أبنية – خاص
تُعد المطارات موانئ جويّة تربط العالم ببعضه، وتجسد جسورًا بين الشعوب والأماكن. يُعد بناء المطار عملية استراتيجية تعتمد على التخطيط الدقيق، التصميم الهندسي، وتنفيذ مشروعات معقدة لتلبية احتياجات النقل الجوي المتنامية. هذا الفن المعماري المتقدم يجمع بين الابتكار واللوجستيات لضمان تجربة سفر آمنة ومريحة.
العوامل المؤثرة في بناء المطارات
1. حجم وتعقيد المطار: تحتاج المطارات الكبيرة، التي تضم مدارج متعددة ومبانٍ طرفية واسعة، إلى تخطيط مستفيض ووقت أطول لإنجازها.
2. الموافقات التنظيمية: تستلزم مشروعات المطارات الحصول على تصاريح من السلطات المعنية لضمان الامتثال للمعايير الدولية والمحلية.
3. التحديات البيئية: تتطلب مشاريع الموانئ الجوية الالتزام بإجراءات تقليل التأثيرات البيئية كخفض الضوضاء وحماية الموائل الطبيعية.
4. التحديات التمويلية: يتطلب بناء المطار ميزانيات ضخمة وخطط تمويل واضحة، وقد تؤدي القيود المالية إلى تنفيذ المشروع على مراحل.
5. الظروف الجوية والمشكلات غير المتوقعة: تعرقل الطقس القاسي أو اكتشافات أثرية أو نزاعات عمالية أحيانًا سير العمل.
خطوات تدشين المطارات
1. الدراسة التمهيدية: يشمل تحليل الحاجة لمطار جديد أو توسيع قائم، ودراسة الجدوى الاقتصادية والبيئية.
2. اختيار الموقع: يُراعى الموقع المناسب بناءً على العوامل الجغرافية والاقتصادية والبيئية.
3. التصميم والتخطيط الرئيسي: يشمل تصميم المدرجات، المحطات، والبنية التحتية باستخدام توقعات نمو الحركة الجوية.
4. استملاك الأراضي: تُنفذ إجراءات شراء الأراضي لضمان المساحة الكافية لتنفيذ الخطة.
5. التعاقد والبناء: يتم اختيار المقاولين عبر مناقصات تنافسية، ويتم تنفيذ المشروع وفق المخططات.
6. ضمان الامتثال والتنفيذ: تشمل هذه الخطوة تقييم الأثر البيئي والحصول على التصاريح اللازمة قبل بدء الإنشاءات.
تطور بناء الموانئ الجويّة
1. بساطة الحقب الأولى: بدأت المطارات كحقول طيران بسيطة مع مدارج غير مهيأة ومرافق محدودة لتلبية احتياجات النقل الجوي البدائية.
2. عصر التقدم التقني: ظهرت المدرجات المرصوفة وأنظمة الإضاءة خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، مما مهد الطريق لتشغيل الطيران الليلي وزيادة الأمان.
3. الطفرة بعد الحرب العالمية الثانية: شهدت المطارات تصاميم أكثر تطورًا، مع إدخال مبانٍ طرفية حديثة وخدمات متقدمة لتلبية الزيادة السريعة في عدد المسافرين.
4. عصر الطائرات النفاثة: تم تحسين المدارج وإعادة تصميم المرافق لاستيعاب الطائرات النفاثة الأكبر والأسرع، مع تعزيز الراحة والكفاءة في السفر الجوي.
5. الأمن والاستدامة: أصبحت أولويات بناء المطارات تتضمن تعزيز الأمن عبر أنظمة متطورة، مع التركيز على تطبيق ممارسات صديقة للبيئة وتكنولوجيا مستدامة.
6. المطارات الذكية: يشهد هذا العصر دمج تقنيات حديثة مثل الأتمتة، الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات لتحسين كفاءة العمليات وتقديم تجربة ركاب مميزة.
