Mikolaj Sekutowicz, Johnny Ayoub
لقد ازداد التحضر بشكل كبير في العقود الأخيرة، خاصة في المناطق ذات المناخ الجاف مثل الشرق الأوسط، حيث تضاعف عدد السكان في المدن تقريبًا منذ الستينيات، متجاوزًا متوسط التحضر العالمي البالغ 55%.
أصبحت المدن مع التوسع التقليدي، أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. والمناظر الطبيعية الخرسانية تفصلنا عن الطبيعة وتزيد من التلوث، مما يقدم مخاطر بيئية كبيرة.
ومع ذلك، وسط هذه التحديات يكمن الحل، فمن خلال دمج البنية التحتية الخضراء والزرقاء في نسيج المدينة، يمكننا مكافحة تغير المناخ وخلق بيئات حضرية أكثر صحة واستدامة.
إعادة الطبيعة إلى مدننا تتجاوز مجرد الجماليات، فهي تتعلق بتعزيز الصحة العامة الجيدة وتحويل صناعات البنية التحتية من أجل مستقبل أفضل.
تخضير الصحراء لفائدة السكان والكوكب
تُظهر مبادرات مثل مشروع الرياض الخضراء في المملكة العربية السعودية، الإمكانية الكبيرة لدمج الطبيعة في مناظر المدينة، مما يوفر فوائد لكل من السكان والكوكب.
من المتوقع أن يشمل هذا المشروع الواسع زراعة 7.5 مليون شجرة في عاصمة المملكة العربية السعودية، مما سيساهم في خفض درجة الحرارة المحيطة في المدينة بمقدار 2 درجة مئوية، وبما يصل إلى 15 درجة مئوية في المناطق الأكثر كثافة في زراعة الأشجار.
تدعم هذه التقديرات أبحاث وجدت أن زيادة الغطاء النباتي بنسبة 10% يمكن أن تقلل درجات حرارة الهواء المحيط بمقدار 2 درجة مئوية. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الانخفاض في درجات الحرارة إلى تقليل طفيف في الطاقة المستهلكة بواسطة أنظمة التبريد الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تعزز المبادرة الصحة العامة وتحسن جودة الهواء من خلال تقليل تركيز ثاني أكسيد الكربون بنسبة تتراوح بين 3% – 6%، وتقليل تركيز الغبار. كما ستزيد المساحة الخضراء للفرد إلى ما يقرب من 30 مترًا مربعًا، وهو ما يتجاوز توصية منظمة الصحة العالمية البالغة 9 أمتار مربعة، مما قد يعزز النشاط البدني ويحسن الصحة النفسية لسكان المدينة.
ولكن في بيئة جافة كهذه، كيف ستنجو وتزدهر كل هذه المساحات الخضراء الجديدة؟ أولاً، يتضمن خطة الرياض الخضراء إدخال أنواع نباتية محلية تتوافق مع البيئة المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يهدف مشروع إعادة تدوير المياه وإدارة مياه الأمطار إلى زيادة حجم المياه المعاد استخدامها يوميًا من 90 ألف متر مكعب إلى ما يقرب من مليون متر مكعب. وسيساعد هذا في التخفيف من تأثيرات الفيضانات.
عند النظر في إمكاناته لتحقيق تأثيرات طويلة الأمد على التنوع البيولوجي، فإن تخضير المدينة سيوفر دروسًا حاسمة للمنطقة كلها، في حين يحسن تجربة العيش لسكان الرياض.
تـبريد المدن من خلال تشجير المناطق الحضرية
يُعد التشجير منذ فترة طويلة وسيلة قيمة، وأساسًا لاستعادة مواطن الحياة البرية وتوفير منتجات الغابات. في السنوات الأخيرة، اكتسب أهمية أيضًا كأداة حاسمة في مكافحة تغير المناخ. فقدرته على احتجاز الكربون وفعاليته من حيث التكلفة تجعل زراعة الأشجار إجراءً أساسيًا للتخفيف من آثار تغير المناخ.
تشجير المناطق الحضرية جدير بالملاحظة بشكل خاص لتلبية الاحتياجات البيئية والمجتمعية على حد سواء. وتُبرز الأبحاث الحديثة الإمكانات الهائلة للغابات المحيطة بالمدن، تلك التي تقع على حافة المناطق الريفية والحضرية، لاستضافة ما يصل إلى 240 مليار شجرة عالميًا وتعزيز التكيف مع المناخات الدقيقة.
يمكن لإمكانات التبريد في الحدائق الحضرية في المناخات الجافة أن توفر راحة طويلة الأمد من الحرارة للسكان القريبين. لقد ثبت أن زيادة تغطية الأشجار إلى 30% في الأحياء من خلال الحدائق والممرات الخضراء، يمكن أن تخفض درجات حرارة السطح بمقدار 7 – 10 درجات مئوية.
