أبنية – خاص
في عالم اليوم المتسارع والمليء بالتحديات، تعد الاستدامة في القطاع العقاري أمرًا حيويًا لا غنى عنه. فالبناء المستدام ليس مجرد اتجاه عابر، بل هو استراتيجية طويلة الأمد تحقق فوائد كبيرة على جميع المستويات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. فمن الناحية الاقتصادية يسهم البناء المستدام في تخفيض التكاليف التشغيلية للمباني على المدى الطويل، مما يعزز الربحية والاستقرار المالي للشركات العقارية، كما يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في تقنيات البناء الخضراء.
أهمية البناء المستدام
في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه العالم اليوم، يجمع الخبراء على أهمية تبني مفهوم البناء المستدام كأحد الحلول الأساسية للتصدي لهذه التحديات، ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي تجعل من البناء المستدام ضرورة ملحة في عصرنا الحالي.
بناء مستدام
في ظل تنامي الوعي البيئي وتزايد التحديات المرتبطة بتغير المناخ والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية، يبرز دور البناء المستدام كحل استراتيجي لمواجهة هذه التحديات. كما يشكل البناء المستدام خيارًا حكيمًا للشركات العقارية، حيث يقدم فوائد متعددة على المدى الطويل. فعلى الصعيد البيئي يسهم البناء المستدام بشكل كبير في الحد من انبعاثات الكربون، وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية كالمياه والطاقة، هذا الأمر يعزز الجهود العالمية للحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، والتي باتت ضرورة ملحة في عصرنا الحالي. أما على الصعيد الاجتماعي، فيوفر البناء المستدام بيئات معيشية صحية وآمنة للسكان. كما يسهم في تعزيز جودة الحياة وزيادة الرضا والإنتاجية، علاوة على ذلك، فهو يشكل نموذج قيم للممارسات المسؤولة اجتماعيًا وبيئيًا. ويعد البناء المستدام استثمارًا حكيمًا في المستقبل لشركات العقار، حيث يوفر فوائد متعددة الأبعاد وعلى المدى الطويل. كما أنه ليس الخيار الأمثل فقط، بل هو الضرورة الملحة في عصرنا الحالي.
الفوائد الاقتصادية
تسهم المباني المصممة وفقًا لمبادئ الاستدامة في تقليل استهلاك الطاقة والمياه، مما يؤدي إلى خفض ملحوظ في فواتير الخدمات، وتصبح العقارات المصممة بشكل مستدام أكثر جاذبية للمستثمرين والمشترين، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع قيمتها السوقية على المدى الطويل، بالإضافة إلى اهتمام الحكومات بالبناء المستدام؛ ولهذا تقدم العديد من الحكومات حوافز مالية لشركات العقار التي تشيد مبانٍ مستدامة، مثل تخفيضات الضرائب أو الإعفاءات الجمركية. علاوة على ذلك، يهتم الكثير من المستأجرين بالعيش في بيئة مستدامة وصديقة للبيئة، مما يشجعهم على دفع إيجارات أعلى مقابل العقارات التي تلبي احتياجاتهم.
الفوائد البيئية
يسهم البناء المستدام في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يساعد في مكافحة تغير المناخ وحماية البيئة، ويقلل استخدام المواد المستدامة في البناء من استهلاك الموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة، وهو ما يُساهم في الحفاظ عليها للأجيال القادمة. وتعمل المباني المصممة بشكل مستدام على تحسين جودة الهواء داخل وخارج المبنى، مما يعزز صحة ساكنيه.
الفوائد الاجتماعية
توفر المباني المصممة بشكل مستدام بيئة صحية وآمنة لسكانها من خلال تحسين جودة الهواء والضوء الطبيعي ووجود مساحات خضراء، كما تعزز من رفاهية المجتمع من خلال توفير أماكن ترفيهية ومساحات خضراء تشجّع على التفاعل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، تعد الشركات التي تبني وفقًا لمبادئ الاستدامة أكثر مسؤولية وموثوقية في نظر الجمهور، مما يحسن من صورتها العامة.
بيئة صحية آمنة
يعد البناء المستدام استثمارًا ذكيًا وحكيمًا تقوم به شركات العقار، لأنه يحقق فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية هائلة. وفي ظل ازدياد وعي المستهلكين بأهمية الاستدامة، فإن المباني المصممة بشكل مستدام ستكون الأكثر طلبًا في السوق، وهذا ما يتيح لشركات العقار التي تبادر إلى تبني هذه الممارسات فرصًا واعدة للنمو والازدهار على المدى الطويل.
