Enrique Tovar
أزمة، أزمة، أزمة… وتخيل ماذا؟ المزيد من الأزمات. في كل مرة نسمع فيها هذه الكلمة، يبدو كل شيء أكثر رعبًا. لكن الأمر هو: مع كل تحدٍ يأتي فرصة. من نقص الإسكان الميسر إلى الركود الاقتصادي والطوارئ المناخية، هناك دائمًا تحدٍّ جديد يفتح الأبواب أمام إمكانيات جديدة. لكن الحقيقة هي أن لا شيء من هذه الأحداث معزول؛ كلها مترابطة بطريقة ما، تشكل جوانب مختلفة من نفس القصة. ربما واحدة من أقل القضايا التي يتم ذكرها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبيئة المبنية، هي الأزمة الغذائية العالمية، التي تنمو بصمت، في انتظار أن تأخذ مركز الصدارة. إنها تطرح تحديات متنوعة لإنتاج الغذاء في المستقبل، خاصة في المدن.
في السياق العالمي الحالي، كشفت الزيادة المتكررة في أحداث الطقس القاسية، وارتفاع النزاعات المسلحة، والدروس المستفادة من جائحة COVID-19، عن هشاشة سلسلة إمدادات الغذاء لدينا. وعلى مستوى العالم، نواجه فيضانات مدمرة، وجفاف، وتوترات جيوسياسية تعيق إنتاج الغذاء، وترفع الأسعار، وتخلق اختناقات في سلاسل الإمداد، وغالبًا ما تكون هذه الاختناقات بعيدة آلاف الأميال عن موائدنا.
فما هي البدائل؟
بينما أصبح من الشائع بشكل متزايد استخدام الشرفات، والشرفات الأرضية، والحدائق العمودية لإنتاج الغذاء، تواجه هذه الأساليب تحديات كبيرة في علاقتها مع البيئة الخارجية والبيئة المبنية. يمكن أن يجعل التلوث الهوائي والمائي في المدن، الذي غالبًا ما يكون محملًا بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية، حدائق الطعام غير آمنة للاستهلاك. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر العوامل البيئية مثل تأثير الجزيرة الحرارية على قابلية توسيع هذه الأنظمة. ويصبح أهمية هذه القضية أوضح عندما نأخذ في الاعتبار أنه يتم استهلاك 79% من الغذاء المنتج عالميًا في المناطق الحضرية، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الـFAO”. وتشير مثل هذه الإحصائيات إلى أن استراتيجيات الحدائق الحضرية هذه ستعالج فقط جزءًا من الاستهلاك الذاتي، نظرًا للنسبة المحدودة بين المساحة المأهولة والمساحة اللازمة لزراعة الغذاء.
هنا تصبح التكنولوجيا حاسمة. فمع تطوير سيناريوهات جديدة تدمج إنتاج الغذاء الحضري مع استراتيجيات المرونة لمواجهة الأزمات المختلفة، نشهد ظهور مقترحات مبتكرة. وتستفيد هذه المقترحات بشكل كامل من الإمكانات التكنولوجية، وعندما يتم دمجها مع البيئات الحضرية، تفتح طرقًا مثيرة لمواجهة التحديات المستقبلية في إنتاج الغذاء بشكل متماسك وفعَّال.
ظهور مناطق الزراعة الحضرية وشبه الحضرية داخل المدن
ليس من المستغرب أن تكون المساحة والأرض موارد نادرة بشكل متزايد، وهو أمر حاسم لأنظمة البناء التقليدية. فمع مواجهة هذه الحقيقة، قد نشهد ظهور مناطق كاملة تركز بشكل أساسي على الزراعة الهوائية. وباتباع نهج استراتيجي في تخطيط استخدام الأراضي، يمكن تخصيص هذه المناطق للزراعة، مع دمج الهياكل القائمة على الأرض والهياكل العائمة المحتملة.
تُعد الزراعة الهوائية مرافق للزراعة الحضرية تستخدم نظام زراعة غير قائم على التربة، يُعرف بالزراعة الهوائية، حيث تنمو النباتات في بيئة محكومة، مع تعليق جذورها في الهواء، وتتلقى رذاذًا دقيقًا من المغذيات والماء. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن هذه المرافق تكنولوجيا متقدمة، مثل إضاءة LED، وأنظمة مراقبة بيئية آلية، وإعادة تدوير الماء والمغذيات، مما يعزز نمو النباتات إلى الحد الأقصى. الآن، تخيل مدنًا تنتشر فيها هذه المباني المخصصة حصريًا للزراعة بكثافة. قد تستحضر ضخامتها وتعقيدها مدن إيتالو كالفينو غير المرئية. هل يمكنك تخيل التجول في المناظر الحضرية حيث كل ما تراه هو الهياكل الزراعية؟
دمج التجديد والزراعة الكهروضوئية لحلول البناء الصديقة للبيئة
يُعدُّ الاستخدام التكيفي من بين أكثر الحلول فعالية لتقليل الأثر البيئي للهندسة المعمارية. مع النظر إلى المستقبل، يتم استكشاف إمكانية استخدام جزء من المخزون المتاح من المباني لتحويلها إلى مراكز للزراعة الحضرية. ويجلب هذا النهج عدة تحديات، مثل توافق المباني مع الأنظمة التكنولوجية اللازمة لإنتاج الغذاء، ولكنه يعزز أيضًا الابتكار في التصميم المعماري.
