أبنية – خاص
في ظل تصاعد الحاجة إلى تقنيات مبتكرة تقلل من الأثر البيئي للبناء، يُنظر إلى الكربون المحتجز اليوم كأحد المكونات التي قد تُحدث تحولًا جذريًا في تصميم وتنفيذ المباني. لا يقتصر دوره على كونه انبعاثًا يجب التخلص منه، بل بات يُستثمر كمادة خام لبناء المستقبل. وعندما يُدمج مع مبادئ البناء الذكي والمستدام، يصبح الكربون المحتجز محفزًا حقيقيًا لتطوير مبانٍ أقل تلوثًا وأكثر كفاءة ومرونة في مواجهة التغير المناخي.
تعزيز كفاءة الطاقة في المباني الذكية
تمثل المباني الذكية الجيل التالي من البنى المعمارية، حيث تُدار عناصرها الحيوية مثل الإضاءة، والتكييف، والأمن، بواسطة أنظمة رقمية قادرة على التفاعل مع البيئة والاحتياجات المتغيرة. في هذا الإطار، يُمكن أن يؤدي استخدام مواد عازلة مطورة من الكربون المحتجز إلى تقليل التسرب الحراري بشكل كبير، وبالتالي تقليل الاعتماد على التبريد والتدفئة.
وقد بدأت بعض المشاريع التجريبية في أوروبا وآسيا باعتماد مركبات كربونية نانوية في مواد العزل الذكية، مما أدى إلى تحسين كفاءة الطاقة بنسبة تتجاوز 30% مقارنة بالمواد التقليدية. هذا النوع من المواد ليس فقط فعالًا في الأداء، بل يُسهم أيضًا في تقليل الانبعاثات على مدار دورة حياة المبنى، بما في ذلك أثناء التشغيل والاستخدام.
تطوير مواد بناء ذكية ومستدامة
يُمكن أن يُستخدم الكربون المحتجز لتصنيع مواد بناء تفاعلية مثل الخرسانة ذاتية الشفاء، أو الطلاءات الذكية التي تغير خصائصها تبعًا للظروف المناخية. تحتوي هذه المواد على عناصر نشطة – منها الكربون المعاد تدويره – تُمكّنها من التفاعل تلقائيًا مع البيئة المحيطة، سواء من خلال إصلاح التشققات أو تحسين العزل عند ارتفاع الحرارة.
على سبيل المثال، طورت شركة“BASF” الألمانية مواد إسمنتية تدخل فيها مركبات كربونية ماصة للرطوبة، تعمل على ضبط مستوى الرطوبة داخل الغرف بشكل طبيعي. كما أن بعض الشركات الناشئة في كندا وأستراليا بدأت بإنتاج طوب كربوني يُعاد تشكيله تلقائيًا عند تعرضه للتلف، ما يطيل عمر المواد ويوفر نفقات الصيانة الدورية.
دعم الاقتصاد الدائري في قطاع البناء
يتماشى إدماج الكربون المحتجز في مواد البناء مع مفهوم الاقتصاد الدائري، الذي يهدف إلى إبقاء الموارد قيد الاستخدام لأطول فترة ممكنة، وتقليل الفاقد. فمن خلال إعادة استخدام ثاني أكسيد الكربون في تصنيع المواد، يتم الحد من استهلاك المواد البكر وتقليل النفايات الصناعية.
تُشير تقارير “World Green Building Council” إلى أن تطبيق نماذج الاقتصاد الدائري في قطاع البناء يُمكن أن يُقلل الانبعاثات العالمية بنسبة 38% بحلول عام 2050. وذلك يشمل إعادة استخدام الهياكل المعدنية، وتوظيف الخرسانة المعالجة بالكربون، وتدوير الغازات الصناعية في إنتاج مواد عزل ودهانات ذكية.
الممارسات السابقة، لا تقلل فقط من الأثر البيئي، بل تُولّد كذلك سلاسل قيمة جديدة، وتُفتح فرصًا استثمارية في مجال الابتكار المعماري.