أبنية – خاص
تُعد المباني المصممة خصيصًا لذوي الإعاقة من أبرز تجليات العمارة الشاملة، حيث تتجاوز المعايير التقليدية لتوفير بيئات تُراعي احتياجات جميع الأفراد. تُسهم هذه المباني في تعزيز استقلالية الأفراد ذوي الإعاقة، وتُوفر لهم فرصًا متكافئة للمشاركة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
من خلال اعتماد مبادئ التصميم الشامل، يمكن إنشاء بيئات تُلبي احتياجات الجميع، مما يُعزز من جودة الحياة ويُسهم في بناء مجتمعات أكثر شمولًا وعدالة.
تنص المادة 9 من هذه الاتفاقية على أن الدول الأطراف يجب أن تتخذ التدابير المناسبة لضمان وصول الأشخاص ذوي الإعاقة، على قدم المساواة مع الآخرين، إلى البيئة المادية، والنقل، والمعلومات والاتصالات، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وغيرها من المرافق والخدمات المفتوحة أو المقدمة للجمهور، سواء في المناطق الحضرية أو الريفية.
خدمة ذوي الإعاقة.. نماذج معمارية دولية تجاوزت المعايير
مركز كيلسي المدني – سان فرانسيسكو، الولايات المتحدة
يُعد مركز كيلسي المدني مشروعًا سكنيًا مبتكرًا يُجسد مفهوم “التصميم الشامل” في قلب سان فرانسيسكو. يتكون المبنى من 112 وحدة سكنية، مع تخصيص 25% منها للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يستخدمون خدمات الدعم المجتمع. تتميز الوحدات بمطابخ وحمامات قابلة للتعديل، وأرضيات مرمزة بالألوان والأرقام لتسهيل التنقل، بالإضافة إلى خدمات “الكونسيرج الشامل” التي تُساعد السكان على الاندماج في المجتمع المحلي. كما يضم المبنى مركزًا ثقافيًا لذوي الإعاقة، يُعد الأول من نوعه في الولايات المتحدة.
مركز شين هومز YMCA – كالجاري “كندا”
يقع مركز شين هومز “YMCA” في كالجاري، ويُعتبر من أكبر المراكز الترفيهية في أمريكا الشمالية. صُمم المركز ليكون شاملاً لجميع المستخدمين، حيث يضم غرف تغيير ملابس شاملة، وممرات منحدرة، ولافتات بلغة برايل، وأجهزة مساعدة سمعية. كما تم تصميمه لتحقيق شهادة “LEED” الذهبية، مع استخدام تقنيات لتقليل استهلاك الطاقة والمياه، مثل إعادة استخدام مياه الدش والمسابح في دورات المياه.
مركز المكفوفين وضعاف البصر – مكسيكو سيتي “المكسيك”
صُمم هذا المركز ليُوفر بيئة تعليمية وتدريبية شاملة للمكفوفين وضعاف البصر. يتضمن التصميم إشارات لمسية، وتغيرات في نسيج الأرضيات، ومسارات مائية تُساعد في التوجيه، مما يُعزز من تجربة المستخدمين ويُسهل تنقلهم داخل المبنى. كما يضم المركز مكتبة، وصالة رياضية، ومسبحًا، مما يُوفر بيئة متكاملة تُلبي احتياجات المستخدمين.
أبنية على طريقة تكافؤ الفرص.. التزامات عربية نحو ذوي الهمم
في العالم العربي، بدأت بعض الدول في اتخاذ خطوات ملموسة نحو تصميم مبانٍ تُراعي احتياجات ذوي الإعاقة، متجاوزةً المعايير التقليدية. فيما يلي أمثلة واقعية لهذه المبادرات:
السعودية – جامعة الملك سعود وتقييم خدمات الدعم
في المملكة العربية السعودية، قامت جامعة الملك سعود بتقييم خدمات الدعم المقدمة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة. شمل التقييم مدى توفر التجهيزات المناسبة في المباني التعليمية، وتوفير الوسائل التعليمية المساعدة، بالإضافة إلى تقييم كفاءة المدرسين في التعامل مع هذه الفئة من الطلاب. تهدف هذه الجهود إلى تعزيز الدمج التعليمي وتحقيق العدالة التعليمية.