في إطار خطة تجديد الطاقة، يمكن دمج هذه التعديلات مع أنظمة الزراعة الكهروضوئية، مما يحقق استخدامًا مزدوجًا للمساحة. وستولد الألواح الشمسية الطاقة بينما يُسمح بزراعة الغذاء من حولها، مما يزيد من استغلال المساحة ويخلق تآزرًا بين الغذاء والطاقة. ويمكن أن يؤدي الموقع الاستراتيجي لهذه المباني في المراكز الحضرية، حيث يتم ضمان الوصول للخدمات الأساسية، إلى تقصير سلسلة الإنتاج والإمداد، وبالتالي المساهمة في نموذج أكثر استدامة واقتصادية وكفاءة.
الهندسة المعمارية المبتكرة للزراعة 4.0
في النهاية، ليست الهندسة المعمارية هي التخصص الوحيد الذي يستفيد من تقدم التكنولوجيا. أيضًا، تشهد الممارسات الزراعية نموًا ملحوظًا بفضل ما يسميه الكثيرون الثورة الصناعية الرابعة، التي تشمل مجموعة متنوعة من الابتكارات التكنولوجية. على سبيل المثال، تجعل البيانات الضخمة والتحليلات من خلال الذكاء الاصطناعي من الممكن التعامل مع كميات كبيرة من المعلومات لتحليل الاتجاهات، وتوقع العوائد، وتحسين القرارات الزراعية. وقد يؤدي ذلك إلى برامج معمارية تتضمن مساحات لزراعة الغذاء وغرف خوادم داخل المزارع الحضرية ومرافق الزراعة الداخلية.
ستؤدي الروبوتات والذكاء الاصطناعي أيضًا دورًا حاسمًا في تصميم مبانينا. وبمساعدة الآلات والروبوتات، يمكن تنفيذ مهام مثل: الزراعة، والحصاد، وصيانة المحاصيل بشكل أكثر كفاءة، مما يقلل من اعتمادنا على العمالة اليدوية. ويعزز هذا النهج الزراعة الدقيقة، التي تستفيد من التكنولوجيا لتحسين استخدام المدخلات مثل: الماء، والأسمدة، والمبيدات، مما يقلل من الفاقد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تلك النفايات نفسها لتطوير مواد حيوية تساعد في تقليل الأثر البيئي إلى الصفر.
لا شك أنه مع تقدمنا نحو مستقبل يعزز فيه أزمة الغذاء كواقع، سيكون من الضروري التعامل معها بحذر ونقد ذاتي. هذا أمر ضروري، حيث ينبع كثير من الأزمات الحالية من عاداتنا في الإنتاج، والإدارة، والاستهلاك، بالإضافة إلى السياسات العامة التي فضّلت الإفراط على نهج أكثر مسؤولية. ولمواجهة هذه التحديات، سيكون من الأساسي مراجعة هذه الأنماط واعتماد ممارسات أكثر استدامة جنبًا إلى جنب مع التكنولوجيا، مما سيخفف من آثار الأزمة ويبني أنظمة أكثر مرونة للمستقبل.
سوف تحدد السياقات الاجتماعية والجغرافية والاقتصادية كيفية مواجهتنا لهذه التحديات المعاصرة. وفي هذا الصدد، يمكن أن يمارس الجنوب العالمي دورًا حاسمًا بفضل المعرفة التقليدية التي طورها حول الزراعة. وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن تثار نقاشات موازية ستدفعنا للتساؤل عن مستقبل البيئة الحضرية، أو ما إذا كانت الضواحي يمكن أن تصبح المدن الجديدة. هناك كثير من الاتجاهات الممكنة، وقد يكون من المبكر جدًا التنبؤ بما يحمله المستقبل. ومع ذلك، يجب علينا إعادة التفكير في علاقتنا مع أنظمة الإنتاج، والبيئة الخارجية، والبيئة المبنية من أجل خلق مستقبل أكثر عدلًا واستدامة.
المصدر: ArchDaily