Home تقارير العمارة العاطفية.. كيف تُعيد التصاميم السكنية صياغة مشاعرنا اليومية؟

العمارة العاطفية.. كيف تُعيد التصاميم السكنية صياغة مشاعرنا اليومية؟

by admin

أبنية – خاص

تزداد الحاجة إلى مساحات سكنية تُلبي الاحتياجات النفسية والعاطفية للسكان أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فلم يُعد التصميم المعماري يقتصر على الجوانب الجمالية والوظيفية فحسب، بل بات يُركز على خلق بيئات تُعزز الراحة النفسية وتُحسن من جودة الحياة.
في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة، يبحث العملاء حول منازل أكثر راحة، تخاطب المشاعر اليومية، فلا تكون مجرَّد بيوتًا ومنازل، بل حياة كاملة يندمج فيها صاحبها وتندمج فيه.

التصميم العاطفي في العمارة السكنية
التصميم العاطفي هو نهج يهدف إلى إنشاء مساحات تُثير مشاعر إيجابية وتُعزز من رفاهية السكان. يتضمن هذا النهج استخدام عناصر مثل الإضاءة الطبيعية، الألوان المهدئة، المواد الطبيعية، والتخطيط المفتوح لتحقيق توازن بين الجمال والوظيفة.

تأثير العناصر المعمارية على الحالة النفسية
تلعب العناصر المعمارية دورًا محوريًا في تشكيل المزاج العام للسكان، حيث تُعتبر الإضاءة الطبيعية واحدة من أهم الوسائل لتعزيز الراحة النفسية. دخول الضوء الطبيعي إلى الفراغات الداخلية لا يُضفي فقط طابعًا مشرقًا على المكان، بل يُحسّن من المزاج ويُسهم في زيادة النشاط والإنتاجية، خاصة في البيئات السكنية التي نقضي فيها معظم ساعات اليوم. كما تُساهم الألوان الهادئة، مثل الأزرق الفاتح والأخضر النباتي، في خلق بيئة تبعث على الطمأنينة وتخفف من التوتر، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لغرف النوم والمعيشة.
من ناحية أخرى، يُعزز استخدام المواد الطبيعية كالخشب والحجر من الإحساس بالدفء والانتماء، ويُعيد ربط الإنسان بجوهر الطبيعة داخل المساحات المعمارية. وعند اعتماد التخطيط المفتوح—الذي يُزيل الحواجز البصرية بين المطبخ وغرفة المعيشة أو بين الداخل والخارج—يتولد شعور بالحرية ويزداد التفاعل بين أفراد الأسرة، مما يُقلل من الشعور بالانعزال ويُغذي الروابط الاجتماعية، وهو أمر جوهري في التصميمات السكنية ذات البُعد العاطفي.

أمثلة على مشاريع سكنية تُجسد التصميم العاطفي
في مشهدٍ معماري متنامٍ مثل الرياض، يُجسّد مشروع “مرسية” تحولًا نوعيًا نحو التصاميم التي تحتضن الإنسان لا العكس. على مساحة تفوق 2.7 مليون متر مربع، لا يقدّم هذا المشروع مجرد وحدات سكنية، بل بيئة معيشية تُراعي الاحتياجات النفسية اليومية للسكان. المساحات الخضراء الممتدة، والممرات الهادئة للمشي، والمناطق الترفيهية المنتشرة بعناية—كلها تُصمم بعينٍ تُدرك كيف تؤثر التفاصيل المعمارية على الراحة النفسية والشعور بالانتماء.
أما في مكة المكرمة، فيتجلى الحس العاطفي في “جوهرة الرصيفة”، وهو مشروع يسعى لتكوين بيئة سكنية تحتفي بالأسرة السعودية. من خلال توزيع الوحدات داخل 33 عمارة محاطة بالمساحات الخضراء وأماكن لعب الأطفال، ينبثق تصميم يُشبه نسيجًا اجتماعيًا حيًا، يُراعي التفاصيل اليومية التي تصنع الفرق في جودة الحياة. يُظهر المشروع كيف يمكن للعمران أن يحتضن العاطفة دون أن يتخلى عن الكفاءة.
وفي الإمارات، ينعكس البُعد العاطفي في التصميم السكني بوضوح في مشروعين متميزين: “دبي هاربر رزيدنسز” في دبي و”الساد السكني” في العين. الأول يربط السكان بالبحر بصريًا وشعوريًا، من خلال إطلالات بانورامية ومساحات مفتوحة تُعزز الصفاء. بينما يقدّم مشروع “الساد” نموذجًا لتصميم مجتمعي شمولي؛ بيئة تُلبّي احتياجات السكان النفسية عبر مرافق اجتماعية وخدمية مدمجة بعناية في النسيج العمراني، حيث يصبح السكن أكثر من مجرد جدران—بل مأوى للطمأنينة اليومية.

مبادئ التصميم العاطفي في العمارة السكنية
يعتمد التصميم العاطفي في العمارة السكنية على مبدأ “البيوفيليا”، أي دمج الطبيعة في قلب التجربة المعيشية. وجود النباتات، الإطلالات على المساحات الخضراء، أو حتى استخدام المواد ذات الأصل الطبيعي مثل الخشب غير المعالج والحجر المحلي، يُحفّز إحساسًا عميقًا بالسكينة والاتصال بالعالم الخارجي. هذا النوع من الارتباط يعيد الإنسان إلى جذوره البيئية ويُسهم في تخفيف التوتر وتحسين الصحة النفسية على نحو غير مباشر، لكنه فعّال للغاية.
كما يركّز التصميم العاطفي على الإنسان بوصفه محور العملية التصميمية؛ فبدلاً من الاكتفاء بتلبية الاحتياجات الوظيفية، يسعى المصمم لفهم أنماط حياة السكان ومشاعرهم اليومية. لذلك نجد فراغات مُصمّمة لتوفير الخصوصية والهدوء عند الحاجة، ومساحات أخرى تُشجّع على التفاعل الاجتماعي، مثل زوايا الجلوس المشتركة أو شرفات مفتوحة تُطل على الحدائق. هذا التوازن بين الانعزال والاندماج يُعزز من الاستقرار النفسي ويجعل البيت مكانًا يُشبه من يسكنه.
أمَّا مبدأ المرونة والاستدامة، فهو يُضيف بُعدًا مستقبليًا للتصميم العاطفي. توفر المرونة إمكانيات التعديل مع تغيّر احتياجات الأسرة، من خلال مخططات قابلة للتحول أو أثاث متعدد الاستخدام. في الوقت ذاته، تضمن الاستدامة استخدام مواد صديقة للبيئة وتقنيات موفّرة للطاقة، مما لا يعود بالنفع فقط على الكوكب، بل يمنح السكان إحساسًا أخلاقيًا بالرضا ويُقلل من التوترات الناتجة عن التكلفة أو الصيانة. التصميم العاطفي هنا لا يُراهن فقط على الجمال، بل على العمق والذكاء والاستدامة.

أصبح من الضروري أن يُراعي التصميم المعماري الجوانب النفسية والعاطفية للسكان، خاصة في المساحات السكنية التي نقضي فيها معظم أوقاتنا. من خلال تبني مبادئ التصميم العاطفي، يُمكن للمعماريين والمصممين إنشاء بيئات تُعزز من الراحة النفسية وتُحسن من جودة الحياة اليومية.

You may also like

اترك تعليقك :