وفقًا لهيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في المملكة العربية السعودية، بلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة والصعوبات في المملكة 1,349,585 شخصًا، أي ما يعادل 5.9% من إجمالي عدد السكان البالغ 32,175,224 نسمة، وذلك حسب التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2022. بناءًا على ذلك أصدر مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة “الدليل الإرشادي لبيئة عمل نموذجية للأشخاص ذوي الإعاقة”، والذي يُقدم إرشادات عملية للمنشآت حول كيفية تهيئة بيئات العمل لتكون شاملة ومُساندة لذوي الإعاقة. يتناول الدليل معايير الوصول الشامل، وتوفير التسهيلات اللازمة، واستخدام التكنولوجيا المساعدة، مما يُسهم في خلق بيئة عمل مُناسبة تُعزز من إنتاجية ورضا الموظفين ذوي الإعاقة.
مصر – تعزيز التعليم الشامل في المدارس الحكومية
في إطار جهودها لتعزيز التعليم الشامل، أطلقت مصر برنامجًا طموحًا لتحسين الوصول إلى التعليم الجيد للأطفال ذوي الإعاقة. يهدف البرنامج إلى تنفيذ نموذج تعليمي شامل في 153 مدرسة حكومية عبر محافظات أسيوط وسوهاج والبحيرة. يشمل هذا النموذج تطوير البنية التحتية للمدارس، وتوفير التدريب اللازم للمعلمين، وتقديم الدعم المناسب للطلاب ذوي الإعاقة. تُظهر هذه المبادرة التزام مصر بتحقيق بيئة تعليمية دامجة تُلبي احتياجات جميع الطلاب.
قطر – مركز مدى لدعم الانتقال التعليمي
أصدر مركز مدى في قطر تقريرًا حول أفضل الممارسات لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة في الانتقال من مرحلة التعليم المدعوم إلى التعليم المتقدم. يشمل التقرير توصيات حول تصميم المباني التعليمية لتكون أكثر شمولًا، وتوفير التسهيلات اللازمة لذوي الإعاقة، مما يُعزز من فرصهم في التعليم العالي والتوظيف.
تعكس هذه الأمثلة التزامًا متزايدًا في الدول العربية نحو تصميم مبانٍ تُراعي احتياجات ذوي الإعاقة، مما يُسهم في تعزيز الشمولية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
طموحات لا تعرف المستحيل
في عالم يتجه نحو مزيد من الشمولية والعدالة الاجتماعية، لم تعد المباني المصممة لذوي الإعاقة مجرّد مرافق داعمة، بل أصبحت تعبيرًا عن طموحات لا تعرف التحديات. فهذه المباني لم تعد تقتصر على توفير ممرات منحدرة أو مصاعد ناطقة، بل باتت تسعى إلى إعادة تعريف الفضاء العمراني ككل، بحيث يُصبح أكثر إنصافًا واندماجًا، ويُتيح للجميع – دون استثناء – التفاعل بحرية وكرامة مع محيطهم.
وتتجلى هذه الطموحات في تبنّي مفاهيم التصميم الشامل والذكي، الذي يُراعي اختلاف القدرات ويُدمج التكنولوجيا في بنية المبنى لخدمة المستخدمين، كأنظمة التوجيه الصوتي، والتحكم البيئي الذاتي، والإشارات اللمسية والبصرية. هذه الرؤية لا تكتفي بإزالة الحواجز، بل تبني جسورًا جديدة نحو مجتمع يتسع للجميع، ويعتبر الفروقات الفردية مصدرًا للقوة لا عائقًا.