Home تقارير تصميم مستشفيات المستقبل.. بين العناية والمرونة

تصميم مستشفيات المستقبل.. بين العناية والمرونة

by admin

أبنية – خاص 

تصاعدت التحديات الصحية وظهور أوبئة وتقنيات طبية متقدمة، أصبح من الضروري إعادة ابتكار تصميم المستشفيات لتكون أكثر مرونة وإنسانية، تدمج بين البنية الذكية، والاستدامة البيئية، وتعزيز تجربة المريض. لم يعد تصميم المستشفى يقتصر على الأداء الوظيفي، بل أصبح عنصرًا جوهريًا في الاستجابة للأزمات وتحقيق الشفاء النفسي والجسدي.

المرونة المعمارية
تتمثل المرونة المعمارية في قدرة المستشفى على إعادة تشكيل فراغاته بسرعة وفاعلية لتناسب تغيرات العلاج أو زيادة عدد المرضى أو تحديث الأجهزة، دون تكاليف باهظة أو تعطيل العمليات. تشير التجارب الحديثة إلى أن نقص هذه المرونة في بعض المستشفيات أثناء جائحة كوفيد-19، أدى لصعوبة في التوسع أو تطبيق التباعد، ما ساهم في ارتفاع نسب العدوى.
دراسة نُشرت عام 2024 من باحثين في هولندا أكدت أن غياب التصميم المرن عرقل خطط الطوارئ. لذلك توصي باستخدام غرف أحادية الإشغال ووحدات قابلة للقسم تتيح عزل المرضى وتغيير الوظائف بسرعة، ما يرفع من كفاءة النظام الصحي في الأزمات.

نماذج من الواقع
تُعد مبادرة “Bold. Forward. Unbound” في مستشفى مايو كلينك نموذجًا حيًا للمرونة، حيث شُيّدت مبانٍ بشبكة معمارية تتيح تغيير وظيفة الطوابق بالكامل حسب الحاجة. يمكن تحويل الطابق من جناح مرضى إلى وحدة تصوير أو عمليات بسهولة، بفضل تصميم يراعي التكيف مع متغيرات المستقبل.
كما يمكن لاحقًا إضافة طوابق عموديًا لتوسيع الطاقة الاستيعابية، ما يجعل هذا المشروع المتكلف 5 مليارات دولار بمثابة قاعدة صحية مرنة تخدم العقود المقبلة.

تعزيز تجربة المريض
التركيز على راحة المريض بات محورًا أساسيًا في التصميم الصحي. فالتصميم الداخلي والإضاءة الطبيعية والألوان الهادئة والهدوء، تسهم في تقليل التوتر وتحسين نتائج العلاج. الدراسات تشير إلى أن التصميم مسؤول عن نحو 35% من رضا المرضى.
يعتمد أسلوب “التصميم المرتكز على الأدلة” على توظيف الأبحاث في خلق بيئات شافية. فعلى سبيل المثال، دمج الطبيعة والضوء الطبيعي والنباتات ضمن المساحات العلاجية يساعد على تقليل الألم والإجهاد وتسريع الشفاء، كما أظهرت مراجعة منهجية عام 2024.

مفاهيم مستوحاة من الضيافة
تستلهم المستشفيات الحديثة من قطاع الفنادق من خلال توفير غرف مريحة، مسارات واضحة، مساحات عائلية هادئة، وتوفير بيئة يشعر فيها المريض بالأمان. كما يتم إشراك المرضى وذويهم في مراحل التصميم من خلال استطلاعات رأي، لضمان تلبية احتياجاتهم النفسية والوظيفية.
مستشفى كليفلاند كلينك أبو ظبي مثال حي لتصميم يتمحور حول المريض. صُمم المبنى بطريقة تتيح سهولة التنقل بتقسيمه إلى كتل حسب التخصصات، مع إضافة زخارف محلية مستوحاة من الثقافة الإماراتية لخلق بيئة مألوفة. يطبق المستشفى فلسفة “المريض أولًا”، حيث توجد إدارة خاصة لتحسين تجربة المرضى استنادًا إلى ملاحظاتهم.
التكامل التكنولوجي
المستشفى الذكي أصبح واقعًا متسارع التطور. يدمج هذا المفهوم أنظمة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات ضمن البنية التشغيلية للمستشفى. فبفضل شبكات الجيل الخامس (5G) وأجهزة الاستشعار، يمكن مراقبة المرضى لحظيًا عن بُعد، وتحليل بياناتهم الصحية لتقديم رعاية دقيقة وسريعة.
تُستخدم الخوارزميات الذكية لتحليل الصور الطبية، التنبؤ بتطورات الحالات، واقتراح خطط علاج شخصية وفقًا لمبدأ الطب الدقيق، مما يحسن جودة القرار السريري. كما تسهم تقنيات الاتصال الحديثة في تسهيل الاستشارات عن بعد والجراحات الروبوتية.
ورغم التحديات المتعلقة بالتمويل والتدريب، إلا أن الدراسات الاستشرافية تتوقع أن تصبح المستشفيات الذكية شائعة خلال العقدين القادمين، مع زيادة الاعتماد على الطب الشخصي والرعاية المتصلة بالمنزل. وهذا يتطلب تطوير مهارات العاملين بما يتوافق مع الثورة الرقمية.

نموذج تكنولوجي رائد
مستشفى تامبا العام في فلوريدا يُعد من أبرز النماذج الرقمية، وقد تم تصنيفه ضمن أفضل المستشفيات الذكية عالميًا في 2025. يتبنى المستشفى استراتيجية شاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التشخيص وتحليل البيانات السريرية. فعلى سبيل المثال، تعاون المستشفى مع شركة GE للرعاية الصحية لتحديث أنظمة التصوير الطبي، ما أدى إلى دقة وسرعة أكبر في التشخيص.
كما استفاد من تقنيات تحليل البيانات عبر التعاون مع شركة “Palantir” لتوظيف البيانات التشغيلية في إدارة الموارد والاستجابة الديناميكية للحالات، ما عزز من فعالية الأداء وأثبت ريادة المستشفى في الدمج بين التكنولوجيا والرعاية الإنسانية.

مستشفيات المستقبل تُبنى على مفاهيم مرنة تواكب المتغيرات، وتدمج بين التكنولوجيا والعمارة لتعزيز سلامة المريض وراحته. التصميم لم يعد مجرد هندسة، بل أداة استباقية تدعم استمرارية الرعاية، وتُشعر المريض بالأمان والثقة. فالمستشفى لم يعد فقط مبنى للعلاج، بل منظومة مرنة ذكية وشافية تُعزز جودة الحياة.

You may also like

اترك تعليقك :