يرتبط هذا الإجراء البسيط بمنع جزء كبير من الوفيات المبكرة الناتجة عن الإجهاد الحراري، مما يؤكد على الإمكانات الحقيقية لإنقاذ الأرواح التي تقدمها جهود تشجير المناطق الحضرية.
يظهر التشجير كأكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة لتحسين الظروف البيئية الخارجية، مما يوفر فوائد ملموسة للصحة العامة والرفاهية. بينما نسعى لتبريد مدننا والتخفيف من آثار تغير المناخ، يعتبر الاستثمار في تشجير المناطق الحضرية حلاً واضحًا وجذابًا.
تعظيم فوائد المساحات الخضراء الحضرية
لا يوفر تشجير المناطق الحضرية في المناطق الجافة مجرد الظل والجمال، بل يقدم خدمات بيئية حيوية تساهم في الصحة البيئية العامة.
عندما تصل تغطية الأشجار إلى كتلة حاسمة، تبدأ في تنظيم دورة المياه، وامتصاص الملوثات الجوية، وإزالة الكربون من الغلاف الجوي، مما يؤثر بشكل إيجابي على الظروف المناخية العامة.
يعتمد نجاح زراعة الأشجار الحضرية على عوامل مختلفة، خاصة عند دمجها بالنظام البيئي الأوسع. ويُعد النظر بعناية في نتائج التنوع البيولوجي وعوامل تصميم النظام البيئي أمرًا ضروريًا عند التخطيط وتنفيذ برامج التشجير الحضري، لضمان فعالية التدخل وتحقيق جميع الفوائد بشكل كامل.
في معركة مكافحة التصحر، تؤدي الأشجار دورًا حاسمًا من خلال إثراء التربة بالنيتروجين عبر جذورها، مما يعزز نمو الميكروبات والفطريات الأساسية التي تحافظ على صحة التربة وخصوبتها.
تستفيد ممارسات تصميم النظم البيئية المبتكرة، مثل “طريقة مياواكي”، من العلاقات التكافلية بين الأنواع المحلية، مما يقلل من متطلبات الصيانة ويعزز التنوع البيولوجي وإمكانات احتجاز الكربون، خاصة في المناطق التي تعاني نقص المياه.
علاوة على ذلك، يمكن أن تزيد الأسطح النفاذة من تخفيف مخاطر الفيضانات، كما يتضح من مفهوم المدينة الإسفنجية الذي بدأ في المدن الصينية ويُطبق في جميع أنحاء العالم.
من خلال إعادة توجيه جريان المياه إلى أنظمة التخزين تحت الأرض عبر حلول قائمة على الطبيعة، أحرزت مدن مثل: بايتشنغ، تشيانان، جيان، وشيشيان تقدمًا كبيرًا نحو تحقيق أهداف امتصاص المياه.
مع مرور الوقت، ستخفف أنظمة إدارة مياه الأمطار العبء عن أنظمة الري، مما يعود بالفائدة على الحدائق العامة والمناطق المشجرة على حد سواء.
مدن إيجابية للطبيعة من أجل مستقبل مستدام
يُعد الفهم الدقيق للتأثير البيئي والاجتماعي والاقتصادي لمشاريع التشجير واسعة النطاق، مثل مبادرة الرياض الخضراء، أمرًا ضروريًا للمحاسبة الشفافة على فوائدها. وبذلك يمكن للمدن أن تصدق على تقدمها في تحقيق أهداف صافي الصفر والأهداف الإيجابية للطبيعة.
التقرير الجديد بعنوان “المدن الإيجابية للطبيعة: إرشادات للانتقال في المدن” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع أوليفر وايمان، يوضح الخطوات الرئيسية التي يمكن للمدن اتباعها لجني فوائد الانتقال الإيجابي للطبيعة.
وفقًا لهذه الإرشادات، يمكن للمدن أن تصبح وكلاء تغيير رائدين من خلال:
• الالتزام بالعمل من أجل مصلحة الطبيعة وتركها في حالة أفضل مما كانت عليه من قبل، سواء داخل حدود المدينة أو خارجها.
• ترجمة هذا الالتزام إلى أهداف رسمية وأهداف واضحة تستند إلى العلم ومفصلة في استراتيجية للطبيعة.
• تنفيذ الإجراءات لتحقيق الأهداف المحددة، ومراقبة تأثيرها والإبلاغ عنه.
ستكون المدن الإيجابية للطبيعة هي تلك التي تلهم تحولًا حضريًا عالميًا يراعي الطبيعة لحماية المدن وسكانها، وبناء عالم أفضل للجميع.
المصدر: مركز سمت للدراسات