أمثلة رائدة في بناء المطارات العربية
مطار الملك سلمان الدولي: شراكة نحو طيران عالمي
أعلنت شركة تطوير مطار الملك سلمان الدولي، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، عن توقيع عقود شراكة مع أربع شركات عالمية ومحلية رائدة في مجالات الهندسة والإنشاءات وإدارة الحركة الجوية. تهدف هذه الشراكات إلى بدء مرحلة جديدة لتطوير المطار ليصبح أحد أكبر الموانئ الجوية في العالم، ومركزًا رئيسيًا للنقل والسياحة في الرياض. وستعمل شركة “فوستر وشركاه”، الحائزة على جوائز في التصميم المعماري، على إعداد المخطط الرئيسي الذي يشمل مساحة 57 كيلومترًا مربعًا، تضم ستة مدارج وصالات متعددة. وسيعكس التصميم هوية الرياض والثقافة السعودية لتقديم تجربة سفر استثنائية.
كما تتولى “جاكوبس” تصميم المدارج الجديدة وتقديم استشارات تفصيلية، بينما تتولى “مايس” تطبيق أفضل الممارسات العالمية في مراحل التخطيط والبناء. وستعمل الشركة السعودية “نيرا” على تحسين كفاءة الحركة الجوية باستخدام أحدث التقنيات. أكد ماركو ميهيا، الرئيس التنفيذي المكلف لشركة تطوير مطار الملك سلمان الدولي، أن المشروع يدعم رؤية السعودية 2030 الهادفة لتحويل الرياض إلى بوابة عالمية ومركز لوجستي رائد. ويأتي هذا المشروع كخطوة محورية لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية وتعزيز مكانة السعودية في قطاع الطيران العالمي.
مطار زايد الدولي: أيقونة الجمال والابتكار في قطاع الطيران
مؤخرًا، تُوّج مطار زايد الدولي في أبو ظبي بلقب “أجمل مطار في العالم” من قبل منظمة “بري فرساي”، تأكيدًا على ريادته في مجال التصميم المعماري للمطارات. يُبرز هذا الإنجاز التناغم بين التكنولوجيا المتقدمة والإرث الثقافي الإماراتي، حيث يعكس تصميم المطار التراث الغني لإمارة أبو ظبي بزخارف هندسية إسلامية، مع واجهة زجاجية مائلة تتيح تدفق الضوء الطبيعي بشكل مذهل. ومن أبرز معالمه “سنا النور”، التركيب الفني البيئي المستوحى من أبراج الرياح التقليدية، الذي يعزز كفاءة استهلاك الطاقة بنسبة 10%، مما يجمع بين الاستدامة والجمال في تصميم استثنائي.
على مساحة 742 ألف متر مربع، يتسع مطار زايد الدولي لـ 45 مليون مسافر سنويًا مع قدرة تشغيلية تصل إلى 11 ألف مسافر في الساعة و79 طائرة في الوقت ذاته. هذا الإنجاز يمثل نموذجًا عالميًا للتميز، خاصة مع خططه لإطلاق تقنية الهوية البيومترية بحلول عام 2025. وأعربت إيلينا سورليني، الرئيس التنفيذي لمطارات أبو ظبي، عن فخرها بالجائزة التي تأتي تزامنًا مع الذكرى السنوية الأولى للمطار واحتفالات عيد الاتحاد الـ 53 لدولة الإمارات، مشيدة بجهود الفريق والشركاء في تحقيق هذا النجاح. مع تزايد أعداد الركاب التي تجاوزت 21 مليون مسافر حتى سبتمبر الماضي، يُعد المطار الأسرع نموًا في الشرق الأوسط وأحد أفضل المطارات عالميًا.
