية بـ”كرسي الأرجوحة، يتأرجح لكنه يزداد ارتفاعاً”. وقال “في الحقيقة لم تنخفض أسعار العقار منذ عرفنا الحياة، فأسعار الأراضي في ارتفاع مستمر عبر عقود من الزمن، وإذا انخفضت عاودت صعودها سريعاً”، مشيرا إلى أنه “على رغم إسهام برامج الإسكان وتمويل التملك في حلحلة أزمة الإسكان إلا أن أسعار الأراضي والعقارات لم تنخفض بل ارتفعت. كما أن امتداد الأحياء السكنية الجديدة على عشرات الكيلومترات خارج النطاق العمراني السابق لم يؤد إلى أي انخفاض مؤثر في أسعار الأراضي والعقارات، بالتالي لا أدري ما إذا كان ضخ أراض جديدة سيغير شيئاً من واقع الحال أو سيزيد من الرقعة العقارية الباهظة الثمن”.
موجات تصحيح سعرية قد تمتد من عام إلى ثلاثة أعوام
من جانبه أوضح الكاتب الاقتصادي عبدالحميد العمري أن “العقار السعودي تأثر بسبب تدفقات السيولة في السوق سلبا، ودخلت السوق مرحلة من الركود إثر انكماش السيولة اللازمة للنشاط، ومن دون إغفال دور الارتفاع أو التضخم في أسعار مختلف الأصول العقارية، التي كانت قفزت قفزات قياسية خلال الفترة بين عامي 2019 و2022 مما أبعدها كثيراً عن القدرة الشرائية والائتمانية لأغلبية المستهلكين”. وقال “لكن ماذا بعد استمرار الركود لفترة أطول مما حدث طوال الفترة الماضية، بخاصة في ظل استقرار أسعار أغلب الأصول العقارية عند مستوياتها القياسية نفسها التي وصلت إليها؟”. وأضاف العمري “اعتادت الأسواق العقارية عموماً على التماسك والثبات أمام أي ضغوط تستجد عليها، لكن وفقاً للتجارب السابقة لتلك الأسواق طوال العقود الزمنية الماضية يظل لتماسكها وثباتها فترة زمنية معينة، سرعان ما تتنازل عنها لاحقاً فتدخل في موجات تصحيح سعرية قد تمتد من عام إلى ثلاثة أعوام، ثم تستقر أعواماً عدة عند مستويات عادلة سعرياً إلى أن تستجد أي تغيرات على العوامل الرئيسة المؤثرة في نشاطها، كمعدل الفائدة وحجم الطلب والإقراض والنمو الاقتصادي على رأس تلك العوامل”.
زيادة الأسعار لن تؤدي إلى ركود
في سياق متصل أكد نائب رئيس اللجنة الوطنية العقارية في اتحاد الغرف السعودية محمد المرشد أن “الزيادة في أسعار العقارات لن تفضي إلى ركود القطاع”، مشيراً إلى أن “السعودية تعيش طفرة تنموية كبرى ونمواً في جميع القطاعات وحراكاً اقتصادياً واسعاً وجاذباً لرؤوس الأموال المحلية والخارجية، وهذا النمو الواسع يعتبر محركاً لكل القطاعات، بالتالي من المستبعد أن تشهد أسواق السعودية ركوداً”.
دلالات عدة لمعالجة ارتفاع سوق العقار السعودي
وكان الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعقار المهندس عبدالله الحماد أشار في بيان سابق، إلى أن “أسعار العقار المرتفعة، فيها إشكال وليست صحية ولسنا راضين عن هذا الوضع لأنه في النهاية سلبي”. الارتفاع سلبي على الأطراف كلها وهذا معطل للاقتصاد بالتالي يفترض بالأسعار أن تنزل وهذا الذي نعمل عليه بما يحقق التوازن للقطاع العقاري”. وسبق لوزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان السعودي ماجد الحقيل أن قال الشهر الماضي إن “أسعار العقار مبالغ فيها قليلاً”، ومن المعلوم أن مثل هذه التصريحات عندما تصدر عن مسؤولي الجهات المعنية بقطاع العقار فإن لها دلالات عدة، وبذلك فإن السوق تصبح في مرحلة من الانتظار لتوجهات وقرارات تعالج جانب المبالغة بالأسعار لكي تتم المحافظة على نشاط السوق واستدامته، فالعقار ركيزة أساسية بالتنمية الاقتصادية وله أثر كبير جداً في توليد فرص العمل وجذب الاستثمارات.
وبدأت السعودية بالفعل خطوات متسارعة لمعالجة المبالغة بالأسعار في المدن حيث ارتفعت الأسعار كثيراً بالسنوات القليلة الماضية من خلال ضخ المشاريع ذات الكلفة المنخفضة بقيمة الوحدات، إضافة إلى زيادة العرض من الأراضي الذي سيظهر أثره بالسنوات القليلة المقبلة على مراحل، وكذلك التغيير بمصفوفة الدعم السكني والدراسة التي تعد لتعديلات بلائحة رسوم الأراضي. كما أن لارتفاع أسعار الفائدة دورا مهما في الحد من توجه السيولة للقطاع.
المصدر: independentarabia