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية والبيئية، فإن البناء المستدام يُسهم أيضًا في تحسين الصحة العامة لسكان المباني من خلال تقليل التعرض للمواد الضارة والمُسببة للحساسية. كما أنه يوفر بيئة عمل أكثر إنتاجية ومُحفّزة للموظفين. لذا، فإن على شركات العقار التي تطمح إلى تحقيق النجاح على المدى الطويل، أن تجعل ممارسات البناء المستدام جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها؛ فذلك سيُمكّنها من الاستفادة من الفرص الواعدة التي يوفرها هذا النوع من البناء.
كيف تستفيد شركات العقار؟
في ظل التوجه العالمي المتزايد نحو تبني مفاهيم البناء المستدام، باتت شركات العقار أمام فرصة كبيرة للاستفادة من هذا الاتجاه والحصول على العديد من المزايا والفوائد.
على صعيد السوق العقاري، يعد البناء المستدام أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر في قرارات المستهلكين عند اختيار وحدات سكنية أو تجارية. فالعملاء أصبحوا أكثر وعيًا بأهمية الاستدامة البيئية، ويولون اهتمامًا متزايدًا للخصائص الخضراء والصديقة للبيئة عند اتخاذ قرارات الشراء أو الإيجار. كما أن تبني ممارسات البناء المستدام يسهم في خفض تكاليف التشغيل والصيانة للمباني على المدى الطويل، مما يُعزّز من قيمة العقارات ويرفع من جاذبيتها للمستثمرين والمشترين على حد سواء. علاوة على ذلك، فإن الالتزام بمعايير البناء المستدام يمنح شركات العقار ميزة تنافسية في السوق، ويعزز من سمعتها كشركات مسؤولة بيئيًا وتعمل على تحقيق التنمية المستدامة. ومن ثم، فإن تبني مفهوم البناء المستدام يمثل فرصة هامة لشركات العقار للارتقاء بأدائها وتعزيز مكانتها في السوق، واستقطاب شريحة متنامية من المستهلكين المهتمين بالحفاظ على البيئة.
تحديات تواجه شركات العقار
في ظل التوجه العالمي المتزايد نحو الاستدامة البيئية والممارسات الخضراء، باتت شركات العقار أمام مخاطر كبيرة في حال عدم تبنيها لمفاهيم البناء المستدام. على صعيد السوق والطلب، يعد البناء المستدام أحد المحددات الرئيسية التي تؤثر في قرارات المستهلكين عند البحث عن وحدات سكنية أو تجارية. فالمستهلك اليوم أصبح واعيًا بأهمية الاستدامة البيئية، ويضع ذلك ضمن أولوياته عند الإيجار أو الشراء.
وعلى ذلك، فإن إغفال شركات العقار لتبني ممارسات البناء المستدام سيعرضها لخطر فقدان حصتها في السوق وتراجع مبيعاتها وإيراداتها، لصالح منافسين أكثر استجابة لتوجهات المستهلكين. كما أن عدم المواءمة مع معايير البناء المستدام قد يحرم هذه الشركات من الحصول على التمويلات والدعم الحكومي والشهادات البيئية، التي باتت تشكل حوافز هامة للمشاريع العقارية الصديقة للبيئة. وعلى صعيد السمعة، فإن غياب الاهتمام بالاستدامة البيئية في مشاريع البناء قد يضعف من صورة الشركة وسمعتها لدى الجمهور، ويعرضها لانتقادات واتهامات بعدم المسؤولية تجاه البيئة.
لذا، فإن عدم مواكبة شركات العقار لاتجاهات البناء المستدام يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستمرارية أعمالها وتنافسيتها في السوق، ويفرض عليها ضرورة المبادرة بتبني هذه الممارسات الحديثة.
اهتمام السعودية بالبناء المستدام
تتزايد أهمية الاستدامة في المملكة العربية السعودية، حيث تسعى المملكة إلى تقليل اعتمادها على النفط وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، باعتباره أحد أهم مجالات الاستدامة؛ إذ يسهم في تقليل استهلاك الطاقة والمياه والموارد الطبيعية، وتحسين جودة الهواء، وخلق بيئة صحية للمعيشة والعمل. وبفضل هذه الجهود المتواصلة، باتت السعودية واحدة من أكثر الدول التزامًا بمبادئ الاستدامة في قطاع البناء والتشييد على مستوى المنطقة، وتشكل هذه الريادة السعودية في هذا المجال نموذجًا يحتذى به على الصعيد الإقليمي والعالمي.