مطار حمد الدولي ” قطر”: انعكاس التصميم العصري والتقنيات المتقدمة
يُعتبر مطار حمد الدولي مركزًا محوريًا للنقل الجوي في قطر، حيث يوفر تجربة استثنائية منذ لحظة الوصول. يشتهر المطار بتصميمه الفريد الذي يمزج بين الحداثة واللمسات الثقافية، ويزخر بالأعمال الفنية العالمية، ومجموعة واسعة من متاجر التسوق الفاخرة، ومنافذ متنوعة لتناول أشهى المأكولات. بالإضافة إلى ذلك، يتميز المطار بحديقته الاستوائية التي تضيف لمسة من الطبيعة في قلب هذا الصرح المعماري. تتولى إدارة المطار شركة الخطوط الجوية القطرية، التي نالت العديد من الجوائز الدولية، مما يضمن جودة الخدمات المقدمة للمسافرين.
يمتد المطار على مساحة 29 كيلومترًا مربعًا، ويضم حوالي 100 مبنى تشمل مختلف المرافق والخدمات. يتمتع المبنى الرئيسي للركاب بمساحة تبلغ 600 ألف متر مربع، ما يجعله واحدًا من أضخم المرافق في العالم. ويصل معدل حركة الطائرات إلى 80 طائرة في الساعة، مع طاقة استيعابية أولية تصل إلى 30 مليون مسافر سنويًا، تُرفع لاحقًا إلى 50 مليون مسافر عند اكتمال جميع المراحل. كما يقدم المطار خدمات شحن جوي متقدمة، بقدرة استيعابية تصل إلى 1.5-2.0 مليون طن من البضائع سنويًا، ما يعزز مكانته كمركز لوجستي عالمي.
حقق مطار حمد الدولي العديد من الإنجازات البارزة، حيث حصل على المركز الأول في جوائز سكاي تراكس العالمية لعام 2024، والمركز الأول وفقًا لتقرير شركة AirHelp للعام نفسه. هذه الجوائز تعكس التزام المطار بتقديم أعلى معايير الجودة في الخدمات والبنية التحتية. بفضل تصميمه المبتكر وإدارته المتميزة، يظل مطار حمد الدولي أحد أبرز مطارات العالم، ووجهة مفضلة للمسافرين من جميع أنحاء العالم.
مطار سفنكس: بوابة جديدة لتسهيل السفر واستكشاف مصر
تم افتتاح مطار سفنكس في عام 2019 بهدف تخفيف العبء عن مطار القاهرة الدولي وتعزيز القدرة الاستيعابية للمطارات في المنطقة. يتميز المطار بموقعه الاستراتيجي على بُعد حوالي 40 كيلومترًا جنوب القاهرة، مما يجعله قريبًا من المعالم السياحية الرئيسية مثل الأهرامات وأبو الهول. يقدم المطار خدمات متميزة للركاب تشمل صالات انتظار مريحة، ومجموعة من المحلات التجارية والمطاعم. كما يخدم الرحلات الدولية إلى وجهات متنوعة، مما يجعله محطة مهمة للسفر واستكشاف مصر.
بحسب وزارة الطيران المدني المصرية، يمتد المطار على مساحة 24,000 كيلومتر مربع، ويستوعب حوالي 900 راكب سنويًا من خلال مبنى الركاب الذي يحتوي على 16 كاونترًا و4 سيور نقل (3 للوصول و1 للمغادرة). يتميز المطار بتجهيزات حديثة، بما في ذلك إنارة ممرات وترماك مجهزة للإضاءة الليلية ولافتات إرشادية. إلى جانب ذلك، يمثل موقعه القريب من مدينة سفنكس الجديدة – واحدة من مدن الجيل الرابع سريعة التنمية – كجزء من استراتيجية 2030 للتوسع العمراني، فرصة لتطوير المزيد من البنية التحتية ودعم النمو السياحي والاقتصادي في المنطقة.
ختامًا، إنَّ بناء المطارات عملية ديناميكية تعكس – بدورها – تطلُّعَات البشر إلى الاتصال والتنقل، تنتقل من البدايات البسيطة إلى التحف المعمارية الحديثة، لا سيَما وقد أصبحت الموانئ الجوية شريان الحياة للعالم، بخاصَّة مع التوجه نحو استدامة وابتكار يُشكِّلان مستقبل النقل بين خطوط أجواء الأقطار المختلفة.