Home تقارير التصميم الوحشي.. جسر الحاضر نحو الكلاسيكية الفرنسية القديمة

التصميم الوحشي.. جسر الحاضر نحو الكلاسيكية الفرنسية القديمة

by admin

أبنية – خاص

يُعتبر التصميم الوحشي “Brutalism” أحد الأساليب المعمارية التي نشأت في منتصف القرن العشرين، وتميز بتركيزه على المواد الخام والتصاميم الجريئة. ورغم ارتباطه بالحداثة، إلا أن جذوره تمتد إلى الكلاسيكية الفرنسية القديمة، مما يجعله جسرًا يربط بين الماضي والحاضر في عالم التصميم.

التصميم الوحشي والكلاسيكية الفرنسية

التصميم الوحشي، المعروف أيضًا بالعمارة الوحشية، هو أسلوب معماري نشأ في منتصف القرن العشرين، ويتميز باستخدام المواد الخام مثل الخرسانة المكشوفة، والأشكال الهندسية الجريئة، والتركيز على الوظيفة العملية للمباني. يُشتق مصطلح “الوحشي” من الكلمة الفرنسية “béton brut”، التي تعني “الخرسانة الخام”، وقد استخدمها المعماري لو كوربوزييه لوصف استخدامه للخرسانة غير المعالجة في تصاميمه.

على الرغم من حداثة التصميم الوحشي نسبيًا، إلا أنه يستلهم بعض جوانبه من العمارة الكلاسيكية الفرنسية. فالتركيز على البساطة والوظيفية يمكن ملاحظته في العديد من المباني الفرنسية القديمة، حيث كانت الهياكل تُبنى لتكون عملية ومتينة، مع استخدام الأشكال الهندسية البسيطة والمتناسقة. كما أن استخدام المواد المحلية والطبيعية كان سمة بارزة في تلك الفترة، حيث تم الاعتماد على الموارد المتاحة محليًا مثل الحجر والخشب في البناء.

هذا التداخل بين التصميم الوحشي والعمارة الكلاسيكية الفرنسية يعكس تقديرًا للمواد الخام والوظيفية في التصميم، مع التركيز على الجمالية البسيطة والعملية في آن واحد.

السمات الرئيسية للتصميم الوحشي

يتميز التصميم الوحشي باستخدامه للمواد الخام في حالتها الطبيعية، حيث تُترك الخرسانة المكشوفة دون أي تشطيب أو زخرفة، ويُستخدم الفولاذ والزجاج والخشب غير المعالج لتعزيز الإحساس بالصدق المادي. هذا النهج يمنح المباني طابعًا صلبًا ومتجذرًا في بيئتها، حيث يُبرز الملمس الخام والتكوينات القوية للمواد المستخدمة، مما يخلق جمالية فريدة تستمد قوتها من البساطة والمتانة.

تتبنى العمارة الوحشية أشكالًا هندسية جريئة ومباشرة، حيث تعتمد التصاميم على كتل ضخمة وزوايا حادة، مع تجنب التفاصيل المعقدة أو الزخرفية غير الضرورية. يظهر ذلك في الهياكل الخرسانية الصلبة التي تبدو وكأنها منحوتات ضخمة داخل المشهد الحضري، مما يمنح المباني حضورًا بصريًا قويًا. هذه الأشكال تُعبّر عن الفلسفة الجوهرية للحركة الوحشية، حيث يُبرز التصميم الصلابة والاستمرارية ويعكس القوة البنائية في أبهى صورها.

يركّز هذا الأسلوب على الوظيفية والعملية في التصميم، حيث يتم التخلص من أي عناصر جمالية غير ضرورية لصالح الاستفادة القصوى من المساحات. تعكس المباني الوحشية فلسفة “الشكل يتبع الوظيفة”، مما يجعل كل عنصر معماري يخدم غرضًا محددًا دون إضافات زائدة. يتم تعزيز الإحساس بالمساحات المفتوحة والعملية، حيث يعتمد التصميم الوحشي على توفير بيئات تعكس القوة والبساطة في آنٍ واحد، مما يجعله أسلوبًا يجمع بين الجمال الخام والكفاءة العملية.

نماذج عالمية للتصميم الوحشي

يُعتبر مبنى البرلمان البريطاني “The National Assembly Building” في لندن ومبنى جامعة إيست أنجليا  University of East Anglia” في نورويتش، المملكة المتحدة، من الأمثلة البارزة على التصميم الوحشي. يتميز كلا المبنيين بواجهات خرسانية مكشوفة وأشكال هندسية جريئة، مما يعكس الطابع المميز لهذا النمط المعماري.

أما كاتدرائية متروبوليتان “Metropolitan Cathedral” في ليفربول، إنجلترا، ومبنى وزارة التعليم في ريو دي جانيرو “Ministry of Education Building” في البرازيل، فيُظهران تصميمًا وحشيًا فريدًا. تتميز الكاتدرائية باستخدام جريء للخرسانة والزجاج، بينما يُعتبر مبنى وزارة التعليم من أوائل المباني التي تبنّت التصميم الوحشي في أمريكا الجنوبية، مما يعكس التوجه المعماري الحديث في تلك الفترة.

دمج التصميم الوحشي في التصميم الداخلي الحديث

في الوقت الحاضر، يُعاد إحياء التصميم الوحشي في التصميم الداخلي، مع تعديلات تتناسب مع الاحتياجات المعاصرة. يتم ذلك من خلال استخدام قطع أثاث بخطوط نظيفة وبسيطة، مصنوعة من مواد طبيعية مثل الخشب غير المعالج والجلود. كما يُعتمد على لوحة ألوان محايدة، مع التركيز على الظلال الرمادية والبيج، وإضافة لمسات من الألوان الدافئة لإضفاء الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم الإضاءة الطبيعية قدر الإمكان، مع توظيف مصابيح ذات تصاميم بسيطة لتسليط الضوء على جمال المواد الخام.

التحديات والحلول في التصميم الوحشي

قد يواجه المصممون بعض التحديات عند تبني التصميم الوحشي، مثل الشعور بالبرودة في المساحات الداخلية. للتغلب على ذلك، يمكن إضافة عناصر دافئة مثل السجاد، والوسائد، والنباتات الداخلية. كما أن استخدام المواد الخام يتطلب صيانة دورية للحفاظ على مظهرها وجودتها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التركيز على الأشكال الهندسية والمواد الصلبة إلى خلق بيئة قاسية؛ لذا يُنصح بموازنة ذلك بإدخال عناصر ناعمة وملونة لتحقيق توازن بصري وبيئي مريح.

من خلال فهم عميق لمبادئ التصميم الوحشي وتطبيقها بمرونة، يمكن للمصممين خلق مساحات داخلية تجمع بين الجمال الوظيفي والدفء، مع الحفاظ على الطابع الجريء والمميز لهذا النمط المعماري.

يُعد التصميم الوحشي تجسيدًا للتوازن بين البساطة والجرأة، وبين الحداثة والأصالة. ومن خلال فهم أصوله وتطوره، يمكن للمصممين تبني هذا الأسلوب بطرق مبتكرة تعكس روح الكلاسيكية الفرنسية القديمة في سياق معاصر.

You may also like

اترك تعليقك :