مشاريع رائدة
على وقع ازدياد الوعي بأهمية التنمية المستدامة وحماية كوكبنا، تشهد المملكة العربية السعودية نهضة ملحوظة في مجال الاستدامة البيئية، وتجسد هذه النهضة باقة من المشاريع الرائدة التي تصمّم وفق أعلى معايير الاستدامة، تاركة بصمة خضراء على خارطة المملكة.
وفي مقدمة هذه المشاريع، يبرز مركز الملك عبدالله المالي كأول مركز مالي في العالم يحصل على شهادة LEED البلاتينية، وهي أعلى شهادة في مجال البناء المستدام. ويعد المركز نموذجًا يحتذى به في مجال الاستدامة، حيث تم تصميمه لتقليل استهلاك الطاقة والمياه، وتعزيز استخدام الموارد المتجددة، وخلق بيئة صحية لمرتادي المركز.
وتتبع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية خطى مركز الملك عبدالله المالي، لتصبح أول جامعة في العالم تبنى وفق معايير LEED البلاتينية. وتجسد الجامعة التزام المملكة بتوفير تعليم مستدام يراعي البيئة، من خلال تصميم مبانيها لتقليل استهلاك الطاقة والمياه، وتعزيز استخدام الطاقة الشمسية، وخلق بيئة تعليمية صحية وفعالة.
وإلى جانب هذين الصرحين تثري شركة البحر الأحمر جهود الاستدامة في المملكة بحصولها على أعلى تصنيف LEED لوجهة البحر الأحمر. وتُعدّ هذه الشهادة بمثابة اعتراف عالمي بالتزام الشركة بأعلى معايير الاستدامة في تصميم وتطوير مشاريعها السياحية، وهو ما يسهم في حماية البيئة البحرية وتعزيز السياحة المستدامة في المملكة.
وتمثّل هذه المشاريع خطوة هامة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المملكة وتجسد التزامها الراسخ بحماية البيئة وتعزيز الاستدامة في مختلف المجالات. كما تلهم هذه المشاريع الأفراد والمؤسسات الأخرى للمشاركة في الجهود الرامية إلى خلق مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.
مستقبل البناء
في ظل التوجهات العالمية المتزايدة نحو الاستدامة البيئية والممارسات الخضراء، باتت شركات العقار مدعوة بشكل ملح إلى تبني مفاهيم البناء المستدام لضمان استمرارية أعمالها وتعزيز تنافسيتها في السوق. فالبناء المستدام لا يعد مجرد خيار اختياري، بل هو ضرورة حتمية لمواكبة توجهات المستهلكين وحماية سمعة الشركات وفتح آفاق التمويل والدعم الحكومي. كما أنه يُسهم في خفض الانبعاثات الكربونية وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، مما يجعله محورًا أساسيًا في مساعي الحفاظ على البيئة.
وفي هذا السياق، تبدي المملكة اهتمامًا كبيرًا بقضايا الاستدامة البيئية وتوجه شركات البناء والتطوير العقاري إلى تبني ممارسات صديقة للبيئة، فقد أطلقت الحكومة برامج وحوافز لتشجيع المشاريع العقارية المستدامة، كما سنت تشريعات وأنظمة بيئية صارمة لضمان الالتزام بمعايير الاستدامة.
وتعد مبادرة “مستقبل الأبنية” التي أطلقتها الهيئة السعودية للمدن والمناطق السكنية والتطوير العمراني خير مثال على هذا الاهتمام، فهي تهدف إلى تحويل 50% من المباني في المملكة إلى مبانٍ خضراء بحلول عام 2030، من خلال توفير الدعم الفني والتمويلي للشركات العقارية.
لذا، فإن إهمال شركات العقار لجوانب الاستدامة البيئية في مشاريعها سيُعرضها لمخاطر كبيرة على المدى البعيد، بينما التزامها بتطبيق معايير البناء المستدام سيُعزز من قدرتها التنافسية ويُحافظ على استمرارية أعمالها في ظل المتغيرات العالمية والتوجهات الوطنية في هذا المجال.