أبينة – خاص
مع تسارع مشاريع الاستيطان الفضائي، مثل المدن القمرية والمستعمرات المريخية، تبرز الحاجة إلى مواد بناء قادرة على مقاومة الظروف البيئية القاسية، بما في ذلك الإشعاع الكوني، التقلبات الحرارية، والضغوط الميكانيكية. في هذا السياق، تُعد المواد الكربونية الذكية، مثل الخرسانة الذكية والفولاذ المتجدد، من الحلول الواعدة لبناء منشآت فضائية مستدامة وآمنة.
المسألة – محل النقاش – ليست مجرَّد ضرب من الخيال أو آمال وطموحات بحثية، بل واقع يُطل عليه العِلم ويتطلع نحو تنفيذه بخطىً ثابتة، وكلمة السر تكمُن في “الخرسانة الذكية”.
الخرسانة الذكية.. إصلاح ذاتي ومقاومة للإشعاع
الخرسانة الذكية هي مادة مبتكرة تمتلك القدرة على التكيف مع الظروف البيئية المحيطة وإصلاح نفسها تلقائيًا عند حدوث تشققات. يتم ذلك من خلال دمج بكتيريا منتجة للكالسيوم أو مواد بوليمرية متجددة داخل مزيج الخرسانة، حيث تعمل هذه المواد على سد الفجوات وإعادة ترميم السطح تلقائيًا دون الحاجة إلى تدخل بشري.
الفولاذ المتجدد.. مرونة واستدامة في البناء الفضائي
الفولاذ المتجدد، المصنوع من ألياف الكربون المعاد تدويرها، يوفر خصائص ميكانيكية وحرارية عالية، مما يجعله مناسبًا للبناء في الفضاء.
وفقًا لتقرير صادر عن ، وهي منصّة تدرس التحليل الشامل وفهم اتجاهات السوق العالمية، وسلوكيات المستهلكين، في عام 2024، بلغ حجم سوق ألياف الكربون المعاد تدويرها عالميًا 153.2 مليون دولار أمريكي، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب يزيد عن 11.5% من عام 2025 إلى 2034، مدفوعًا بالطلب المتزايد في صناعات مثل الفضاء الجوي.
من المختبر إلى الفضاء
في عام 2024، أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية عن مشروع “HABITAT”، الذي يهدف إلى تطوير وحدات سكنية على سطح القمر باستخدام الخرسانة الذكية والفولاذ المتجدد. يهدف المشروع إلى اختبار فعالية هذه المواد في بيئة قمرية حقيقية، مع التركيز على مقاومة الإشعاع والتقلبات الحرارية.
كما تعمل شركة “SpaceX” على تطوير مستعمرات مريخية تستخدم مواد بناء ذكية، بما في ذلك الخرسانة القادرة على إصلاح نفسها والفولاذ المعاد تدويره، لتقليل الحاجة إلى الصيانة وتوفير الموارد.
من الفضاء إلى الأرض: نقل الابتكار إلى البنية التحتية الحضرية
بينما تُطوّر تقنيات البناء الذكي لمواجهة التحديات القاسية في بيئات الفضاء، تُفتح أمامها آفاق واعدة للتطبيق على الأرض. ولكي نكون أكثر قُربًا، يمكن استخدام الخرسانة الذكية في بناء الجسور والأنفاق والمباني الحيوية في المدن الكبرى، حيث تُقلل من تكاليف الصيانة من خلال قدرتها على إصلاح التشققات تلقائيًا، ما يطيل عمر المنشآت ويقلل من الانبعاثات المرتبطة بأعمال الصيانة والتجديد. في المناطق المعرضة للزلازل أو الطقس القاسي، تسهم هذه المادة في تعزيز السلامة الهيكلية والاستجابة الفورية للأضرار.
أما الفولاذ المتجدد المصنوع من ألياف الكربون المعاد تدويرها، فيُعد مثاليًا لتطبيقات النقل والبنية الفوقية مثل محطات المترو، هياكل الطيران، ومكونات الأبراج الذكية، نظرًا لخفة وزنه ومتانته العالية. كما يمكن دمجه في مشاريع البنية التحتية المستدامة، مثل المباني الخضراء أو مراكز البيانات، لتقليل استهلاك الطاقة وتحسين الأداء الهيكلي. بهذه الطريقة، لا تمثل تقنيات الفضاء مجرد إنجاز تقني، بل تصبح أيضًا محركًا حقيقيًا لتحول عمراني ذكي ومستدام على كوكب الأرض.
تحديات وآفاق مستقبلية
رغم التقدم المحرز، لا تزال هناك تحديات تواجه استخدام هذه المواد في الفضاء، مثل التكاليف العالية، صعوبة الإنتاج في بيئات منخفضة الجاذبية، والحاجة إلى اختبارات ميدانية موسعة. ومع ذلك، فإن التوجه نحو الاستدامة وتقليل البصمة الكربونية يدفع نحو تبني هذه المواد في مشاريع الاستيطان الفضائي المستقبلية.
في الختام، يمثل استخدام الخرسانة الذكية والفولاذ المتجدد خطوة مهمة نحو بناء بنية تحتية مستدامة وآمنة على الكواكب الأخرى، مما يمهد الطريق لاستيطان فضائي ناجح في المستقبل.